بقلم: عمر حبنجر
انه العالم العلامة والمرجع الذي ما استطاع أحد إنكار علمه أو مرجعيته، حتى أولئك الذين ما ارتاحوا يوما لالتفاف الناس حول فكره وعقله وعباءته.
السيد محمد حسين فضل الله رمز علمي عالمي سطع نجمه في دنيا الإسلام، ثم تمدد الى عوالم اخرى على أجنحة فكره الإنساني الرافض للأنا الحصرية، العاشق للآخر في أي دين أو مذهب يتحرك تحت سقف الإلوهية الواحدة.
ما كنت أظن ان يوما كهذا يأتي فأكتب عنه بدل ان اكتب له، لكن الموت حق كما هو في مفهومنا الإسلامي، وكما فهمناه بعمقه البعيد من العالم العلامة، الذي أمضى 5 عقود من حياته الزاخرة مالئا للدنيا وشاغلا للناس.
من النجف تلميذا ثم معلما، إلى النبطية إلى ضاحية بيروت الشرقية، الى حي السلم، عندما ذرت الحرب قرنها في جسم لبنان ولم يعد للفكر القدرة على كبح الرصاص، وسرعان ما تحول رجل الدين الإسلامي والعروبي الاستثنائي الى محور للحياة الروحية والاجتماعية وحتى السياسية لمن حوله ولكثيرين ممن عشقته اذانهن قبل العيون، تسأله في الدين، في الشرع، في الفلك، في المرأة، في الفن والشعر، يجيب بطلاقة وبمعرفة وثقة عالية بالنفس، لا سؤال لديه دون جواب ولا جواب من دون حجة او إسناد.
هذا المجتهد في الدين المجاهد في السياسة الوطنية والقومية، أطلق شعار الوحدة الإسلامية وعمل له طوال حياته كمرجعية دينية، وعمل لتلاقي المذاهب الإسلامية والأديان السماوية وتحديدا الإسلامية والمسيحية ودان سب الصحابة والأئمة من قبل بعض المغالين، وتميزت فتاواه وأفكاره بالجرأة العلمية، وكان يناقش بمسلمات الفكر الشيعي، وواجه الصعاب مع بعض المراجع الشيعية، لاسيما لعدم تقبله بعض الشعائر العاشورائية، وإنكاره قضية كسر ضلع السيدة فاطمة الزهراء وسوى ذلك. وفي السياسة شرع روح الاستشهاد في لبنان لدحر الاحتلال، وفي فلسطين لزعزعة الكيان الصهيوني، وتعرض لأكثر من محاولة اغتيال بشتى السبل والأساليب، لكن الله حماه.
لقد امتلك السيد فضل الله الجرأة العلمية لطرح نظرياته السياسية أو الفقهية عندما يتوصل الى قناعة ثابتة بها. وكان مصلحا اجتماعيا وتربويا، بنى المساجد والمستشفيات والمياتم والمبرات التي توفر التمويل لها، وأعطى المرأة الحيز الأوسع من تفكيره وعلمه، كونها الأم والأخت والابنة، انها نصف المجتمع، ووالدة الكون، ومن كانت بهذا الموقع والدور لا يجوز تحميلها الأسايا والرزاءات.
لا مجال لإيفاء هذا العالم الكبير حقه بمثل هذه العجالة، فهذه الطاقة الهائلة من العلم والفكر والدين منارة كبرى تشع على الأجيال.
في آخر لقاء مع سماحته خلال مارس الماضي كانت نصيحته للبنانيين وللعرب وخصوصا أهل الخليج الذين يكنون له احتراما خاصا ووقارا ومهابة، «الابتعاد عن كل ما يسيء الى الوحدة، وخص بالذكر أولئك الذين يروجون للغلو والخرافة ويقدمون للناس ثقافة التفرقة بدلا من ثقافة الوحدة».
العلامة المرجع، السيد الكبير، غادر الى عالم الطهارة والنقاء، عالم الاتقياء والأصفياء، تاركا هذا العالم الملوث بالأنانيات والشخصانيات لمن يجيدون السباحة في المياه العكرة. افتقاد اللبنانيين والعرب وعارفيه ومقلديه في العالم الإسلامي الواسع لهذا الهادي والمرشد، حامل لواء الدين بلا تعصب والمذهب بلا مغالاة، والعروبة بلا حدود، سيكون كبيرا، لكنه ترك الى جانب فكره وعلمه ومؤسساته الاجتماعية والدينية ذرية قادرة على متابعة الرسالة، ومؤمنين على مستوى العالم العربي، حاضرين لحفظ تراثه الديني والاجتماعي والسياسي.