يكاد التيار الوطني الحر يكون الحزب الوحيد المتحرك في كل الاتجاهات، بين أحزاب وقوى سياسية قررت إطفاء محركاتها واتخاذ وضعية انتظار في هذه المرحلة الانتقالية التي لا تنتهي إلا مع نهاية أزمات المنطقة الى حلول وتسويات.
ولعل ما يميز عون هو قدرته على فتح المعارك والقتال السياسي على عدة جبهات في وقت واحد: جبهة «رئاسة الجمهورية» التي لم تسجل أي خرق إيجابي حتى الآن، جبهة الحوار مع القوات اللبنانية التي أسفرت عن إنجاز «ورقة النوايا» وتوقفت عند هذا الحد.
جبهة التعيينات العسكرية والأمنية التي اختصرت بـ «قيادة الجيش»، وهنا كانت المواجهة الأعنف التي لم تنته فصولا بعد، وجبهة الحكومة التي تدور المعركة فيها تحت عنوان الشراكة في صنع القرار.
خسر العماد عون معركة التعيينات لمجرد أن أصبح التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي أمرا واقعا، وطويت صفحة تعيين قائد جديد للجيش إلى ما بعد انتخاب رئيس الجمهورية، والخسارة هنا لا تقتصر على موقع، وإنما شملت الوقوع في أخطاء تقدير الأوضاع.
والخطأ في تحديد تمام سلام وجان قهوجي أهدافا سياسية وإعلامية قبل أن يصار الى التصحيح وحصر التصويب في اتجاه تيار المستقبل.
كل المؤشرات تدل على أن التيار الوطني الحر ليس في صدد النزول مجددا الى الشارع، وأنه سيكتفي بالتصعيد السياسي من داخل الحكومة التي لن يغادرها، وبما يؤدي الى تجميد عملها وجعلها أسيرة وضع مقفل مفتاحه في يد عون وحزب الله.
يكتفي عون بدعم حزب الله له، والذي بلغ حد التلويح بالنزول معه الى الشارع.
ولكن هذا «الدعم سلبي» بمعنى أنه يهدف الى منع انكسار عون وليس دعما إيجابيا بمعنى أنه يهدف الى تمكين عون من الانتصار.
ورغم ذلك فإن عون مطمئن الى هذا الدعم ويعول عليه كورقة أساسية متبقية لديه.
فتحت غطاء هذا الدعم يجري البحث عن مخرج وتسوية للحد من خسارته والتخفيف من وطأتها، وحيث التركيز جار على حفظ موقع العميد شامل روكز وإبقائه في المؤسسة العسكرية وفي المعادلة السياسية بعدما أصبح رمزا وعنوانا في هذه المرحلة وصار بقاؤه أو تقاعده عنصرا محددا في ربح عون جزئيا أو خسارته كليا.
خروج عون من الشارع وتهدئة اللعبة لا يحصل فقط تلبية لنصائح حزب الله وتفاديا للمزيد من الإحراج، وإنما يتم أيضا بهدف التحول الى معركة داخلية مهمة تتعلق بترتيب البيت الداخلي وتنظيم عملية التسلم والتسليم في قيادة التيار الوطني الحر، بعدما قرر العماد عون، وعلى طريقة جنبلاط، الاحتفاظ «بالزعامة» وإعطاء «رئاسة التيار» الى جبران باسيل الأقرب إليه.
وحول هذه العملية يمكن القول:
ـ العماد عون مصمم على حسم موضوع رئاسة التيار على أيامه لأنه يعرف أن عملية كهذه من بعده ستؤدي الى انشقاقات وانقسامات تطيح بالتيار أو تجعله ضعيفا، وتجعل من تسلم باسيل رئاسة التيار أمرا صعبا أو غير ممكن.
ـ لا تأجيل لانتخابات رئيس التيار الوطني الحر المقررة في 20 سبتمبر المقبل أيا تكن الظروف وبمعزل عنها.
ـ العماد عون هو من يمسك تماما بقرار التيار وزمام الأمور، ومعركة باسيل محسومة ومنتهية ولا مجال لحدوث أي مفاجأة.
ـ شامل روكز هو الوحيد الذي يشكل منافسا جديا لـ «باسيل»، ولكنه خارج المعركة ويقف على الحياد فيها.
ـ المحور المعارض لـ «باسيل» ويمثله النائب آلان عون قادر على تسجيل نتيجة جيدة، ولكنه سيخرج خاسرا وسيخرج التيار معه أقل قوة وتماسكا.
ـ ثمة تقاطع مصالح يدفع باتجاه البحث عن تسوية بين الطرفين على قاعدة وصول باسيل من دون معركة، وأخذ المحور المعارض لمنصبين على الأقل نيابة الرئاسة (آلان عون) ورئاسة تكتل الإصلاح والتغيير (ابراهيم كنعان).