«لبنان على شفا الانفجار»، «أزمة في لبنان»، «حزب الله يفكك حكومة الحريري»، «خطر الحرب الأهلية في الأجواء»، هذه بعض عناوين تصدرت الصحافة الإسرائيلية وعكست اهتماما واسع النطاق بما يجري في لبنان حاليا في الفترة الواقعة بين انهيار الحكومة وصدور القرار الظني.
وترافق هذا الاهتمام السياسي الإعلامي مع تحركات عسكرية، إذ عمل الجيش الإسرائيلي على تعزيز قواته على طول الحدود مع لبنان في ضوء التطورات الأخيرة ووضع آلاف الجنود على الحدود الشمالية في حال تأهب، ولكن هذه الحشود لا تعني ان إسرائيل تحضر لحرب أو تتوقع هجوما وتسخينا للحدود من جانب «حزب الله».
ومن الواضح ان الحكومة الإسرائيلية تتصرف على أساس ان ما يجري في لبنان هو شأن داخلي وان ما يهمها هو عدم وصول التوتر الى حدودها.
هذه عينات من آراء المحليين والدوائر العسكرية والاستخباراتية في إسرائيل:
استبعد محلل الشؤون الأمنية في «يديعوت أحرونوت» رون بن يشاي أن يكون للأزمة اللبنانية تداعيات مباشرة وفورية على إسرائيل، ودعا في الوقت نفسه الأجهزة الأمنية الإسرائيلية إلى تركيز مراقبتها اللصيقة «لا لتسلح حزب الله فحسب، وإنما أيضا للطريقة التي سيتعامل بها مع الجهات السياسية داخل لبنان والوضع الجديد الذي سينشأ هناك».
وفيما يشبه الإعجاب الضمني بأداء «حزب الله»، كتب بن يشاي «يصعب على المرء ألا يتأثر إيجابا بالمؤهلات الاستراتيجية الموجودة لدى «حزب الله»، وفي هذه الحالة ستظهر هذه المؤهلات في الساحة اللبنانية الداخلية، فقادة المنظمة أدركوا أن سعد الحريري يتردد في قبول التسوية السعودية ـ السورية، التي كان من شأنها أن تجهض القرار الاتهامي، ولذلك قام «حزب الله» بخطوة محكمة، وهي إجهاض حكومة الحريري».
وكتب المراسل العسكري لـ «يديعوت» أليكس فيشمان أن «لبنان صعد الى مسلك عنيف، انتهى عهد الترتيبات، الحوار بين القوى الداخلية اللبنانية في مسألة المحكمة الدولية في اغتيال الحريري تحطم، ضعضعة استقرار النظام في لبنان وتصعيد التوتر بين القوى السياسية في داخله يلزمان اسرائيل بيقظة استثنائية على الحدود الشمالية، وهذا بالفعل ما يحصل».
وأشار إلى أن «الصورة التي ترتسم الآن في لبنان هي صورة جملة ضغوط يمارسها «حزب الله» من شأنها أن تتدهور الى العنف وهدفها دفع حكومة الحريري الانتقالية الى الانهيار وإقامة حكومة أخرى بسرعة تقطع كل صلة بالمحكمة الدولية وترفض قبول استنتاجاتها». وخلص فيشمان إلى أن «مؤيدي الحريري يعرفون انه ليس بوسعهم التصدي لجيش «حزب الله» الذي هو الجهة الأقوى في لبنان، كما أن هناك تخوفا معقولا من أن الجيش اللبناني فور بدء المواجهة، سيتفكك الى عناصر طائفية ولن يقف الى جانب الحكومة الشرعية.
رجال 14 آذار يحذرون من الفوضى المرتقبة في لبنان والتي من شأنها أن تجسد الكابوس الاكبر لديهم: عودة الجيش السوري الى لبنان، وهم ينظرون بعيون تعبة نحو الحدود الجنوبية: لعله من هناك يأتي الخلاص فتدخل إسرائيل في مواجهة عسكرية مع «حزب الله»، لقد سبق ان كنا في هذا الفيلم ولا يوجد احتمال في أن يكرر نفسه».
وأوضحت «إسرائيل اليوم» أن التقدير الشائع في الجيش الإسرائيلي هو أن «حزب الله» لن يحاول مهاجمة إسرائيل في هذه الفترة وسيمتنع عن الاستفزازات على طول الحدود، لأنه ليس لـ «حزب الله» مصلحة في الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، حسن نصر الله يعرف أن هذا ليس الوقت الأنسب له.
واعتبر معلقون إسرائيليون أن استقالة الحكومة لا تقود حاليا إلى حرب أهلية وإنما إلى انقلاب سياسي فقط، وأشاروا إلى أن الأزمة الحالية قد تقود إلى شلل سلطوي يكرر الصراع الذي ساد في العام 2008 مع استمرار الخشية من عود ثقاب قد يشعل البيدر كله.
وهناك إجماع في الرأي بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية ودول أخرى على أن السيناريو الأشد تشاؤما هو سيطرة «حزب الله» على الحكم في لبنان، ومثل هذا السيناريو سيقود إلى تشكيل حكم متطرف في لبنان وإلى خلق حالة من الفوضى تؤثر على الحدود الإسرائيلية.
وكتب المستشرق اليميني مردخاي كيدار في «إسرائيل اليوم»: لبنان أنشئ العام 1943 كدولة تقوم على التوافق الطائفي لتقاسم الكعكة السلطوية بشكل منح الهيمنة للجماعات المسيحية، على حساب الآخرين، وخصوصا الشيعة الذين بقوا عشرات السنين في الهوامش الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية للحلبة».
وأشار إلى أنه مع الوقت «نما عديد الشيعة وتزايد دورهم ومطالبهم في الحكم، جرت محاولات لوقف هذا المنحى إلا أنه سرعان ما فر الأميركيون وخرج الصهاينة وذيلهم بين أرجلهم». وخلص إلى أن الحريري ذهب للاستعانة مجددا بالأميركيين لكن ذلك يطرح تساؤلات: «ماذا ينتظر من أوباما؟ هل سيرسل مشاة البحرية «لفرض النظام في لبنان» بعد أن فجر حزب الله العام 1983 مقر المارينز في بيروت وقتل 241من أفراده؟ وهل ستفتح الولايات المتحدة جبهة جديدة قديمة تستنزف دماء أميركية أخرى بعد أن أفلحت واشنطن بالكاد في سحب معظم جنودها من العراق والإيرانيون يطاردونهم؟».