بيروت ـ د.ناصر زيدان
تسارع تطور الاحداث في سورية، بين وقف إطلاق النار الهش الذي تم الاتفاق عليه بين واشنطن وموسكو، مرورا بحوار جنيف غير المباشر بين ممثلي النظام ومندوبي المعارضة المعتدلة، وصولا للقرار الروسي بسحب القوات الجوية التي تشارك في القتال الى جانب النظام منذ نهاية الصيف الماضي، كان لهذه المستجدات انعكاسات واسعة على لبنان، قبل ان تعرف مدى تأثيراتها، وفيما إذا كانت ستــؤدي الى تسوية، ام انها ستعدل من موازين القوى العسكرية على الارض، وبالتــالي تخـــرج حــزب الله من المعادلـــة السوريــة.
التعقيدات السورية كان لها الأثر الواسع على تأزم الاوضاع في لبنان، خصوصا فيما يتعلق بعدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية منذ مغادرة الرئيس ميشال سليمان لقصر بعبدا في 25 مايو 2014 لانتهاء مدة ولايته.
وكان الرهان عند المرشحين الرئيسيين ميشال عون وسمير جعجع، ان انقلاب موازين القوى في سورية سيخدم وصول احداهما، فإذا انتصرت المعارضة سيكون الامر لصالح د.جعجع، وإذا انتصر النظام سيخدم الامر وصول العماد عون، وكلا الامرين لم يحصلا خلال الفترة الماضية.
بعد نداء العماد عون لأنصاره في 14 مارس للإستعداد للمواجهة «وتجهيز السواعد» عرفت الاوساط السياسية ان سيناريوهات جديدة بدأت ترسم في الأفق، تتراوح بين كلام عن انسحاب حزب الله من سورية، والتعويض له بنفوذ اوسع في لبنان، وبالتالي فتح الطريق امام مسيرة انتخاب رئيس للجمهورية مقرب منه.
وكلام آخر عن تسوية ستشمل تعزيز وضع لبنان وتحييده عن التعقيدات السورية بالكامل، عن طريق انتخاب رئيس غير محسوب على فريق «الممانعة» ومقاربة أخرى تتحدث عن نضوج طبخة انتخاب النائب سليمان فرنجية للرئاسة، بعد ان اقترب عدد النواب من تحقيق نصاب في الجلسة، بصرف النظر عن مشاركة حزب الله، او عدم مشاركته.
الانسحاب الروسي من المعركة العسكرية في سورية، له تداعياته الكبيرة.
وكل المؤشرات تدل على ان قرار الرئيس الروسي بالانسحاب من المعركة السورية موجه ضد الرئيس بشار الأسد الذي لم يتعاون بما فيه الكفاية مع مساعي التسوية الروسية ـ الاميركية، خصوصا في إعلان وزير خارجية سورية وليد المعلم «ان الاسد خط احمر»، مما استفز الروس الذين التزموا بتنفيذ مرحلة انتقالية تمهد لتخلي الاسد عن السلطة.
تسارع الاحداث قد يؤدي الى إنضاج تسوية رئاسية في لبنان، وفرضية اعطاء لبنان جائزة ترضية لإيران، وبالتالي الى حزب الله من جراء الانسحاب من الساحة السورية، غير واقعية، لاسيما بعد ان برهنت الاحداث الاخيرة ان لبنان لا يمكن ان يعيش بمعزل عن الاجماع العربي، وليس له مقومات صمود كافية، اذا ما تخلى عنه اشقاؤه ـ خصوصا في الخليج العربي ـ إضافة الى كون التركيبة الداخلية اللبنانية تميل لصالح العروبة الجامعة، ولا تسمح بعزل لبنان عن اشقائه.
ولبنان كان على الدوام مساحة صدى واسعة للفكر القومي العربي منذ ايام الوصاية العثمانية قبل 200 سنة.
النائب ابراهيم كنعان امين سر تكتل التغيير والاصلاح الذي يرأسه العماد عون قال: «إذا كانوا قادرين على انتخاب رئيس من دوننا فليفعلوها»، ذلك يؤشر الى فرضيتين: الاولى، ان العماد عون أصبح شبه مقتنع بعدم إمكانية وصوله الى منصب رئاسة الجمهورية.
اما الفرضية الثانية فهي: الاستعداد لنقل المواجهة الى الشارع، وعندها سيكون الجميع امام خيارات كلها خاسرة.
وسيكون الخاسر الأكبر فيها من يتحمس للعبة الشارع، ومن يجر القوى الأخرى لتتعاطى مع خطورة هذا الخيار.
فاللبنانيون مغرمون بنزعة التطرف، وكل المكونات الطائفية والسياسية فيه، تنجذب سريعا الى حلبة المواجهة.