أحمد صبري
رغم ان ملايين المسلمين لم يهدأ داخلهم طوفان الغضب بعد، نتيجة نشر الرسوم المسيئة للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في عدد من الصحف والمجلات الأوروبية، والتي بدأت في صحيفة مجهولة في الدنمارك ثم أعيد النشر، بل وأضيفت رسوم أخرى بذيئة في صحف النرويج والنمسا وفرنسا وألمانيا وأيضا في عدد غير قليل من مواقع الانترنت الأوروبية، فقد فوجئ الجميع في بداية الشهر الجاري بالإعلان عن مسابقة مشبوهة على موقعي «يوتيوب» و«فيسبوك» الاجتماعيين لرسم «النبي الكريم»، عنوانها «رسم النبي محمد»، مما أشعل النار داخل نفوس اتباع الدين الحنيف.. وفجر داخلهم الحمية لنصرة نبيهم، لتقفز إلى الأذهان علامة استفهام كبيرة: لماذا يتم تعمد استفزاز مشاعر المسلمين بهذه الحملة من الاستهزاء والسخرية والاهانة لأسمى رموز الإسلام؟ وهل الهدف من وراء هذه الحملة المسيئة للرسول الكريم هو إثارة غضب المسلمين وإظهار احتجاجاتهم وكأنها ضد حرية التعبير؟ رغم أنه لا يحق لأحد الإساءة الى معتقدات ومقدسات الآخرين وانتهاك قدسية الأديان السماوية باسم حرية التعبير.
هل الإغلاق يكفي؟
في 20 الجاري، أعلنت الحكومة الباكستانية أنها أغلقت موقعي «يوتيوب» و«فيسبوك» الاجتماعيين بسبب نشرهما دعوات لبعض المستخدمين الغربيين لهما لرسم وتصوير «النبي محمد» في استفزاز جديد لمعتقدات المسلمين. وقال بيان لهيئة الاتصالات الباكستانية إنها اتخذت قرارها بعد استنفاد كل السبل من أجل الحيلولة دون ظهور مواد مسيئة للنبي محمد على فيسبوك ويوتيوب.
وأضاف البيان «بناء على أوامر وجهتها الحكومة، طالبت هيئة الاتصالات الباكستانية مزودي خدمة الإنترنت بمنع الوصول إلى الموقعين في باكستان إلى أجل غير مسمى، نحن نتبع تعليمات الحكومة والحكم من محكمة لاهور العليا في هذا الصدد».
وتابع «إن الإجراء اتخذ بعد أن تأكدت الحكومة من أن مسابقة الكترونية لرسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم نقلت من فيسبوك إلى يوتيوب رغم أن تصوير «الرسول» يعتبر أمرا مسيئا ويخالف أحكام الشريعة الإسلامية».
ولم يقف الأمر عند إغلاق الموقعين، حيث أدان المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية نشر مسابقة رسم «النبي محمد» على فيسبوك ويوتيوب وحث جميع دول العالم على «معالجة القضية» التي أكد أنها «مسألة حساسة ومؤثرة للغاية للمسلمين».
وتابع «مثل هذه الهجمات الخبيثة والمهينة تضر بمشاعر المسلمين في جميع أنحاء العالم ولا يمكن قبولها تحت ذريعة حرية التعبير».
وبجانب الإدانة الرسمية، فقد خرجت مظاهرات حاشدة في باكستان للاحتجاج على «مسابقة رسم النبي محمد» وللمطالبة بتحركات إسلامية سريعة لوقف مثل تلك الإساءات.
ويبدو أن توقيت الإعلان عن المسابقة المشبوهة بدا وكأنه أمر مقصود في حد ذاته بهدف التغطية على الفضائح الجنسية التي هزت عددا من الكنائس الكاثوليكية في أوروبا وأميركا مؤخرا، بالإضافة إلى محاولة الحد من اعتناق الإسلام المتزايد في الغرب عبر إثارة غضب المسلمين وإظهار احتجاجاتهم وكأنها ضد حرية التعبير رغم أنه لا يحق لأحد الإساءة لمعتقدات ومقدسات الآخرين وانتهاك قدسية الأديان السماوية باسم حرية التعبير.
بل إنه يتأكد يوما بعد يوم أن هناك في الغرب من يصر على استفزاز المسلمين، حيث أثار نشر رسوم كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد في صحف دانماركية في عام 2005 احتجاجات واسعة في العالم الإسلامي، مما أدى إلى مصرع نحو 50 شخصا بينهم خمسة في باكستان.
اعتذار.. ولكن
وإذا كانت الرسامة الأميركية مولي نوريس قد ألغت مسابقة الرسوم المسيئة للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم التي اطلقتها على «الفيسبوك» وحددت لها موعدا يوم الخميس الماضي، فإن هذا لم يمنع إحدى صحف جنوب افريقيا من نشر رسم جديد مسيء للنبي الكريم، قائلة ان هذا الرسم يدخل ضمن المسابقة التي اعلن عنها على الفيسبوك.. فمن تخدعين يا مولي إذن؟ وهل تظنين أنت ورفاقك من المسيئين لنبينا العظيم أسوياء؟ بالتأكيد لستم كذلك، ولقد فندت دراسة علمية الأسباب الحقيقية للرسوم المسيئة للرسول طبقا لمعطيات علم النفس السلوكي الحديث أعدها استشاري الطب النفسي د.رامز طه.
وقال طه إن «أكذوبة حرية التعبير كشفتها هذه الدراسة لتحليل رسوم هؤلاء الرسامين والتي يظهر ضعف مستواها الفني أيضا وركاكتها من اللمحة الأولى وإنها نتاج مجموعة من الهواة الذين اسقطوا انفعالات مريضة وأفكارا مشوهة».
وأوضح انه يمكن تصنيف الكثير منها تحت ما يسمى بالأدب المكشوف او التصوير الفاضح pornography الذي يصنف ضمن الاضطرابات النفسية واضطرابات التعبير عن الجنس والتي تصل في بعض الحالات إلى حد كتابة ألفاظ نابية بذيئة على الحوائط في الخفاء تعبيرا لاشعوريا عن الانحراف النفسي والجنسي.
وأشار إلى أن هؤلاء يشعرون «بنشوة ولذة عندما يرى الآخرون هذه الرسوم والتعليقات النابية البذيئة أو الرسوم المستفزة المثيرة».
وأوضح طه أن الكاريكاتور يعتبر احد أنواع الرسم الحديث التي تعتمد على التحريف والمبالغة المقصودة للتعبير عن الأفكار والمفاهيم وكذلك عن الدوافع والصراعات اللاشعورية، وهذه المبالغة هي التي تؤثر في المشاهد وتحرك خياله وتعطى للفكرة قوة تأثير عالية وتبرز المعاني وتغرسها في ذهن الفرد.
عدوانية وتعصب
وقال انه وجد الكثير من دلالات العدوانية والتعصب عند تحليل هذه الرسومات المسيئة فعلى سبيل المثال أظهرت كثير من هذه الرسوم المبالغة في حجم الرأس وتأكيد ملامح الوجه بصورة قبيحة، ويعتبر هذا دلالة اهتمام الرسام بالمظاهر الخارجية وانعكاسا لعدوان مكبوت يصاحبه في نفس الوقت اعتراف لاشعوري بقوة الشخص المرسوم ومكانته.
وأضاف انه ظهر في رسوم أخرى عدم وجود الفم مطلقا رغم وجود باقي ملامح الوجه ويعتبر ذلك من الدلالات اللاشعورية على ميل الرسام لرفض الاستماع للآخر ربما هروبا أو خوفا من قوة الحجة والاستمرار في إنكار الحقيقة التي جاء بها الرسول، كما قد تشير إلى العدوان السلبي بالترك، وقد يكون دلالة أيضا على تضخم الذات ورفض التواصل مع الآخر.
واستخدم الباحث مصطلح (الاسلاموكوست) islamocaust موضحا أن: «هذا المصطلح لم اقرأ عنه من قبل وقد استخدمته في دراستي هذه لأول مرة وعلى مسؤوليتي لأنني اعتقد انه أفضل مصطلح يعبر عن حرق وكي مشاعر المسلمين بهذه الرسوم المسيئة للرسول وبهذا الدرجة من الانتشار الوبائي».
وأشار طه إلى أنها «تشير إلى انتقال الغرب من مرحلة الاسلاموفوبيا والتي تعنى الخوف من الإسلام إلى الاسلاموكوست والتي تعني كي وحرق مشاعر المسلمين بهذه الحملة من الاستهزاء والسخرية والاهانة لأسمى رموز الإسلام لاسيما انه لم يصدر من المسلمين ما يشوه أو يسخر من أي عقيدة أو ديانة أو من أي رسول من الرسل».
وختاما.. رغم أن الاحتجاجات السابقة ضد الاستهزاء بالنبي الكريم بعثت برسالة واضحة الى المسيئين في الغرب بأنه لا يجوز المساس بقدسية الأديان السماوية، فإنه تأكد فيما بعد أن هناك حملة مخططة من قبل البعض في الغرب للإساءة الى الإسلام، والذريعة في هذا الصدد هي حرية التعبير رغم أنها بريئة منهم، ولذلك يجب ان تكون هناك تحركات على مستوى رسمي كبير من المنظمات الاسلامية المسؤولة لمواجهة هذه الحملة الشعواء، والخروج من تحت عباءة الصمت لنصرة النبي، والوقوف أمام التمادي الرهيب في هذه الحملة المسيئة.