حصد الرئيس ميشال سليمان ومن حيث لا يتوقع دعما داخليا وخارجيا في مواجهة الدعوة الى استقالته مع ان هذه الدعوة لم تصدر الا عن الوزير السابق وئام وهاب ولم يجاره فيها أحد. وبعد حملة سياسية وإعلامية تضامنية مع رئيس الجمهورية انضوت كل القوى والقيادات فيها بنسب متفاوتة، جاءت حملة دعم دولية ومن دول أساسية معنية بالوضع اللبناني ولها فيه تأثير ونفوذ. وفي اليوم التالي «لرسالة الدعم الاميركي» التي حملتها السفيرة ميشيل سيسون الى قصر بعبدا، حمل السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي رسالة مماثلة.
وعلم من مصادر مطلعة ان السفير السوري نقل للرئيس سليمان دعم بلاده والرئيس بشار الأسد والحرص على دور المؤسسات وفي مقدمها رئاسة الجمهورية، مؤكدا ان سورية لا تتدخل في السجالات الداخلية اللبنانية وما يثار من «غبار سياسي وإعلامي» من حين الى آخر، كما علم ان اللقاء اتسم بالمصارحة الشاملة وجرى فيه بحث العلاقات الثنائية والتنسيق القائم بين البلدين في كل المجالات وعلى مختلف المستويات، وتضمن توضيحات متبادلة في شأن ما تردد وأشيع أخيرا بشأن إشكالات ونقاط تباين وخلاف بين الجانبين، بما في ذلك ما قيل عن هيئة الحوار توقيتا وتشكيلة وبيانا صدر في ختام جلستها هذا الشهر.
ومن قبيل المصادفات أو المفارقات، تلقى الرئيس سليمان في اليوم نفسه دعما ايرانيا نقله اليه كمال خرازي، مستشار قائد الثورة الايرانية ورئيس مجلس استراتيجية العلاقات الخارجية، وجاء الدعم مقرونا بتنويه المسؤولين الايرانيين بالدور الذي يضطلع به الرئيس سليمان في سبيل ترسيخ الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، وفي قيام حكومة الوحدة الوطنية.
وبموازاة الزيارة الى قصر بعبدا، كانت زيارة لافتة للوفد الايراني الى ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري لقراءة الفاتحة. وهذه خطوة معبرة في دلالاتها السياسة وتعكس رغبة ايرانية في تطوير العلاقة مع الرئيس سعد الحريري الذي سبق ان تلقى دعوة رسمية لزيارة ايران ووعد بتلبيتها في وقت مناسب، ماذا يعني هذا الدعم «السوري الايراني» للرئيس ميشال سليمان، وفي هذه المرحلة؟
1 - يعني أولا ان المعادلة الدولية (اميركا ـ فرنسا) العربية (سورية ـ السعودية ـ مصر) الاقليمية (ايران ـ تركيا) التي أتت بالرئيس سليمان رئيسا توافقيا للبنان والتي أرسيت قواعدها في «اتفاق الدوحة» مازالت سارية المفعول، وان سورية وايران مازالتا منخرطتين في هذه المعادلة وملتزمتين «قواعد اللعبة» التي تطبق منذ عامين، ويتعارض معها ويشكل إخلالا بها كل موقف أو توجه الى استقالة رئيس الجمهورية أو تقصير ولايته الرئاسية أو ما شابه ذلك.
2 - يعني ثانيا ان الرئيس سليمان، في شخصه ونهجه، يمثل حاجة وضرورة للاستقرار في لبنان، وهو الأنسب والأقرب في مواصفاته الى مواصفات المرحلة الاقليمية وطبيعتها الانتقالية.
3 - يعني ثالثا ان هناك ارتياحا و«رضى» لدى كل من دمشق وطهران ازاء الأداء الرئاسي والسياسي لسليمان، خصوصا ما يتعلق بالعلاقات الثنائية (سليمان استهل عهده بزيارة دمشق وطهران وكان له موقف مهم في حديث أدلى به الى «الحياة» في فترة أزمة تشكيل الحكومة نفى فيه أي دور سلبي لإيران وسورية في لبنان)، وازاء الموقف الوطني والسياسي للرئيس سليمان فيما خص القضايا والمسائل الاستراتيجية المتصلة بالصراع مع اسرائيل، خصوصا في دعمه خيار المقاومة، وبحيث ان الاشكالات والتباينات التي تحصل من حين الى آخر تصبح ثانوية و«مفصلية»، ولا تفسد للود قضية.
4 - يعني رابعا وليس أخيرا، ان الاستقرار اللبناني يشكل حاجة ومطلبا لسورية وايران ودول أخرى، لأنه مرادف للاستقرار الإقليمي، ولأن هناك ملفات في المنطقة مهمة جدا ومتقدمة في سلم الأولويات ينبغي الانصراف والتفرغ لها، وبما يوجب اطالة أمد الهدنة في لبنان وإبقاء أوضاعه السياسية والأمنية مستقرة حتى اشعار آخر، وإبقاءه في وضعية انتظار الى ان ينجلي غبار المعارك السياسية في ثلاثة ملفات اقليمية مفصلية: العراق الذي يعاد تكوين السلطة فيه، وعملية السلام التي أعطيت مهلة زمنية محددة «أربعة أشهر»، والملف الايراني النووي الذي خرج عن سكة الحوار والمفاوضات من دون ان يدخل مسار المواجهة والعقوبات.