بيروت ـ عمر حبنجر
تفاؤل الصباح اطاح به بيان الظهيرة، فصباحا خرقت معطيات سياسية تشي بأن مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري اخترقت، اكبر جدار مانع للتوافق على تشكيل الحكومة، وهو جدار الخلاف على تسمية الوزيرين المسيحيين الإضافيين، حيث تؤكد المصادر المتابعة لـ«الأنباء» ان الرئيس بري توصل الى اقناع الطرفين، رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، بأن يسمي الرئيس عون الوزير المسيحي لوزارة العدل، وان يسمي الحريري وزيرا مسيحيا ارثوذكسيا لوزارة الداخلية.
وهلل المتابعون لهذا الانجاز، وتحول الاهتمام الى الجدار المانع الآخر، المتمثل بإصرار رئيس التيار الحر جبران باسيل على عدم منح نواب تياره الثقة للحكومة المفترضة.
وقيل لباسيل كيف تريد المشاركة في الحكومة ولا تمنحها الثقة امام مجلس النواب؟ وامام اصراره المردود الى رفض الحريري استشارته او التعاطي معه كرئيس كتلة نيابية لم تسمه مكلفا، حمل وسطاء بري اقتراحا بأن يترك باسيل الحرية لنواب كتلته، كي يصوتوا بما يشاؤون في جلسة الثقة، اذا كان يريد تسهيل الأمور.
ومع انتصاف النهار بدأت النسمات التفاؤلية تتراجع، امام عصف الرسائل والبيانات المتبادلة بين الأطراف المعنية، اولى الرسائل توجهت الى البطريرك الماروني بشارة الراعي، بتوقيع اسماعيل النجار وهو كما اكد البعض اسم مستعار، موجه الى «شخص البطرك وليس الى الموقعية البطركية المحترمة»، وفي مقدمتها ما يغني عن وقائعها، وضمنها تعابير مثل «الزم حدود حقوقك، وارفض ما يخص طائفتك واهتم فقط بشؤون المسيحيين ولا تتدخل فيما لا يعنيك، ولبنان ليس لك وحدك، واعلم انك لست وليا او وصيا علينا نحن الشيعة».
وصنفت هذه الرسالة في خانة الرد على العظة الأخيرة للبطريرك الراعي، والذي تناول فيها مجلس النواب ورئيس حكومة تصريف الاعمال، وما يوحي عن الدور الايراني في عرقلة الامور، دون اشارة مباشرة.
وتلا رسالة النجار الى البطريرك، رسالة مفتوحة من النائب العوني السابق نبيل نقولا، الى الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، حملت الكثير من التلميحات، وتصب في اطار التشكيك في التحالف بين الحزب والتيار الحر.
واتهمه فيها بالوقوف متفرجا «على نهب الدولة،، وتوظيف لآلاف اللصوص في وزارات يجهلون مقرها»، وكذلك السماح بتهريب مئات الملايين من الدولارات إلى الخارج من قبل حلفاء وخصوم.
ثم كان بيان القصر الجمهوري، الذي قطع بتعرضه للمرجعيات النيابية، وحتى الدينية الاسلامية، التي تبنت ودعمت مبادرة بري لتشكيل الحكومة، وجاء فيه أنه «فيما يبدي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كل استعداد وتجاوب لتسهيل هذه المهمة، تطالعنا من حين الى آخر تصريحات ومواقف من مرجعيات مختلفة تتدخل في عملية التأليف، متجاهلة ما نص عليه الدستور من آلية لتشكيل الحكومة، بضرورة الاتفاق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف المعنيين حصريا بعملية التأليف وإصدار المراسيم».
كل ذلك أكد ويؤكد على انه لا مبادرة بري ولا صمت حزب الله يمكن ان يمرر حكومة برئاسة الحريري، طالما بقي جبران باسيل ظل الرئيس عون بلا منازع.
العصف المستجد، تناول حتى قائد الجيش العماد جوزف عون، على خلفية اعلان الجيش عن تمرين عسكري في منطقة قوسايا اللبنانية، الحدودية مع سورية، حيث تتمركز قوات «القيادة العامة» الفلسطينية الموالية للنظام السوري، وكانت مقالة موسعة للصحافي حسن عليق في جريدة الأخبار الممولة من حزب الله، تحت عنوان: «عون يلعب بالنار»، والمقصود قائد الجيش، وقد سحب الاعلان عن التمرين، تجنبا لردود الفعل.
بعد كل هذا، اصبح السؤال، ماذا بقي من مبادرة بري؟
الراهن ان بري، الذي استقبل سفيرة فرنسا آن غريو ظهر أمس، يخوض معركة الحريري، ومثله المجلسين الاسلامي الشرعي الاعلى، والشيعي الاعلى، الذي شكل قوة اسناد للرئيس المكلف، وكذلك رؤساء الحكومة السابقين، الذين لم يجدوا ما يقولونه، بعد الذي قيل في دار الفتوى، عن التمسك بميثاق الطائف وصلاحيات رئاسة مجلس الوزراء.
ولهذه المواقف الداعمة للحريري، دوافعها المبدأية، وأبرزها، انه في حال اعتذر الحريري لن تجد في البيئة السنية من يقبل الحلول محله، في ضوء التغطية التي حصل عليها، ولأن من احتكر وضع الشروط والمعايير وحشر الحريري في زوايا طموحاته الشخصية المستحيلة، سيكرر ممارسة ساديته السياسية المتهورة، مع اي رئيس يجري تكليفه لاحقا، اكان في مرحلة التكليف او التأليف، او الأداء بعد الحصول على الثقة النيابية، وللبنانيين بحسان دياب وحكومته، الغائبة او المغيبة الشاهد والدليل.
فضلا عن كل ذلك، الأوساط الحريرية واثقة بأن «الثنائية الحاكمة» في بعبدا، تدفع بالحريري نحو الاعتذار، ادراكا منها، لصعوبة تكليف احد سواه، والولاية الرئاسية على ابواب النهاية، وهذا ما يتيح لثنائي العم والصهر، متابعة التفرد بدفة الحكم، حتى بعد اكتوبر 2022، بداعي ان الطبيعة الدستورية ترفض الفراغ، وبأن الضرورات تبيح المحظورات، وهنا الطامة الوطنية الكبرى، التي يجرون لبنان اليها، بحدوده وهويته ورسالته الحضارية، عبر اطلاق العصبيات الطائفية والمذهبية المتوحشة من عقالها، وصولا الى ترسيم المصير اللبناني، وفق مقتضيات ومصالح اصحاب المشاريع الاقليمية.