ما إن تفجرت الأزمة النقدية ودخل لبنان مرحلة شحّ الدولارات، وبصرف النظر عن الأسباب الحقيقية التي أودت بالثقة بالقطاع المصرفي، وأجهزت على ما تبقى من الاقتصاد اللبناني، حتى سارعت المصارف إلى الحجر على أموال المقيمين والمغتربين على السواء، من دون أي توضيحات أو تطمينات أو حتى مصارحة. اعتمدت المصارف بين ليلة وضحاها الـ Capital Control وان بطريقة غير رسمية أو قانونية، فرضت القيود على التحويلات المالية من الليرة إلى العملات الأجنبية، وعلى التحويلات من لبنان إلى الخارج. وإذا كانت القيود المصرفية شكلت صدمة للمقيمين من اللبنانيين، إلا أنها أشاعت حالة من الإحباط بين المغتربين وهم الأشد تأثرا بالقيود المصرفية من الزبائن المقيمين.
هواجس المغتربين وقلقهم من ضياع أموال جنوها على مر سنوات خارج وطنهم، زرعت في نفوسهم الكثير من الغضب والقهر، وعززت إحساسهم بالغدر من قبل سلطات بلدهم، والعجز عن استحصالهم على حقوقهم ومدخراتهم. وأشاعت بينهم توجهات احترازية تقضي بعدم تحويل أي أموال إلى لبنان عبر المنظومة المصرفية، وانتظار قدوم أحدهم إلى لبنان ليرسلوا معه ما توفر من أموال نقدا إلى أهاليهم. أما فيما خص الادخار فالبعض يرسل نقدا ويدخر في منزل ذويه في لبنان. والبعض الآخر يفضل الادخار في البلد المضيف، تجنبا لتحويل الأموال عبر المصارف اللبنانية وتجميدها. وبالتالي، عدم القدرة لاحقا على التصرف بها.
وفي تحقيق إعلامي، تقول لبنانية تعمل بإحدى الدول العربية: نتابع الأخبار يوميا. وكنا مطمئنين نوعا ما إلى انقشاع تلك الغيمة نظرا لثقتنا بتأكيدات مصرف لبنان مرارا بأن حجم احتياطي العملات الأجنبية لايزال مرتفعا نسبيا، إلا أن صدور تقرير «ميريل لينش» مؤخرا وكشفه عن الضعف المخزي للاحتياطات الأجنبية أفقدنا أي أمل باستعادة أموالنا. «نحن ببساطة انسرقنا والمصارف خذلتنا»، تقول لين، وتسأل: كيف تسمح لنفسها المصارف أن تذلنا بسحوبات لا تتجاوز 300 دولار أسبوعيا (عبر بنك بالداخل) مع عمولة تبلغ 15 دولارا على كل عملية سحب؟ كيف يمكننا أن نثق بعد اليوم بالمصارف اللبنانية ونحول أموالنا إلى لبنان؟ فعلا إنه أمر مستحيل.
يسيطر هاجس الإفلاس المصرفي على المغتربين اللبنانيين، مع استمرار المصارف في فرض القيود القاسية وفي ظل عدم وجود رؤية اقتصادية مالية ونقدية واضحة، وغياب حكومة، وانعدام أي مبادرات رسمية لحل الأزمة. التراجع الكبير في التدفقات المالية للمغتربين إلى لبنان لم يكن مفاجئا بالنسبة إلى خبراء الاقتصاد والمال، الذين حذروا منذ اليوم الأول لفرض القيود على التحويلات، من أن تلك القيود وإن كانت غير رسمية إلا أنها ستطيح بشريان الحياة المالية في لبنان، وهو أموال المغتربين.