ما يجري على الحدود الجنوبية اللبنانية الإسرائيلية على أهميته مع تكرر الخروقات الصاروخية للهدوء العميق المسيطر على هذه الحدود منذ نهاية العام 2006 وعلى أساس القرار 1701، لا يحجب التطورات العسكرية الفائقة الأهمية الجارية على الحدود الشرقية اللبنانية السورية.
والسؤال الذي يطرح جنوبا عن موقف حزب الله وكيف سيتعاطى مع واقع الصواريخ المتفلتة من جنوب لبنان الى شمال إسرائيل دعما لغزة، يتقدم عليه سؤال آخر يطرح «بقاعا» عن موقف حزب الله وكيف سيتعاطى مع الوضع ومع واقع أمني وعسكري يزداد رسوخا بعد تمركز وتجمع مسلحي المعارضة السورية في هذه المنطقة السورية الحدودية المتاخمة للأراضي اللبنانية والمتداخلة معها.
في الوقائع الميدانية العسكرية التي جرت في الـ 48 ساعة الماضية تبين:
1 ـ وقوع مواجهات عنيفة وضارية بين مقاتلي حزب الله ومسلحين سوريين ينتمون الى عدة فصائل معارضة أبرزها «جبهة النصرة» في مناطق حدودية واقعة بين جرود عرسال اللبنانية ومرتفعات القلمون السورية، وتحديدا في جرود بلدتي قارة ورأس المعرة.
2 ـ المواجهات بين الطرفين جرت من مسافة قريبة بعدما كان حزب الله ينفذ عملية التفاف على تجمع لمسلحي المعارضة متقدما من جرود نحلة باتجاه جرود عرسال، ليصطدم بكمين نصبه عشرات المسلحين ما أدى الى معركة دامت طيلة ليل الأحد (الاثنين) وأسفرت عن وقوع عشرات القتلى والجرحى في صفوف الطرفين.
3 ـ تعد هذه المعركة من أقوى وأعنف المواجهات المباشرة التي حصلت بين حزب الله والمعارضة السورية منذ معركة القصير.
والخسارة البشرية التي تكبدها الحزب في هذه المعركة تعد الأكبر والأعلى في معركة واحدة.
في خلفيات وأسباب هذه المواجهات تبين أنها من نتائج ومخلفات معركة القلمون التي لم تنته فصولها بعد، وأنها مؤشر الى وضع متفجر في السلسلة الشرقية مقبل على جولات قتال أكثر ضراوة:
1 ـ معركة القلمون انتهت إلى سيطرة الجيش السوري مدعوما من حزب الله على بلدات هذه المنطقة الجبلية المترامية الأطراف (النبك قارة يبرود رنكوس...)، ولكن من دون السيطرة على أطراف هذه البلدات لاسيما رنكوس وعسال الورد وفليطا، ومن دون إنهاء تواجد المسلحين في القلمون الذين لجأوا الى الجرود الوعرة والمغاور والمخابئ وحفروا خنادق وأنفاق.
2 ـ أدخل مسلحو المعارضة السورية تغييرا على تكتيكهم العسكري وتحولوا من السيطرة على المدن والبلدات والتواجد المكشوف الذي يسهل استهدافه، الى أسلوب «حرب العصابات» وما تسميه المعارضة «المقاومة المسلحة» عبر شن هجمات وعمليات مباغتة ونصب كمائن ضد مجموعات حزب الله ونقاط تمركزه ومقراته في جبال القلمون، وتحديدا في جرود رنكوس ومنطقة فليطا القريبة جدا من الحدود اللبنانية ورأس المعرة.
3 ـ الى العلميات المنطلقة من «مخابئ» القلمون لاستهداف مواقع وحواجز الجيش السوري وحزب الله والتي تؤشر الى «معارك استنزاف وإعادة ترتيب الأوراق في القلمون».
أضيف واقع ميداني فاقم في خطورة الوضع بالنسبة لحزب الله.
فقد بدأت المجموعات المسلحة في تشييد أبنية ومساكن بهدف إقامة تواجد ثابت ومحصن استعدادا لفصل الشتاء.
وهذه الأبنية نظر إليها حزب الله بعين الخطورة لأنها قد تتحول الى قواعد تمركز وانطلاق للعمليات العسكرية ليس فقط في منطقة القلمون وإنما في اتجاه الأراضي اللبنانية.
4 ـ في الآونة الأخيرة وبعد تمكن أعداد كبيرة من المسلحين (تقدر بين ألفين و3 آلاف) من إعادة تنظيم صفوفهم المبعثرة، استؤنفت عملية إطلاق الصواريخ باتجاه بلدات لبنانية (منطقة بريتال ـ اللبوة ـ النبي عثمان)، وترافق ذلك مع معلومات وردت الى حزب الله والأجهزة الأمنية عن احتمال حصول عمليات تسلل وهجمات لمسلحي المعارضة، وتحديدا الإسلاميين، في اتجاه بلدات لبنانية حدودية لاستهداف الجيش والمدنيين وارتكاب مجازر وأخذ رهائن بهدف مبادلتهم بالمعتقلين الإسلاميين في سجن روميه.
5 ـ مجمل هذا الوضع دفع بالجيش اللبناني الى تكثيف دورياته ونشاطه في منطقة جرود عرسال ورأس بعلبك، فداهم مخيمات عشوائية للاجئين احتوت مسلحين ونشطاء، وأوقف مسلحين ومتسللين.
ولكن الجيش بإمكاناته المحدودة قياسا الى منطقة واسعة ووعرة يقدم أقصى ما يمكنه وليس في مقدوره لأسباب عسكرية وسياسية تطوير عمله في اتجاهات أخرى تضعه في مواجهة مباشرة و«حالة حرب» مع المعارضة السورية.
6 ـ إزاء هذا الواقع، كان حزب الله أخذ قرارا منذ فترة قصيرة باستكمال معركة القلمون واستئنافها من النقطة التي كانت توقفت عندها، وهذا القرار المنسق مع النظام السوري، الذي أدخل سلاح الطيران الى المعركة عبر غارات جوية متكررة في جرود عرسال، تلالا ومنخفضات، إضافة الى سلاح المدفعية والصواريخ، يشمل تنظيف المناطق التي يتمركز فيها المسلحون في أطراف القلمون وصولا الى منطقة الزبداني الحدودية التي إذا أخفقت فيها محاولة ترتيب «مصالحة» وحل سلمي لمشكلتها ستدخل في دائرة المناطق الساخنة والمتفجرة.
معركة القلمون في التتمة والملحق ليست معركة سهلة وقصيرة، كما أنها تنطوي على تعقيدات إضافية ناجمة عن دخول العنصر اللبناني بقوة على خطها.
وليس المقصود هنا مشاركة حزب الله كطرف أساسي في القتال وهذا ليس عنصرا جديدا، وإنما الإشكالية المتعلقة بوضع عرسال والمخاطر الناجمة عن تغييرات حاصلة في أوضاعها الديموغرافية والأمنية، وعن قصور الخطة الأمنية المطبقة فيها وإخفاقها في استيعاب المشكلة المتعددة الأطراف والأشكال، وعن احتمال تطاير شرارات معركة القلمون الى داخل الأراضي اللبنانية من بوابة البقاع الشمالي.