بيروت ـ د.ناصر زيدان
البيان الذي صدر عن الأمانة العامة لقوى 14 آذار، بدا كأنه استكمال لتصريح الرئيس نبيه بري، رغم الخلاف السياسي الكبير بين الطرفين، بري كان قد حذر من الخطر الأمني الداهم الذي قد يغرق البلاد في الفوضى، مشبها لبنان بالمنزل المزنر بالبارود، وقوى 14 آذار نبهت من انهيار احزمة الزمان من حول لبنان، والتي قد تنتج حربا اهلية جديدة، ورفضت هذه القوى ان يقوم حزب الله بدور الحارس للحدود، لكون الأمر مهمة حصرية للأجهزة الشرعية.
هذا في السياسة، اما على المستوى الأمني الميداني، فهناك مساران متوازيان برزا في الفترة الأخيرة، الأول: احداث حصلت لها مدلولاتها الواسعة، والثاني: معلومات امنية، ومؤشرات فيها شيء من الخطورة.
على مستوى الاحداث الامنية التي حصلت كانت التحركات الميدانية في طرابلس تحت شعار الاسراع في الافراج عن الموقوفين، ولكن سياقها تعدى الاحتجاج السياسي الى شكل من اشكال التمرد رافقه القاء قنابل، وكاد الوضع ينفجر من جديد لولا تدخل الجيش بقوة، مترافقا مع غطاء سياسي، رغم الاتهامات المتبادلة بين تيار المستقبل ورئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي.
والأكثر خطورة في الاحداث الامنية التي حصلت، كان الاشتباكات اليومية التي جرت في القلمون، والتي وصلت الى جرود عرسال، وحصدت الكثير من الضحايا بين صفوف حزب الله وخصومه في المعارضة السورية، هذه الأحداث القت ظلا ثقيلا على مساحة البقاع ولبنان وأعادت توتير الساحة المذهبية من جديد، وحملت العديد من القوى السياسية لإعادة طرح انسحاب حزب الله من سورية لما لتدخله من مخاطر على الوضع الهش في لبنان.
وبالتزامن مع هذه الانتكاسات الامنية كان موضوع القاء الصواريخ من الجنوب على شمال إسرائيل ردا على العدوان الوحشي الذي ترتكبه القوات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني في غزة، وهذه الصواريخ ان اتت في سياق العدوان الاسرائيلي ولكنها تخلط الاوراق الامنية في لبنان، وقد تنتج تفلتا وفوضى تقلب الاوضاع رأسا على عقب، خصوصا ان اسرائيل تتحين الفرصة للانقضاض على الاستقرار.
أما على المسار الثاني المتعلق بالمعلومات الامنية المتوافرة لدى قيادات سياسية وعند اجهزة امنية مختصة فإن الامر يدعو للقلق، لاسيما في ظل الفراغ السياسي الذي تعيشه البلاد من جراء عدم وجود رئيس للجمهورية.
وأهم ما في جعبة الجهات المتابعة للمسار الأمني مجموعة من المعلومات التي قد تخرج عن كونها مؤشرات طبيعية، ولعل اهم هذه المعلومات:
اولا: وجود قرار من جهات اصولية متشددة في نقل المعركة الى لبنان، والخروج من المقاربة التي كانت معتمدة في السابق، كون لبنان ساحة نصرة وليس ساحة جهاد، وقد تم تفكيك عدة مجموعات تعد لتحقيق هذا الهدف، ومازالت الاجهزة تبحث عن مجموعات اخرى، والقرار بمحاربة حزب الله على الساحة اللبنانية، يبدو انه اتخذ عند المتشددين، وربما عند بعض قوى المعارض السورية، ذلك ان اشغال الحزب في لبنان، قد يفرض عليه الانسحاب من الساحة السورية المشتعلة، والمرشحة للاشتعال اكثر فأكثر، على عكس ما يرى بعض المقربين من النظام.
ثانيا: في المعلومات ان تداعيات احداث العراق فعلت فعلها في لبنان، وتمدد القوى المتشددة ظهر الى العيان وبالتوازي مع هذه المؤشرات حصلت القوى الأمنية على معلومات مؤكدة تشير الى حركة تمويل واسعة في صفوف بعض الجماعات، ورصدت مكالمات تتحدث عن مبالغ مالية كبيرة تجمع تحضيرا لأعمال أمنية.
ثالثا: الاوساط التي تراقب مسارات السياق الامني في لبنان ترى ان حزب الله ليس غافلا عما يجري وهو في المقابل يقوم ببعض التحضيرات العسكرية في مناطق عديدة، استعدادا لما قد يحدث، والاستعراضات العسكرية للحزب التي حصلت الاسبوع الماضي في البقاع الشمالي، تأتي كجزء من خطة المواجهة المحتملة، والحزب قلق الى ابعد الحدود من تطور الأوضاع في الجنوب، كونها قد تفرض عليه معادلات جديدة، وتجبره على تغيير استراتيجيته الحالية التي تركزت على دعم صمود النظام السوري المهدد.
بصرف النظر عن مدى مطابقة بعض المعلومات على وقائع الارض، لا يمكن تجاهل المؤشرات الأمنية التي برزت على الساحة، رغم التماسك الذي تبديه الاجهزة المختصة في المواجهة، ويبقى الأمن السياسي المتلاشي من جراء التشرذم والانقسام، نقطة الضعف الابرز في مسيرة الحفاظ على الاستقرار، وحفظ تماسك الدولة.