باسل المصري
اشتهرت الدولة المصرية في السابق بعلاقتها القوية بأغلب دول العالم، بحكم موقعها الجغرافي أو دورها السياسي الذي لم تحد عنه طيلة عقود، وسعت الإدارات السابقة ومن يصيغ السياسة الخارجية لتقوية العلاقات مع عدد من الدول تعتبر الأكثر تأثيرا ونفوذا في القرارات المتعلقة بالسلم والأمن الدوليين، وهذا ما عزاه البعض الى طبيعة وشكل العالم في القرن الماضي، لكن على مدار التاريخ وبحكم المواقف كانت للقاهرة علاقات قوية من موسكو الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي الذي كان يدعم الدول المتبنية لإيديولوجياته وتوجهاته في بناء المجتمع وأعطاها المظلة السياسية، وبعد تفكك الاتحاد نسجت روسيا خيوط التعاون مع الدول العربية، بشكل ظهر فيه التنافسية الشديدة بينها وبين واشنطن، حتى انحسر النفوذ الروسي في المنطقة العربية وأصبحت السياسة الخارجية الروسية تعطى أسبقية لمجالها الحيوي وتطوير علاقتها مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، بيد أن الأمور اختلفت كثيرا بعد ثورات الربيع العربي وما تبعها من تدخلات - فعليا - في الشؤون الداخلية، وتعاظمت بعد ثورة الثلاثين من يونيو، فعادت روسيا كحليف استراتيجي لعدد من دول المنطقة ومن ضمنها مصر، التي أعلنت في 2013 أن سياستها الخارجية تبني على مبدأ النية، لتنعقد في القاهرة مباحثات رباعية مع الجانب الروسي في نوفمبر من نفس العام تحت مسمى (صيغة 2+2) ثم في موسكو في فبراير من العام 2014 وتستمر حتى الآن، وهي آلية للتشاور في المباحثات تنتهجها الإدارة الروسية مع الدول الاستراتيجية ذات الأهمية الكبرى على مستوى العالم وعقدتها مع ست دول على مستوى العالم حتى الآن، هي الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة واليابان، وانضمت لها مصر.
وانطلاقا من تشخيص محددات العلاقة بين القاهرة وموسكو نجد أن الملفات التي ستطرح خلال أيام بين الزعيمين المصري عبدالفتاح السيسي والروسي فلاديمير بوتين سترتكز حول الآتي:
العلاقات الثنائية والقضايا والأزمات الإقليمية والمواقف المصرية التي تتعرض لها من إرهاب، فالجانب الروسي لديه الآن قوة مؤثرة في مجال العلاقات الدولية من خلال عضويته الدائمة في مجلس الأمن الدولي فيسعى إلى التعاون مع كل دول العالم ومنها المنطقة العربية لتحقيق السلام الشامل والعادل بمنطقة الشرق الأوسط، بل واستمرار المشاركة في المساعي العربية للحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل في المنطقة.
كما يعمل الجانبان على زيادة حجم التبادل التجاري مع مصر مع العمل على جذب الاستثمارات وإقامة مشروعات مشتركة لتجاوز الأزمة الاقتصادية للبلدين، وقد ظهر ذلك في إعلان وزير الخارجية الروسي منتصف الشهر الماضي عن عزم بلاده الاتفاق مع مصر على إقامة منطقة تجارة حرة، فضلا عن إنشاء مشروع الضبعة النووي الذي بموجبه ستحصل مصر على أحدث التكنولوجيات النووية لإنتاج الطاقة حسب كلام الرئيس الروسي في القاهرة نهاية العام المنصرم.
وإذا كانت مصر تمثل منطلقا مهما للجانب الروسي على الصعيدين السياسي والاقتصادي فإن سعي الإدارة الحالية لتعظيم الاستفادة من القدرات العسكرية يعد محورا مهما في كل اللقاءات، فروسيا لديها قدرات تقليدية وفوق التقليدية ونووية وموارد أولية هائلة وتكنولوجيه متقدمة خاصة في مجال الفضاء قد تستطيع مصر من خلال علاقتها الاستراتيجية من توظيف قدراتها الحالية للاستفادة من ذلك.
كما تجدر الإشارة إلى أن أهم مفاتيح نجاح الشراكة الاستراتيجة بين البلدين هو في تعزيز التبادل التجاري خاصة أن روسيا هي عضو في منظمة البريكس من أهم التكتلات الاقتصادية في العالم الحالي.