يوما بعد يوم تؤكد الوقائع والتطورات ان معركة القصير لم تكن حدثا عاديا وانما كانت حدثا «استراتيجيا» ونقطة تحول ليس فقط في مجرى الحرب السورية وانما ايضا في الوضع اللبناني وفي وضع المنطقة ككل، ففي سورية، اعطت معركة القصير قوة دفع قوية للجيش السوري النظامي وخلقت دينامية عسكرية جديدة على الارض، وفي اتجاه فتح جبهات ومعارك جديدة حاسمة اولها في حلب، ولكن معركة القصير ادت من جهة ثانية الى تأجيج الحرب المذهبية والعنف الطائفي داخل سورية وكان من نتائجها وردا أوليا عليها، المجزرة التي ارتكبتها المعارضة المسلحة في قرية حظلة الشيعية وادت الى مقتل العشرات من ابنائها وحرق منازلها وتهجير اهلها.
وفي لبنان، طرأت عناصر ومناخات جديدة في منطقة البقاع القريبة من مسـرح الحدث السوري، فمن جهة ازدادت مؤشرات فتح الجبهة الحدودية المحاذية لجرود عرسال وبدأ الطيران السوري يتجاوز منطقة الحدود ليقصف وللمرة الاولى ساحة بلدة عرسال، ما ادى الى ردة فعل «سيادية» فورية من الرئيس ميشال سليمان وقيادة الجيش واتخاذ اجراءات «تقديم شكوى الى الامم المتحدة، واتخاذ اجراءات دفاعية للرد على اي خرق جديد» تضع ما جرى في خانة «العمل المعادي»، ومن جهة ثانية اندلعت مواجهات في السلسلة الشرقية في جرود بعلبك وعلى خط الحدود المتداخلة بين حزب الله والجيش السوري الحر، ومن جهة ثالثة ارتفعت حدة التوتر السني ـ الشيعي داخل البقاع الشمالي وفي المنطقة الواقعة بين عرسال والهرمل على خلفية احداث امنية متلاحقة «مقتل احمد الحجيري من عرسال في جرود الهرمل، والعثور على امين صندوق بلدية بعلبك من آل صلح مقتولا بالرصاص في المدينة».
ومن بين الامور المهمة، وربما الاهم، في مرحلة ما بعد القصير وفي النتائج المترتبة عليها، حملة الضغوط والاتهامات والانتقادات التي يتعرض لها حزب الله وتحاصره من كل الجهات تقريبا:
٭ حملة «دولية» تنطلق من ان حزب الله بمشاركته العسكرية في سورية تجاوز الخطوط الحمر واحدث تغييرا في ميزان القوى داخل سورية وخربطة في توازنات وقواعد «جنيف ـ 2»، وتضغط في اتجاه ان يقف تدخل حزب الله في القصير والا يستمر في اتجاه العمق السوري بعيدا عن الحدود مع لبنان.
٭ حملة «دينية» من مراجع سنية بارزة: مشايخ الازهر ومفتي السعودية والشيخ يوسف القرضاوي المرشد الروحي لتنظيم الاخوان المسلمين العالمي، تحذر من حزب الله وتصوره مصدر تهديد اساسي والذراع العسكرية لمشروع التمدد الايراني في المنطقة.
٭ حملة «خليجية» تتعاطى مع حزب الله من خلفية أنه «تنظيم ارهابي» وتمهد للتضييق على وجوده في الخليج بإبعاد مناصريه والتضييق عليه ماليا.
٭ حملة «لبنانية» سياسية من قوى 14 آذار يقودها تيار المستقبل وتشن من خلفية ان حزب الله تحول الى مرحلة جديدة عنوانها جر لبنان الى الفتنة وافراغ مؤسساته واحكام السيطرة عليه، ولكن المفاجأة ان الانتقادات الاكثر ايلاما جاءت من جهة الرئيس ميشال سليمان الذي يلوح برفع الغطاء الشرعي عن حزب الله «كمقاومة» بعدما رفع الغطاء الرسمي عن تدخله في سورية، حيث يتحمل وحده مسؤولية وعواقب هذا التدخل.
هذه الحملة المتشعبة المتعددة المصادر والاشكال يتعاطى معها حزب الله على الشكل التالي:
1 - يعترف حزب الله بقساوة وشراسة الحملة والضغوط التي تشن ضده، ولكنه يتفهمها ويعتبرها من نتاج الصدمة وحالة الاحباط التي تولدت عن سقوط القصير والتغيير الحاصل في مسار الوضع في سورية.
2 - يصمم حزب الله على البقاء في سورية واكمال ما بدأه، فهذا التدخل جاء بناء على قرار استراتيجي اتخذته قيادة الحزب بعد طول تفكير واعداد ودراسة للنتائج مع علم مسبق بأنه قرار كبير ومكلف وينطوي على مجازفة، ولكن كان قرارا قسريا لتفادي الوصول الى الاسوأ ولخوض حرب استباقية ووقائية.
3 - حزب الله نجح من خلال معركة القصير في تحدي المعادلات والخطوط الحمر متجاوزا «الحدود» ومتحولا الى «لاعب اقليمي»، ونتائج القصير قلبت الصورة والمعادلة في سورية وفي لبنان وجعلت الحزب في موقع المبادر ومن يملي الشروط.
4 - الضغوط الدولية والخليجية لا تغير في استراتيجية حزب الله في الازمة السورية، والضغوط الداخلية لا تثنيه عن مواصلة خياره، اما اذا تحولت هذه الضغوط في اتجاهات اخرى «ميدانية وأمنية وارهابية»، فإن حزب الله سيتحول في اتجاه طريقة جديدة للتعامل من دون سابق انذار.