علي رباح
هو قدر اللبنانيين ان يجتمعوا حول المصيبة ايا كان نوعها، هو قدرهم ان يبكوا احباءهم دائما، وان تستهدفهم حتى الطبيعة، اللهم لا اعتراض على حكمك.
لبنان الذي قلما توحد بجميع اطيافه، اجتمع حول مصيبة فقدان جميع ركاب الطائرة الاثيوبية التي هوت الاسبوع الماضي قبالة شواطئ بيروت.
اربعة وخمسون فقيدا البسوا لبنان الاسود من جنوبه الى شماله.. من شرقه الى غربه، فالطائرة المنكوبة لم تفرق بين سني وشيعي أو مسيحي، وبكينا اهلنا من النبطية الى طريق الجديدة مرورا بالضاحية الجنوبية وصولا الى المتن وكسروان.
كم تاثرنا ونحن مسمرون امام شاشات التلفزة نتابع بكل أسى اي خبر عن الضحايا، الذين سعوا الى لقمة العيش بإفريقيا والتي اتت مغمسة بالدماء هذه المرة، ولكن ما اقشعرت له الابدان هو لحمة شعبية وسياسية كرستها الفاجعة وقل نظيرها في لبنان.
الرئيس ميشال سليمان واكب من غرفة العمليات في وزارة الدفاع مجريات الحادث الأليم، الرئيسان نبيه بري وسعد الحريري هرعا الى المطار لمواساة الاهالي المفجوعين والوقوف على احوالهم.
ومن ثم انتقل رئيس الحكومة وعدد من وزرائه على متن طوافة للاشراف على عمليات البحث عن الجثث وبقايا الطائرة. لا بل كان للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله اطلالة مفاجئة بعد ساعات لتقديم التعازي ومشاركة الاهالي لحزنهم. وكذلك فعل معظم الزعماء اللبنانيين.
ذابت للحظات انتماءاتنا السياسية، واندمجنا بلبنانيتنا الى ابعد الحدود، متجاهلين السجالات الساخنة التي انشغل بها لبنان في الاسابيع الاخيرة حول هيئة الغاء الطائفية السياسية أو موعد الانتخابات البلدية وحتى قانون تخفيض سن الاقتراع الى 18 سنة ومحاولات مسيحية لمقايضته بقانون السماح للمغتربين بالاقتراع في الخارج، حفاظا على المناصفة والتوازن الطائفي والمذهبي المعمول به منذ اتفاق الطائف.
ولكن السؤال الذي لابد وان يتبادر الى الاذهان: هل بتنا بحاجة دائما الى خضات نفسية ومصائب من العيار الثقيل حتى «نفكر» برص الصفوف؟ وهل ستنسحب حالة الوئام على القادم من أيامنا، ام سنكون امام جولات صراعية جديدة فور انتهاء مفاعيل صدمة الطائرة؟ الآن سقطت طائرة ركاب فهل تكون لسياسيينا عبرة للحفاظ على طائرة لبنان؟ فإنها ان هوت لن ينفع ندم و«كلمة يا ريت عمرا ما كانت بتعمر بيت».
الآلاف من الشباب يهاجرون سنويا إلى مشارق الارض ومغاربها، بحثا عن الامن والاستقرار، وأضعافهم ينتظرون فسحة امل في بلدهم وأضعاف أضعافهم مل هذا الوضع.
وبهذه الظروف لا يسعنا الا ان نستحلف بالله جميع السياسيين اللبنانيين ليعوا حساسية اللحظة والظروف التي تمر بها المنطقة برمتها، ولنرص الصفوف كما فعلنا عندما نكبنا بالطائرة لمواجهة التحديات والتهديدات الاسرائيلية والاطماع الخارجية.
فالقوة تكمن بحصر خلافاتنا بالمؤسسات الدستورية وبديموقراطية طالما حسدنا عليها الجميع.
كم نحن بحاجة اليوم الى تمثل قسم الشهيد جبران تويني حين قال «نقسم بالله العظيم، مسلمين ومسيحيين، ان نبقى موحدين، الى ابد الابدين، دفاعا عن لبنان العظيم».