بقلم: إلياس فرحات *
«ان هدفنا الشامل يبقى دائما تعطيل وتفكيك تنظيم القاعدة والقضاء عليه في افغانستان وباكستان وحرمانه من القدرة على تهديد الولايات المتحدة وحلفائها في المستقبل» هذا ما قاله الرئيس باراك اوباما في المدرسة الحربية «وست بوينت» عام 2009 وتصدر هذا القول المراجعة السنوية لأفغانستان وباكستان التي أصدرها البيت الابيض في 16 ديسمبر 2010 اي بعد نحو 9 سنوات من بداية الحرب على افغانستان.
واضح أن المراجعة تضمنت تحليل الاستراتيجية الأميركية في افغانستان وتقويمها بشكل عام ومراجعة لاستراتيجية مواجهة القاعدة والتعامل مع الوضع في افغانستان وباكستان. وأهم ما ورد في هذه المراجعة هو انها تبين ان عناصر الاستراتيجية الأميركية في افغانستان لا تزال تعمل بشكل جيد وقد حققت مكاسب على الصعيد العسكري بحيث بات كبار قادة القاعدة اللاجئين في باكستان اضعف مما كانوا عليه جراء الضغط المتواصل عليهم منذ ان فروا من افغانستان عام 2001.
وترسي كل من الولايات المتحدة وباكستان دعائم شراكة استراتيجية تستند الى الاحترام والثقة المتبادلتين والقائمتين على زيادة الحوار وتطوير التعاون وتكثيف برامج التبادل.
في افغانستان توقف الزخم الذي حققته «طالبان» خلال السنوات الماضية في معظم أنحاء البلاد وتراجع في بعض المناطق الحيوية، ومع ذلك تبقى المكاسب الأميركية هشة وقابلة للانكسار، لذلك فان التحدي الأساسي هو المحافظة على المكاسب وإبقائها قوية ومستمرة ودائمة.
ان الهدف الاستراتيجي الأميركي هو هزيمة القاعدة في المنطقة وهذا يتطلب حرمانها من ملاذ امن في منطقة القبائل غربي باكستان. يجب ان تبقى افغانستان وباكستان في صلب الاهتمامات السياسية الأميركية.
الانتشار السريع
أسهم الانتشار السريع للقوات المسلحة الأميركية وحلفائها عام 2009 والذي استمر بوتيرة عالية بعد توجيهات الرئيس اوباما الأخيرة، في تحقيق تقدم واضح كما رفع حس الثقة بالنفس لدى الحكومة الأميركية وحلفائها لناحية تحديد اهدافها بشكل صحيح يتيح تحقيق الشروط اللازمة لخفض القوات المنتشرة في افغانستان.
وحول تنظيم القاعدة أكدت المراجعة ان الولايات المتحدة حققت تقدما في تفكيكه والشروع بهزيمته وأفقدته القدرة على شن عمليات ارهابية.ولقد ركزت المراجعة على تنظيم القاعدة في باكستان لان تهديده الاستراتيجي يصل الى داخل الولايات المتحدة وهو يتخذ من باكستان بالإضافة الى افغانستان ملاذا هو نفسه الذي لجأ اليه المسؤولون عن هجمات 11 سبتمبر.
ان وجود الأسلحة النووية في باكستان والخوف من وقوعها بأيدي الإرهابيين يحمل على التشديد على مواجهة تنظيم القاعدة في باكستان وان كثرة الخسائر التي أوقعتها القوات المسلحة الأميركية في قيادات التنظيم حدت من قدرته على التخطيط لهجمات إرهابية جديدة ضد الولايات المتحدة وحلفائها.
تعتبر الولايات المتحدة ان لباكستان دورا مركزيا في جهود محاربة القاعدة ومنعها من العودة الى المنطقة وتركز على التعاون معها في مكافحة الإرهاب والتمرد وتحقيق شراكة طويلة الامد وتحسين التفاهمات حول الاولويات الاستراتيجية وزيادة المساعدات العسكرية والمدنية وتفعيل الديبلوماسية العامة.
ولقد حققت باكستان تقدما كبيرا في السيطرة على الملاذات الآمنة لقادة القاعدة وعناصرها مستفيدة من زيادة المساعدة الأميركية الأمنية وتحسين نوعيتها. ولقد بدأت الولايات المتحدة وباكستان في العام 2010 نمطا جديدا في العلاقة بينهما وذلك بإطلاق حوار استراتيجي يشمل جميع الاهتمامات المشتركة من الشؤون العسكرية والأمنية والاقتصادية والإعلامية والديبلوماسية والزراعية والتعليمية وغيرها وهذا ما اكد على التزام الولايات المتحدة بعلاقات طويلة الأمد تدعم مصالح باكستان وانها لن تتخلى عن المنطقة كما فعلت في السابق. وتعتزم الولايات المتحدة تكثيف الحوار مع كل من باكستان وافغانستان ولهذه الغاية سوف تستضيف الوزيرة كلينتون وزيري خارجية البلدين في اوائل عام 2011.
وعن افغانستان تضمنت المراجعة تحديد هدف الولايات المتحدة وهو حرمان القاعدة من ملاذ آمن في افغانستان ومنع حركة طالبان من الإطاحة بنظام الحكم الحالي وذلك بإفساح المجال لبناء قوات أمنية ذاتية افغانية ولهذه الغاية سيبدأ في اوائل 2011 تسليم الصلاحية الأمنية للقوات الافغانية تمهيدا لخفض الوجود العسكري الأميركي في يوليو 2011، كما ان قمة الاطلسي في لشبونة وافقت على اعتماد مسار لإكمال تسليم المسؤولية الأمنية في نهاية عام 2014.
أدت الاندفاعة العسكرية والمدنية الأميركية الأخيرة الى توسيع بقعة العمليات فوصلت الى معظم القرى وقلصت نفوذ حركة طالبان وأوقفت التقدم الذي كانت قد حققته في السنوات الماضية.
وجرى تجميع امكانيات 49 بلدا حليفا وشريكا من اجل القيام بمقاربة عسكرية ومدنية متكاملة للوضع في هذا البلد كما يجري العمل على زيادة مساهمة الدول ذات الأغلبية المسلمة في مهماتها ضمن قوات ايساف الاطلسية المنتشرة في افغانستان.
وحققت وزارتا الدفاع والداخلية في افغانستان بمساعدة هيئة التدريب في حلف الاطلسي تقدما ملحوظا في بناء قوات الأمن الوطنية الافغانية من خلال برامج تدريب المؤسسات وتطويرها.كما تساعد الولايات المتحدة مؤسسات الحكم المحلي في تأهيل عناصرها ومكافحة الفساد وإقامة منشآت تحتية توفر الشروط اللازمة لنهوض الاقتصاد وإرساء الاستقرار.
تقدم.. وانسحاب
وعن التقدم الذي احرزته الولايات المتحدة في افغانستان قال نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في حديث تلفزيوني: «نحن نحقق تقدما على جميع الجبهات في افغانستان وسوف نبقى على هذا المنوال كي نباشر بسحب قواتنا في يوليو 2011 وسنخرج كليا من هناك بحلول العام 2014»، وتعقيبا على المراجعة الاستراتيجية أشار بايدن الى انه «تحقق تقدما كبيرا في جهود مكافحة الإرهاب أدى الى إضعاف تنظيم القاعدة وحركة طالبان وخصوصا قياداتهما وحرمان الإرهابيين من الملاذ الآمن في باكستان وأكد ان اسامة بن لادن وقيادة تنظيمه لم يعد لديهما القدرة على القيام بعمليات مماثلة لعملية 11 سبتمبر».وتساءل بايدن «هل هذا يعني اننا نجحنا؟كلا.وهل يعني اننا اصبحنا أفضل مما كنا عليه قبل سنة او اثنتين او ثلاث؟ نعم».
من ناحيته قال وزير الدفاع روبرت غيتس «إننا لا ندري في هذه المرحلة عن حجم ووتيرة سحب القوات الأميركية من أفغانستان». وعبر عن أمله في تسريع وتيرة الانسحاب «استنادا إلى الظروف المحلية التي تسود» بعد المباشرة بالانسحاب في يوليو2011.
وبدورها، قالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون إنها مدركة للاستياء الشعبي في الولايات المتحدة من الحرب في أفغانستان التي دخلت عامها العاشر. وتابعت قائلة إن الرئيس أوباما «لن يتخذ قرارات تؤثر على الحياة والموت والأمن المستقبلي لبلدنا استنادا إلى استطلاعات الرأي». وهي تشير بذلك الى استطلاع للرأي نشرته شبكة ايه بي سي نيوز الاخبارية وصحيفة واشنطن بوست في ديسمبر 2010 يفيد بأن 60% من الأميركيين يعتقدون ان الحرب لا تستحق خوضها، بارتفاع سبع نقاط منذ شهر يوليو 2010. وقال 34% فقط من الذين شملهم الاستطلاع ان الحرب الافغانية تستحق خوضها، بانخفاض سبع نقاط عن استطلاع نشر في يوليو من العام نفسه.
يذكر انه قد جاءت هذه المراجعة، بعد شهرين من التقييم لجميع جوانب الاستراتيجية الأميركية للحرب، وبعد عام شهد أعلى رقم من القتلى بين صفوف جنود قوات «ايساف» وبين المدنيين الافغان أيضا، إلا انها افتقرت الى التفاصيل والأدلة الداعمة، ولم تتضمن الانتقادات الموجهة الى حكومتي باكستان وافغانستان التي ظهرت في وثائق ويكيليكس خلال الأشهر الماضية والتي كان لها تأثير كبير في إطالة أمد الحرب. ولا يبدو ان هذه المراجعة قد أقنعت الأميركيين، انها لا تتعدى أي إجراء بيروقراطي او «تقرير تقدم» في معالجة ازمة ولا تطرح حلولا حاسمة لهذه الحرب التي استمرت لأطول وقت في تاريخ الولايات المتحدة من دون ان تحقق الاهداف التي تتناسب مع التضحيات والخسائر التي قدمتها، وعالجت المراجعة الحرب على انها معركة عسكرية تنتهي بنصر موعود، وعلى اثره يعاد بناء افغانستان وفقا لمبادئ الديموقراطية الأميركية وتنظم الإدارة ومجالس الحكم والاقتصاد.
بمعنى آخر يستحضر الأميركيون في هذه المراجعة مثل اليابان بعد الحرب العالمية الثانية ولهذا نلاحظ ان كل قائد عسكري أميركي يطمح الى ان يكون ماكارثر القرن الواحد والعشرين، ألم يتصرف الجنرال ماكريستال مع القيادة السياسية لاسيما نائب الرئيس بايدن مثل ما كان ماكارثر يتعامل مع القادة السياسيين في واشنطن خاصة الرئيس ترومان في مسألة كوريا؟ ألم يبرز الجنرال بترايوس كزعيم سياسي أكثر منه كقائد عسكري بسبب كثرة كلامه السياسي في بلد يعج بالسياسيين في البيت الأبيض ووزارتي الدفاع والخارجية بالإضافة الى الكونغرس.
وللحق، فشلت المراجعة في عرض الأسباب الحقيقية للحرب، هل هي انتقام من طالبان بسبب إيوائها المسؤولين عن عملية 11 سبتمبر؟ ام انها الحرب على الإرهاب كما يتردد في الأدبيات السياسية؟ وما الإرهاب؟ ومن الإرهابيون؟وهل هم دول ام جيوش ام أصحاب عقائد؟
استراتيجية الحرب على الإرهاب
في غياب استراتيجية أميركية واضحة للحرب على الإرهاب يظل التخبط علامة فارقة في سياسة الولايات المتحدة مهما حاولت البراغماتية إخفاءه ومن المفترض ان باكستان حليف أساسي للولايات المتحدة التي تشكل مصدر التسليح الرئيسي وترتبط معها بمعاهدات واتفاقيات منذ ايام الحرب الباردة.
وفي التسعينيات من القرن الماضي كانت باكستان قاعدة الانطلاق للمجاهدين الافغان المدعومين من واشنطن لقتال القوات السوفييتية في افغانستان، فإذا هي تصبح اليوم ملاذا آمنا لقادة القاعدة ألد أعداء الولايات المتحدة، وبات خطر طالبان باكستان يفوق خطر طالبان افغانستان وأصبح من المحال على الولايات المتحدة تحقيق النصر على القاعدة من دون دعم واضح من باكستان. أين أصبحت العلاقة الأميركية الباكستانية التحالفية منذ زمن طويل؟ من الواضح ان باكستان لا تتعاطى بالجدية الكاملة في مساندة الولايات المتحدة، وما كشفته وثائق ويكيليكس مؤخرا عن اتصالات بين جهاز الاستخبارات الباكستانية ـ المعروف isi وحركة طالبان يثير الشكوك في حقيقة الموقف الباكستاني من طالبان وازدواجية الميول وربما يقدم تفسيرا لطول امد الحرب رغم كل الحديث عن مقاربات استراتيجية في العلاقات الأميركية ـ الباكستانية يلفت الانتباه الى ان مشكلة كشمير التي تعني الكثير في باكستان لم تطرح على طاولة البحث ولم يؤت على ذكرها وهي تضم منظمات متطرفة لها شقيقات في باكستان وافغانستان مثل «عسكر طيبة» وجيش محمد».كل هذا يحمل على الاعتقاد ان الباطنية حاضرة في العلاقات الأميركية ـ الباكستانية. الأميركيون يغمضون اعينهم عن كشمير والباكستانيون يتحركون وكشمير لا تغيب عن بالهم.
سبق للرئيس اوباما ان وعد في حملته الانتخابية بإيفاد الرئيس الأسبق بيل كلينتون مبعوثا الى كشمير للعمل على حل النزاع لكنه جوبه برد فعل هندي عنيف:هل ترضى الولايات المتحدة بمبعوث أوروبي لبحث الوضع في تكساس؟ رضخ اوباما للبيرقراطية في واشنطن ولم يستطع خرقها في طرح مسألة كشمير واحداث «التغيير» الموعود ولجأ الى شركائه في الاطلسي لبحث خطة إنهاء الحرب في افغانستان والتي انتهت باتخاذ قرار إنهاء الانسحاب عام 2014.ثم جاء بالجنرال بترايوس صاحب نظرية الاندفاعة في العراق ليطبقها في افغانستان على أمل ان يحقق النصر المنشود خلال هذه المهلة.
حرب سياسية وثقافية واقتصادية
الحرب في افغانستان ليست عسكرية فقط، انها سياسية وثقافية واقتصادية، والنصر فيها لا يدوم اذا اقتصر على الميدان العسكري، ولم يتحقق في باقي المجالات، فقد سبق ان أحرزت القوات الأميركية نصرا عسكريا عام 2001 وأطاحت بنظام طالبان لكن اهمال الجوانب الأخرى أدى لإطالة امدها وزيادة احتمال خسارتها عند النهاية.
ولقد خلت المراجعة من ذكر تكاليف الحرب والتي تبلغ 100 مليار دولار سنويا في بلد كان ناتجه القومي عندما دخلته القوات الأميركية لا يتجاوز ملياري دولار سنويا.
قالت كاترين فاندن هافل رئيسة تحرير مجلة نايشن في مقال لها في واشنطن بوست «بحلول العام 2014 تكون الولايات المتحدة قد أنفقت 700 مليار دولار في افغانستان. الفقر كلمة غير معهودة في واشنطن لكن 43 مليون اميركي يعيشون في الفقر. الأطفال الفقراء يرتفع عددهم باستمرار، وهناك واحد من اصل سبعة مراهقين سود لا يجد عملا وهناك جيل من الأطفال ينشأون في شوارع خطرة ويعيشون حياة بائسة ويعانون من الجوع والتفكك الأسري والبطالة والمخدرات والجريمة». وأضافت ان «بنيتنا التحتية باتت قديمة وتشكل خطرا، هناك اشخاص ماتوا في انهيار جسر في مينيابوليس وسدود في نيو اورليانز. وهناك اطفال يذهبون الى مدارس تفتقد للشروط الصحية.القطارات القديمة تتوقف بسبب اعطالها وأقنية الصرف الصحي تنهار وتضيع معها ساعات العمل. حتى بديهيات المجتمعات المتحضرة بدأت تتراجع:المياه النقية باتت في خطر امتزاجها بمياه الصرف الصحي. اما الشبكة الكهربائية ووسائل النقل فقد باتت متخلفة عما هي في بعض دول الغرب». يمكن لمبلغ 700 مليار دولار ان يصلح الكثير من المشاكل التي يعاني منها الأميركيون.
اما عن الخسائر البشرية فهناك شباب اميركيون يموتون في حرب لا توافق عليها غالبية شعبهم بالإضافة الى اعداد كبيرة من الجرحى والمعوقين. وأضافت فاندن هافل «اننا عندما نحتفل بشجاعة جنودنا نهمل السؤال التالي: كيف نطلب من رجال ونساء ان يقدموا حياتهم واضلعهم في سبيل قضية يعرفون سلفا انها خاسرة؟ وهي قضية لا يمكن تبريرها»؟!
لا يمكن للقوات الأميركية وحلفائها ان تكسب احترام ومودة الشعب الافغاني فقد كثرت الإصابات بين المدنيين الافغانيين والباكستانيين بين قتيل وجريح من جراء قصف الطائرات المسيرة لأهداف تابعة للقاعدة إما عن طريق الخطأ او عمدا الأمر الذي اثار سخط السكان وتتساءل فاندن هافل في هذا المجال «مهما كان وقع اقدام القوات الأميركية وحلفائها خفيفا ورشيقا فان اعمال القتل تؤدي الى خلق أعداء كثيرين في العالم الإسلامي».
لم تتطرق المراجعة الى حكومة كرزاي الفاسدة رغم ان وثائق ويكيليكس أسهبت في الكلام عن الفساد في افغانستان وحددت إحداها شقيق كرزاي والفساد المتورط به وذكرت اخرى انه يتقاضى مخصصات مالية من ايران.. كتب يوجين روبنسون في واشنطن بوست «ان أي مدينة افغانية تعتبر نفسها آمنة وهادئة يكون ذلك بفضل وجود القوات الأميركية فيها وعندما تغادرها هذه القوات تعود اليها القوات المعادية ولا يكلف السكان انفسهم عناء التصدي والتضحية في سبيل حكومة فاسدة ونظام ضعيف. في الحقيقة اصبح الافغانيون اكثر قلقا على مصير بلادهم وتراجعت ثقتهم بقدرة القوات الأميركية على الحفاظ على امنهم». وتساءل روبنسون «كيف يتسنى للقوات الأميركية القضاء على طالبان وعندما يهاجمونهم ويضيقون الخناق عليهم يفرون الى باكستان ويحظون بلجوء آمن في ذلك البلد؟».
وتقول المراجعة ان باكستان قد فعلت الكثير من اجل حرمان القاعدة وطالبان من الملاذ الآمن لكنها لم تفعل ما يكفي لذلك. ثم يسخر روبنسون من المراجعة قائلا: «المزيد من الشباب الاميركي سوف يقتلون بانفجار عبوات مزروعة على جوانب الطرقات والمزيد من المدنيين الافغان والباكستانيين سوف يقطعون اربا جراء نيران الصواريخ التي تطلقها الطائرات المسيرة دون طيار وسوف تبقى سياستنا على مسارها المعهود لكن، في اتجاه مجهول».
اصدرت المجموعة الاستخباراتية الأميركية مؤخرا وقبيل صدور مراجعة البيت الأبيض تقريرين استخباريين عن الوضع في افغانستان وباكستان يرسمان صورة اكثر سلبية وينصان على ان فرص النصر تبقى محدودة الا اذا قامت باكستان بمطاردة الإرهابيين الذين يعملون من ملاذات آمنة على الحدود الافغانية.
ويضيف التقريران انه على الرغم من ان الولايات المتحدة والناتو حققا تقدما في الحرب الا ان عدم رغبة باكستان في اقفال المخابئ والملاذات في المناطق القبلية بوجه الارهابيين تبقى المشكلة الاكبر. ونقل عن القادة العسكريين قولهم ان الإرهابيين يعبرون الحدود من باكستان الى افغانستان ليزرعوا المتفجرات، ويقاتلون القوات الأميركية ثم يعودون الى باكستان للاستراحة وإعادة التموين. ويعبر هذان التقريران عن رأي 16 وكالة استخبارات وتم توزيعه على بعض أعضاء لجنتي الاستخبارات في مجلسي الشيوخ والكونغرس.
ان الخلاف القائم بين القيادات العسكرية ومحللي الاستخبارات في واشنطن يعكس حجم الجدل القائم حول ما اذا كانت الولايات المتحدة تستطيع كسب الحرب من دون تعاون باكستان التي رفضت مطاردة الإرهابيين على حدودها رغم الضغوط الأميركية لسنوات عديدة، كما يعكس هذا الخلاف الفوارق الثقافية الكبيرة بين محللي الاستخبارات الذين يتركز عملهم على التحذير من الأنباء السيئة المقبلة والقادة العسكريين الذين يجيدون الترويج للتفاؤل مهما كان حجمه.ويستند التقريران الى استنتاجات وكالة المخابرات المركزية ووكالة الاستخبارات الدفاعية التابعة للپنتاغون ويتوصلان الى ان الهجمات التي تشنها وكالة المخابرات المركزية بواسطة الطائرات المسيرة من دون طيار على قادة طالبان والقاعدة قد أفضت الى تحسين الوضع الأمني في هلمند وقندهار. وفي جانب القادة العسكريين وصف الجنرال كامبيل قائد قوات الأطلسي في شرق افغانستان الوضع بقوله للصحافيين في مقاطعة كونار النائية: لن اثير المزيد. ان الإرهابيين يعبرون الحدود بالاتجاهين وهم اكثر تمويلا وأفضل تدريبا ويحضرون معهم متفجرات يدوية الصنع» وهو يشير الى المتفجرات التي سببت اكبر عدد من القتلى في صفوف القوات الأميركية.
مجريات الحرب
صحيح ان مراجعة البيت الأبيض عبرت عن تصميم الإدارة ورؤيتها لمجريات الحرب ومستقبلها القريب وخطة إنهائها عام 2014 إلا انها فشلت في إعطاء الضمانة المطلوبة من الجمهور الأميركي وفي تحديد قاطع لأهداف هذه الحرب ونتائجها المرتقبة.
لقد زادت حدة الخلاف العلني بين القادة العسكريين ووكالات الاستخبارات من قلق الجمهور ووسعت حالة عدم اليقين التي تنتشر بين السياسيين وتنعكس سلبا على معنويات العسكريين وثقة المواطنين والاهم على الوضع الاقتصادي.
وتشير هذه الخلافات الى غياب المواقف السياسية الحاسمة التي صدرت عن بعض السياسيين أثناء حرب فيتنام وأبرزهم السيناتور وليم فولبرايت الذي كان له دور بارز في تعبئة الجمهور لإنهاء حرب فيتنام.
عام 1966 اصدر السيناتور فولبرايت كتابا عنوانه «غطرسة القوة» هاجم فيه جميع التبريرات التي قدمت لحرب فيتنام وندد بفشل الكونغرس في وضع حد لها، وبالدوافع التي زادت من عملياتها.
وقد قوضت انتقادات فولبرايت في حينها إجماع النخب الأميركية التي اعتبرت ان التدخل العسكري الأميركي في الهند الصينية فرضته الضرورات الجيوبولتيكية للحرب الباردة.
وأسهمت الانتقادات في خلق رأي عام مناهض للحرب سرعان ما تحول الى قوة ضغط شعبية أدت اخيرا الى انهائها، واليوم تدور الحرب الاميركية في افغانستان في حلقة مفرغة وردود الفعل السياسية والشعبية لا تزال دون المستوى المطلوب ولم يظهر اي معارض جدي يتمتع بالإرادة والعزيمة والتصميم على وقف هذه الحرب.
غطرسة القوة
في عــام 1966 اصــدر السيناتــور وليم فولبرايت كتابا عنوانه «غطرسة القوة» هاجم فيه جميع التبريرات التي قدمت لحرب فيتنام وندد بفشل الكونغرس في وضع حد لها، وبالدوافع التي زادت من عملياتها.
وقد قوضت انتقادات فولبرايت في حينها إجماع النخب الأميركية التي اعتبرت ان التدخل العسكري الأميركي في الهند الصينية فرضته الضرورات الجيوبوليتيكية للحرب الباردة.
وأسهمت الانتقادات في خلق رأي عام مناهض للحرب سرعان ما تحول الى قوة ضغط شعبية أدت أخيرا الى إنهائها، واليوم تدور الحرب الأميركية في افغانستان في حلقة مفرغة وردود الفعل السياسية والشعبية لا تزال دون المستوى المطلوب ولم يظهر أي معارض جدي يتمتع بالإرادة والعزيمة والتصميم على وقف هذه الحرب.
* عميد ركن متقاعد في الجيش اللبناني