- اتهامات الفساد وأزمات «الليكود» تهدد مستقبل نتنياهو السياسي ..وتوحيد اليمين المتطرف «طوق النجاة» الوحيد للاحتفاظ بموقعه
المعركة الانتخابية في إسرائيل تصل ذروتها وتبدأ عدها العكسي، مع إغلاق باب الترشح لانتخابات الكنيست «البرلمان»، لتبدأ معركة انتخابية ساخنة لمدة 45 يوما، أي حتى يوم الانتخابات المقرر في التاسع من أبريل المقبل.
وعشية الانتخابات المبكرة تغيرت الخريطة السياسية داخل إسرائيل، وأبرز سماتها: التجاذبات والانقسامات، تغيير الرايات والتشظي، تكوين أحزاب جديدة، توحيد قوى اليمين المتطرف، دخول شخصيات جديدة بينها قادة عسكريون سابقون قد يغيرون وجه الحياة السياسية بشكل كامل.
وقد أدى دخول «حزب الجنرالات» بقيادة بيني غانتس المعركة الانتخابية إلى نشوء حالة جديدة يبدو فيها أن هناك احتمالا لأول مرة منذ 10 سنوات، لاستبدال نتنياهو في الحكم.
وقامت كل الأحزاب البارزة بإدخال جنرال أو أكثر لمواجهة الحالة الجديدة.
وما يميز هذه الانتخابات أنها تجري في ظروف استثنائية داخلية وإقليمية، وتوصف بأنها الأهم منذ عقود، وأهميتها تكمن في تأثيرها على التوجهات والخيارات السياسية للمرحلة، وخصوصا الموقف من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط، أو ما بات يعرف بـ «صفقة القرن».
1 ـ يخوض نتنياهو معركة مصيرية وصعبة، ويكفي للدلالة على ذلك أنه اضطر مؤخرا الى إلغاء زيارته الى موسكو للتفرغ للمعركة الانتخابية وتوحيد صفوف أحزاب اليمين.
نتنياهو يعد لمعركته جيدا ويسعى جاهدا لتوحيد قوى اليمين، من حلفائه وخصومه، لمنع فوز «حزب الجنرالات»، وقد دعا 4 أحزاب من اليمين المتطرف إلى التوحد لإنقاذ عشرات آلاف الأصوات اليمينية من الضياع وضمان عودته إلى الحكم، واعدا هذه الأحزاب بأن يقيم حكومة وطنية يمينية بعد الانتخابات، مؤكدا أنه لا ينوي إشراك غانتس وحزبه في حكومته لأنه يعتبره حزبا يساريا، لافتا إلى أن أحدا من هذه الأحزاب لن يعبر نسبة الحسم لو خاضت هذه الأحزاب الانتخابات متفرقة، في حين أن وحدتها ستكسبها 6 أو 7 مقاعد على الأقل.
وفي إطار حملة الدعاية الانتخابية الخارجية من أجل تحصين نفسه سياسيا وشعبيا في مواجهة لوائح الاتهام والترويج لدوره في رفع مكانة إسرائيل في العالم ونجاحه في إقامة علاقات دولية، أعد حملة دولية متعددة الأطراف وأجرى سلسلة لقاءات مع عدد من زعماء العالم، أولهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وشارك في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي، وسيقوم بزيارة خاطفة إلى الهند، للتوقيع على صفقة ضخمة لبيع أسلحة إسرائيلية للهند بقيمة 3.5 مليارات دولار.
وسيستقبل نتنياهو رئيس البرازيل جايير بولسونارو في إسرائيل، آملا أن يعلن عن نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس.
ولكن أهم حدث في هذه الحملة هو اللقاء مع الرئيس الأميركي، حيث سيتوجه إلى واشنطن ليلقي خطابا في المؤتمر السنوي للوبي الإسرائيلي (إيباك) بين 24 حتى 26 مارس المقبل، قبل أسبوعين من موعد انتخابات الكنيست المقبلة.
ويخطط نتنياهو لأن يكون خطابه في المؤتمر مميزا أمام عدد كبير من المندوبين يصل أحيانا إلى 20 ألفا، وسيسعى لتحسين علاقاته معهم.
2 ـ يبدو أن نتنياهو، سواء كان محبوبا أم مكروها، هو محور الانتخابات التي تكاد أن تكون استفتاء عليه، وحيث تضعه المتغيرات السياسية في وضع لا يحسد عليه، فإضافة الى لوائح اتهام تنتظره لتقديمه أمام المحاكمة بتهم فساد ورشوة، لدى نتنياهو أسباب كثيرة تدعوه للقلق:
٭ تشتت المعسكر اليميني الذي يسعى أقطابه إلى حصد المكاسب الشخصية على حساب التوجهات العامة لليمين، ما دفع معظمهم إلى الانشقاق وتأليف أحزاب جديدة، كما حصل مع «البيت اليهودي».
ويستجلب تبادل الاتهامات داخل اليمين، وتشظي كياناته السياسية، خسارة مقاعد وخسارة كتلة كانت تفرض نفسها بقوة من خلال حجمها الكبير الموزع على كيانات سياسية معدودة.
ومن شأن ضعف التمثيل اليميني، بمعنى تفرقه بين أحزاب تحوز كل منها أعدادا قليلة من المقاعد في الكنيست المقبل، إضعاف القوة والمكانة في القوس السياسي الإسرائيلي.
٭ ظاهرة غانتس التي تشكل تهديدا لسيطرة اليمين، ولحزب «الليكود»، ولشخص نتنياهو. فقد نجح غانتس في فرض نفسه قوة سياسية لها امتداد جماهيري.
فهو يحظى باحترام واسع، ونجح في إبراز تاريخه العسكري وفي تقديم خطاب غازل من خلاله جمهور اليمين، وأبرز ما فيه تعهده بـ «تعزيز الكتل الاستيطانية»، وعدم التنازل عن هضبة الجولان أبدا، والاحتفاظ بغور الأردن باعتباره الحدود الأمنية الشرقية لإسرائيل، والحفاظ على الأمن في كامل أرض إسرائيل، وبأن تبقى القدس الموحدة إلى الأبد عاصمة للشعب اليهودي، وعاصمة لدولة إسرائيل.
٭ نتائج الانتخابات الداخلية في «الليكود»، حول تركيبة القائمة التي ستخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، التي شكلت نكسة لنتنياهو كزعيم سياسي، وأظهرت أن رصيده بدأ ينفد حتى في وسط القاعدة المقربة منه.
فعلى الرغم من أن نتنياهو وضع كل ثقله لصالح المقربين له ولاستبعاد خصومه، فقد صو ت عشرات ألوف أعضاء الحزب لصالح خصومه وضد رجالاته.
٭ عملية تشكيل الحكومة التي يكلف بها الحزب الحاصل على أكثر المقاعد، وقدرته على تشكيل ائتلاف حكومي يتجاوز الرقم 61.
وعلى رغم التقديرات التي تقول إن «الليكود» سيكلف مهمة تشكيل الحكومة المقبلة، لكونه سيحظى بعدد مقاعد أكبر مما ستناله اللوائح الأخرى، إلا أن مهمة تشكيل ائتلاف من مجموعات يمينية متشظية ومتباينة ستكون مهمة صعبة، وفي حال نجاحها سيكون الائتلاف هشا ومعرضا لابتزاز أحزاب صغيرة فيه، وبالتالي لن يكون هناك استقرار سياسي.
هذه المعضلة قد تدفع «الليكود» إلى البحث عن ائتلاف أكثر استقرارا، وان جاء نتيجة «زواج قسري» مع أحزاب الوسط أو حتى يسار الوسط، وهذا في حد ذاته مشكلة لا تقل صعوبة بالنسبة إليه.
ومن شأن هذا السيناريو المحتمل أن يدفع غانتس وحزبه الجديد «حصانة لإسرائيل» إلى الواجهة، خصوصا انه مرشح ان يكون الحزب الثاني من حيث عدد المقاعد في الكنيست المقبل بعد «الليكود».
3 ـ من الصعوبة بمكان أن يكون هناك استطلاع دقيق، ففيما رجحت استطلاعات فوز حزب «الليكود»، الذي يتزعمه نتنياهو (69 عاما) بنحو 30 مقعدا من مقاعد البرلمان البالغ عددها 120 مقعدا، وهو ما يكفي لتشكيل حكومة ائتلافية من اليمينيين والقوميين مثل الحكومة التي يقودها في الوقت الحالي، إلا أن الاستطلاعات الأخيرة أظهرت تقدما بارزا لحزب الجنرالات الإسرائيليين «حصانة لإسرائيل» برئاسة الجنرالين بيني غانتس وموشيه يعلون، رئيسي الأركان الأسبقين، واقتراب شعبية غانتس من شعبية نتنياهو كمرشح لرئاسة الحكومة.
فقد قال 47% ان نتنياهو الأنسب لتولي منصب رئيس الحكومة، وقال 41% ان غانتس هو الأنسب، فيما قال 12% إن أيا من الاثنين غير مناسب.
ويشكل غانتس تحديا لنتنياهو، لأنه يبني كثيرا من حملته الانتخابية بحجة أنه رجل الأمن الأول في إسرائيل، وإذا اتحدت معه أحزاب أخرى، فسيصبح «رأسا برأس» مع نتنياهو، غير أنه سيحتاج لإبرام تحالفات سياسية غير مألوفة للتفوق على التكتل اليميني.
وفي حال تمكن غانتس من ترؤس التحالف مع حزب يائير لبيد «يوجد مستقبل»، وخوض الانتخابات في قائمة واحدة معه برئاسته هو، فإنه سيحظى بأكثرية 35 مقعدا مقابل 30 مقعدا لـ «ليكود».
كما أنه في حال تمكن من ضم الجنرال غابي أشكنازي، رئيس الأركان الذي سبقه، فإنه سيرتفع إلى 42 مقعدا، مما يعني أن هذا كفيل بإسقاط حكم نتنياهو.
في الواقع، وفي ضوء المعطيات المتوافرة إلى الآن، يمكن تسجيل الخلاصات التالية:
ـ «الليكود» مازال متقدما حتى الآن وسيحل أولا في نتائج الانتخابات، لكنه لن يتمكن من انتزاع حصة يستطيع من خلالها تأليف حكومة من دون عناء، إذ سيضطر إلى التفاوض مع مجموعات يمينية متباينة، أو الاقتران قسرا بالوسط ويسار الوسط.
ـ نتنياهو، المحاصر بالأزمات، والذي جاءت نتائج الانتخابات التمهيدية داخل حزبه «الليكود» في غير مصلحته، قد ينتزع منه الحق في تشكيل الحكومة، باستغلال لائحة الاتهام التي ستصدر بحقه قبيل موعد التصويت في أبريل.
ـ التحولات الجذرية التي تشهدها الساحة السياسية الإسرائيلية، والتي تتمثل بظهور العديد من الأحزاب الجديدة، وتراجع أحزاب ممثلة حاليا في الكنيست وكانت تشكل رقما مهما في المعادلة السياسية في إسرائيل، ومهددة بالانهيار وعلى وشك الاختفاء من المشهد أو لعب دور هامشي ومحدود في حال نجحت في البقاء.
- الأحزاب العربية التي تخوض الاستحقاق هي الأخرى متشظية، لن تقدر على حصد ما تأمله من مقاعد تمثيلية، وبالتالي فإن مفاعيل مشاركتها لن تكون أفضل حالا مما أفرزته مشاركتها في العام 2015 عندما دخلت السباق موحدة.
ـ بيني غانتس هو المعطى الجديد والقيمة المضافة الى الانتخابات والمفاجأة المحتملة فيها إذا كان هناك من مفاجآت.
ـ الانتخابات تحدد مصير نتنياهو ومستقبله السياسي، ونتنياهو سواء ربح الانتخابات وبقي رئيسا للحكومة أو خسرها وحل آخر محله، هو الذي سيحدد مصير خطة ترامب للشرق الأوسط، أي «صفقة القرن».