بيروت ـ عمر حبنجر
صورتان لزيارة الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد، الصورة الرسمية التي عكست لقاءاته مع الرؤساء اللبنانيين، وكلماته الهادئة، والصورة الشعبية من خلال لقائه جمهور حزب الله على طريق المطار وفي ملعب الراية في الضاحية الجنوبية.
وأمام رئيس الجمهورية ورئيسي المجلس النيابي ومجلس الوزراء، وبحضور الطاقم النيابي والوزاري، الذي ضم معترضيه على السياسة الإيرانية في لبنان، تحدث نجاد بنبرة هادئة طالب فيها بلبنان متحد متحرر وقوي وذي اقتدار.
ولم يشر نجاد في هذا الخطاب الى المقاومة، ولا حتى لإسرائيل، مكتفيا بعبارة الأعداء، في حين حرص الرئيس ميشال سليمان على تأكيد تمسك لبنان بالقرار الدولي 1701، أمام الرئيس الإيراني والذي يتحفظ عليه حزب الله، لأنه يشمل سلاحه، وذلك من زاوية الدعوة لإرغام اسرائيل على تنفيذ هذا القرار بكل مندرجاته، ولاسيما الانسحاب الكامل وغير المشروط من الأراضي اللبنانية التي مازالت تحت الاحتلال، كما أكد سليمان على حق لبنان في المقاومة.
لكن في خطابه بملعب الراية، تحدث نجاد عن الاستكبار والاستعمار والمقاومة وحتمية إزالة دولة اسرائيل، كما تحدث للمرة الأولى عن المحكمة الدولية، متطرقا الى جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بالقول: ان يد الغدر الآثمة قد امتدت الى صديق عزيز وشخصية غيورة على وطنها، ليدخل الى موضوع المحكمة الدولية من هذه الزاوية، مشيرا الى كيفية تلفيق الأخبار، وكيف تشغل المجامع الحكومية، التابعة لأنظمة الهيمنة، بتوجيه الاتهام الى بقية الأصدقاء». وقال: ان لبنان غيّر المعادلات في المنطقة، معلنا قيام «جبهة الشعوب».
واللافت ان الرئيس الإيراني وضع إكليلا من الزهر على نصب شهداء لبنان، في الساحة التي تحمل اسمهم، دون ان يعرج على ضريح «الرئيس الصديق» الكائن في الساحة عينها، لتلاوة الفاتحة، كما يفعل معظم ضيوف لبنان!
14 آذار لعدم المشاغبة!
هذه المواقف كانت لها أصداء حذرة لدى قوى 14 آذار، التي أشار أحد قادتها لـ «الأنباء»، بالقول: لقد حرصنا على عدم المشاغبة المجانية على الزيارة ثقة بأن الفريق الآخر سيرتكب أخطاء وتجاوزات تتيح لنا الرد عليها في وقت لاحق، وأكد ان ما حصل في مهرجان الراية حيث لم يستطع الأمين العام السيد نصرالله كبح جماحه، بحيث أظهر ضيفه كقائد للأمة الإسلامية.
منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار د.فارس سعيد، توقف عند قول السيد نصرالله ان له قدرة الانقلاب على الوضع، ورأى سعيد في هذا القول شيئا من الاستعلاء من قبل فريق مسلح.
بدوره النائب عمار حوري (المستقبل) قال ان خطاب نجاد في القصر الجمهوري قارب كل الأمور وأراح جميع اللبنانيين، أما خطابه في ملعب الراية فأتى كأي خطاب آخر، وقد يعود السبب في ذلك الى الاستقبال الجماهيري الذي لقيه.
من جهته، أكد الرئيس نبيه بري وفي مأدبة العشاء التي أقامها على شرف نجاد وبحضور رئيسي الجمهورية والحكومة، ان دعم ايران لمشروع المقاومة، هو دعم لكل لبنان وليس تسليحا للشيعة.
وقال: اننا نريد جيشا قويا بمستوى آمال المواطنين ويشكل الى جانب المقاومة والشعب قوة دفاع وردع لأي نوايا اسرائيلية مبيتة التهديدات بأن الحرب الاسرائيلية المقبلة على لبنان ستكون مصيرية وستغير وجه المنطقة، وهذا يســتدعي تسليح جيشنا بكل منظومات الدفاع. وفي هذا المجال شكر بري ايران لإعلانها الاستعداد لتسليح جيشنا.
اليوم الثاني حاشد وأخير
اليوم الثاني والاخير من زيارة نجاد الى لبنان، كان جنوبيا، فبعد الفطور الصباحي الذي أقامه في فندق الفينيسيا لمرجعيات دينية وسياسية، اعتذر عن عدم تلبية الدعوة اليه مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني ومفتو المحافظات، عدا مفتي صيدا سليم سوسان، ثم انتقل الرئيس الايراني الى مدينة الرئيس رفيق الحريري الجامعية، حيث مقر الجامعة اللبنانية الذي بنته احدى حكومات الرئيس رفيق الحريري، وجرى منحه شهادة الدكتوراه الفخرية بالعلوم السياسية بحضور حشد من الاساتذة الجامعيين والطلاب والشخصيات السياسية والحزبية، وألقى خطابا مطولا عن العلم وأهميته في تقدم الشعوب. وقدم الرئيس الايراني مجموعة من التجهيزات التقنية والعلمية للجامعة، وأعلن تأسيس محطة للطاقة الكهربائية في لبنان لتنتج 7 أضعاف انتاج الكهرباء من الطاقة الذرية. وقال ان العلم النووي مفيد، الا انهم يمنعوننا من الدخول في هذا العالم، ليبقوا هم أسياد العالم.
من الجامعة اللبنانية، الى السراي الحكومي في وسط بيروت، حيث أقام رئيس الوزراء سعد الحريري مأدبة غداء على شرف الرئيس الايراني بحضور شخصيات من مختلف المواقع الرسمية والاتجاهات السياسية، أبرزها الرئيسان ميشال سليمان ونبيه بري، وتخللها اجتماع ثنائي جمع الرئيسين الحريري ونجاد دام لأكثر من ساعة.
وفي هذا الإطار ذكرت قناة العربية أن الرئيس نجاد قدم للحريري مبادرة إيرانية حول المحكمة الدولية لحل الأزمة السياسية في لبنان والحؤول دون التدهور إلى فتنة.
ومن السراي الكبير الى الجنوب، حيث كانت هناك محطتان، الاولى في بنت جبيل، حيث أقيم له مهرجان حاشد في ملعبها وسط حشود جنوبية وأخرى من الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع. والثانية في قانا، حيث زار مقبرة شهدائها الذين سقطوا بنيران الغدر الاسرائيلي. ومن الجنوب عاد نجاد الى القصر الجمهوري في بعبدا، حيث ودع الرئيس ميشال سليمان، وأكدت مصادر مطلعة انه خلافا لما كان قد تردد حول إمكان تمديد زيارة نجاد الى لبنان حتى اليوم الجمعة، على خلفية احتمال زيارة رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان، فإن عملية التمديد ليست واردة، تماما كما هي زيارة أردوغان التي صدر نفي لها من تركيا.