بيروت - عمر حبنجر
في دعوته المباغتة مجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية نجح رئيس المجلس نبيه بري، في إخراج الكتل النيابية المتحالفة او المتنافسة، من دائرة التربص والانتظار، واستدراجها الى كشف المواقف والأوراق المتصلة بالاستحقاق الرئاسي، والمشاركة حضوريا في أولى الجلسات الانتخابية التي عقدت قبل ظهر أمس، وكانت أشبه بفيلم هندي استعراضي طويل مع وعد باللقاء في عرض جديد، على حد تعبير أحد النواب.
البعض رأى في الجلسة، بروفة حية لما سيلي من جلسات، خضع فيها كبار النواب لأزمة المرور، تحت آلة كشف المواقف والنيات، سدد فيها رئيس المجلس، الحساب للقوى الدولية والعربية الداعية لاستعجال تنفيذ الاستحقاقات الدستورية، والإصلاحات البنيوية، كممرات الزامية للانقاذ، تسنى له معها رسم إحداثيات المعركة الرئاسية، بدقة أكثر.
وفي هذا السياق، أكد مصدر فرنسي ان الرئيس ايمانويل ماكرون سيطرح ملف لبنان، أمام المشاركين في قمة دول جنوب الاتحاد الأوروبي في اسبانيا، مع التشديد على وجوب أن تحصل الانتخابات الرئاسية من الآن حتى نهاية أكتوبر.
رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل قال أمس:«لدينا شهر كي نستطيع تحقيق التغيير في البلد،» معترفا بأن انجاز هذا الاستحقاق يمر في وحدة المعارضة، ولهذا نتواصل مع حلفائنا واصدقائنا في التجمع النيابي، بالإضافة الى كتلة القوات اللبنانية وكتلة اللقاء الديموقراطي وكتلة الاعتدال والمستقلين، ونسعى الى توحيد الجميع تحت اسم مرشح واحد.
ودعا الجميل حزب الله الى قول كلمته، وقال «هل يريد أخذ لبنان الى المكان الذي هو فيه، أو يريد أن يجد حلا له مع بقية اللبنانيين؟»
الجميل الذي كان استقبل السفير السعودي وليد البخاري، سئل من أحد الصحافيين: هل حشركم الرئيس بري بموعد انتخاب رئيس للجمهورية؟، فأجابه قائلا: «كلا ما حدا بيزركنا..»
وجاءت نتيجة الدورة الأولى على الشكل التالي: 63 ورقة بيضاء يمثلون الكتل، الرئيس بري، «حزب الله»، «التيار الوطني الحر» كتلة فرنجية وبعض المستقلين، و36 صوتا للنائب ميشال معوض يمثلون كتل «القوات اللبنانية»، «اللقاء الديموقراطي»، «الكتائب» و«التجدد» التي ينتمي اليها النائب معوض وبعض المستقلين، و11 صوتا سموا سليم ادة وهم نواب التغيير، اضافة الى 10 اصوات باسم «لبنان» وهم نواب التكتل المستقل ومعظمه من نواب الشمال. وكان التكتل قد أعلن التصويت بالورقة البيضاء ولكنه قرر في آخر لحظة تجنب الانخراط في احد المحورين وسمى لبنان.
والآن وبعد فوز «الورقة البيضاء» في جولة الانتخابات الأولى، يتعين لفت الانتباه، الى ان مثل هذا الفشل بانتخاب رئيس من الجولة الأولى، ليس جديدا، بل من «قواعد اللعبة»، كما يقولون، منذ استقلال لبنان عام 1943.
والراهن ان توجيه بري الدعوة لانتخاب الرئيس، يعني بشكل أو بآخر عدم جدوى المزيد من انتظار التوافق بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي، الأمر الذي يرجح بقاء حكومة تصريف الأعمال الى حين انتخاب رئيس جديد.
كما ان توقيت الدعوة رسم بعدا جديا للبيان الثلاثي الأميركي - السعودي - الفرنسي، الذي أعطى الأولوية لانتخاب الرئيس، على تأليف الحكومة. وهذا ما ألمح إليه النائب المستقل غسان سكاف، الذي قال: «اننا متجهون نحو رعاية عربية - أجنبية»، وهو صوت من جهته للمرشح ميشال معوض.
الى ذلك، يقول موقع «ليبانون دي بيت»، ان الدعوة المباغتة التي وجهها الرئيس بري لانتخاب رئيس الجمهورية، اسقطت عمليا، امكانية طرح قائد الجيش العماد جوزاف عون مرشحا للرئاسة، بعدما تحول المجلس واعتبارا من أمس الخميس الى «هيئة ناخبة» ولا يمكنه التشريع، ما يستحيل معه اجراء تعديل دستوري لتمكين قائد الجيش من الترشح، ما يعني اغلاق الباب على ترشح القائد عون، أقله حتى نهاية عهد الرئيس ميشال عون، وسقوط المهل الدستورية.
وعدم ورود اسم قائد الجيش كما اسم سليمان فرنجية في صندوق الاقتراع أمس، قد لا يكون عفويا، في ظل الانطباع السائد بأن بعض الأسماء تطرح برسم الحرق.. بدليل ان النائب طوني فرنجية، لم يضع اسم والده في الصندوق، والذي فيه انسجام مع نواب حزب الله وأمل والتيار الحر الذين صوتوا بالورقة البيضاء.
وكان لافتا مناداة احد النواب الرئيس بري مطالبا اياه بمنع نواب أمل من مغادرة القاعة، وقد ضاعت مناداته في زحمة الاصوات، في حين سمع النائب حسين الحاج حسن عضو كتلة الوفاء للمقاومة، يقول: لا توافق بين الكتل، ولا ضرورة لاستكمال الجلسة.
ويبدو ان الاطلالتين الأخيرتين لقائد الجيش، من مسقط رأسه «العيشية» في الجنوب، ثم من الجرود، وما حمله كلامه من أبعاد وطنية، لم يكن وقعها مستحبا لدى بعض النافذين.
وواضح ان سيناريو انتخاب العام 2016 الذي جاء بمرشح حزب الله ميشال عون، سيتكرر، لكن النتيجة غير محسومة، بدليل ان عدد النواب الذين لم يغادروا القاعة بلغ 85 نائبا، اي الثلثين ناقصا واحدا.
ردود الفعل على الجلسة تقدمها النائب ميشال معوض قائلا: «أتشرف وأشكر زملائي النواب الذين أعطوني الثقة في الجلسة»، مضيفا: «خياري العودة إلى الدستور والطائف ودولة المؤسسات وأنا ابن فؤاد شهاب ورينيه معوض».
وتابع: «هذه الجلسة كانت خطوة أساسية بمسار جمع المعارضة لأنه تم تشكيل أكثرية وازنة من المعارضة التي انتخبتني واليوم 36 نائبا أعطوني الثقة و4 أعربوا عن دعمي رغم تغيبهم لأسباب عدة».
اما النائب جورج عدوان فقال: «الجلسة أكدت أمرا واضحا أن المنظومة مضعضعة وأكثر ما استطاعت القيام به هو أن تضع أوراقا بيضاء، هناك معارضة قدمت مرشحا نتج عن تشاور بين كل المعارضة والشخص الذي أخذ اكبر عدد من الأصوات هو ميشال معوض، ونحن صوتنا له».
من جهته، اعلن النائب كريم كبارة أنه اقترع لـ«نهج رشيد كرامي».