يبدو أن النخبة العراقية اصطفت وراء استراتيجية تباركها إيران في محاولة للنجاة من الانتفاضة الشعبية المناوئة للحكومة، وذلك من خلال احتواء احتجاجات الشوارع مع تقديم إصلاحات سياسية وإجراء انتخابات في العام المقبل.
لكن هذا الحل المقترح يتضمن بقاء النخبة الحاكمة، التي ترعاها إيران منذ سنوات، في السلطة وهو أمر من المستبعد أن يهدئ المحتجين الذين يطالبون برحيل نخبة السياسيين بكاملها.
وشاركت إيران عن قرب في وضع الاستراتيجية الجديدة عبر عدد من الاجتماعات بين الفصائل السياسية والشخصيات الحكومية في حضور قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني والذي يشرف على وكلاء طهران في الشرق الأوسط.
وقال مصدران على دراية بما يدور في المحادثات إن سليماني أقر خطة الإصلاح التي ستبقي رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي في الحكم لحين إجراء الانتخابات.
وقال مسؤول أمني كبير لـ«رويترز» إن هناك تكتيكات جديدة تم إقرارها في محاولة لحصر المظاهرات في ساحة التحرير في العاصمة بغداد.
وساحة التحرير مفترق طرق يؤدي مباشرة إلى جسر يمر فوق نهر دجلة ويعتصم المتظاهرون فيها منذ أسابيع.
وقال المسؤول الأمني «القوات الأمنية تلقت أوامر جديدة يوم السبت الماضي بضرورة الإبقاء على المتظاهرين داخل ساحة التحرير».
وأضاف «القوات الأمنية تعمل بهدوء لإحكام الطوق على الساحة ومن كل الاتجاهات».
وتابع أنه من المتوقع أن تلي ذلك حملة اعتقالات في محاولة للحد من القوة الدافعة للاحتجاجات.
وفي نفس الوقت ستدفع السلطات بخطة إصلاح لتهدئة الحشود بإجراء انتخابات جديدة تشرف عليها مفوضية من المزمع أن تكون أكثر استقلالا وكذلك برلمان يعاد النظر في تركيبته ليكون أصغر وأكثر تمثيلا للسكان الذين يتسمون بالتنوع في العراق.
وتقول مصادر حضرت الاجتماعات مع الحكومة في الآونة الأخيرة إن الاستراتيجية تحظى الآن بتأييد الأحزاب المدعومة من إيران والمؤيدة للحكومة كما تحظى بتأييد منافسها الرئيسي وهو تيار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي دأب على انتقاد إيران وطالب عبد المهدي بالاستقالة. ويؤيد الخطة أيضا زعماء سياسيون من السنة والأكراد.
وقال مصدر قريب من الصدر «غضب المتظاهرين على جميع السياسيين، ومن ضمنهم الرموز الدينية، أجبر كل الأطراف السياسية للاستماع إلى النصيحة الإيرانية والعمل معا للإبقاء على حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي».
ومضى قائلا «حتى الصدر مع هذا التوجه». وأضاف «مقتدى الصدر قلق من أن التظاهرات التي لا يسيطر عليها هو قد تهدد مكانته بين أتباعه».
وسيحل تكنوقراط وقضاة محل المعينين بقرارات سياسية في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات.
وعقدت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينس بلاسخارت امس، اجتماعا مع رؤساء الاتحادات والنقابات الجماهيرية في العراق لبحث مطالب المتظاهرين والمطالبة بالكف عن استخدام العنف ضد المتظاهرين وحماية الممتلكات العامة والخاصة في مسعى منها لاحتواء الازمة.
وميدانيا، واصل طلاب ومعلمون اعتصاماتهم امس، في مدن متفرقة في جنوب العراق، حيث أغلقت معظم المدارس والجامعات في جنوب البلاد أبوابها امس، بعدما أعلنت نقابة المعلمين إضرابا عاما في محاولة لإعادة الزخم إلى الاحتجاجات المناهضة للحكومة.
كما تظاهر المئات في مدينة الكوت، وقاموا بجولات لإغلاق المدارس والإدارات الرسمية.
وفي الديوانية، وأغلقت كافة المؤسسات التعليمية أبوابها. وفي الاثناء، اضرم محتجون النار في جسر الزيتون على نهر الفرات وسط المدينة قبل ان تأتي قوات الرد السريع التابعة لوزارة الداخلية لتبعدهم عن الجسر وتقوم هي بقطعه لدواعي امنية.
وفي البصرة واصل طلبة الجامعات اعتصامهم داخل الحرم الجامعي في مجمع كليات كرمة علي، فيما واصل آخرون التظاهر في ساحة البحرية وسط المدينة.
وفي العاصمة بغداد، واصل المتظاهرون الشبان خوض مواجهات مع القوات الأمنية في الشوارع التجارية المتاخمة لساحة التحرير.
الى ذلك، خرجت تظاهرة لمنتسبي الأجهزة الأمنية مؤيدة للمحتجين في كربلاء، فيما أغلق متظاهرون جسري النصر والحضارات وسط الناصرية جنوب البلاد.