هدى العبود
تعودنا دائما أن تقرع أجراس الإنذار من وطننا العربي المثقل بالديون والضغوطات الغربية عليه،، فلا تكاد بعض البلدان العربية تستفيق من فرض عقوبات عليها حتى تستقبل عقوبات اخرى، والسودان حاضر أمامنا.. يعاني الفقر والجوع والحرمان، علما انه يمتلك كل مقومات الدولة القادرة على تأمين أفضل سبل الحياة الكريمة لمواطنيه، وبإمكانه أن يصبح سلة الغذاء العربي والتصدير للقارة الأوروبية العجوز.
لكن المستغرب أن تقرع أجراس الإنذار من أوروبا، محذرة من هول ما حصل وما قد يحصل في السنوات القادمة إذا لم تتخذ تدابير جذرية وفورية تطوى من خلالها صفحة قاتمة من عولمة اقتصادية سيقت إليها القارة الأوروبية رغما عنها ورغما عن قناعة مفكريها وقادتها السياسيين، ليس فقط بعبثية تلك النظريات الاقتصادية وعقمها بل أيضا ليقينهم بتعارضها مع قيم ثورتهم الصناعية، وفي مقدمتها قيم العدالة الاجتماعية بالإخاء والمساواة والحرية التي نادت بها الثورة الفرنسية عام 1789 ودفع لنيلها آلاف الناس دماءهم وأرواحهم في سجن الباستيل في تلك الحقبة.
أوروبا على مفترق طرق لا تستطيع بحكم ارتباط اقتصادها ونظامها المالي بالنظام العالمي أن تجترح خيارات تمكنها من تجاوز الأزمة المالية الحادة التي تخنق اقتصادها وتطول القدرة الشرائية لطبقتها العاملة المحرك الأساسي لاقتصادها القائم على الإنتاج وليس على المضاربة في أسواق المال كما هو الحال في الاقتصاد الأميركي. لذا يرى مفكروها أن الخطوة الأفضل تكمن في معالجة المشكلة من أساسها، وليس من فرعها بمعنى دفع القائمين على الاقتصاد الأميركي، إلى تغيير طريقة تفكيرهم وتوجهاتهم ومن ثم العمل على ابتكار توجهات من شأنها إحداث نقلات نوعية.
كارن هورن مديرة معهد دوتشن فورتشافت للبحوث الاقتصادية في برلين فاجأت الحاضرين بخطابها الذي ألقته الشهر الفائت بمناسبة تقليدها أرفع وسام ألماني يمنح لأفضل البحوث العلمية المقدمة، فاجأت الحضور ليس فقط بتغير ملحوظ في المفردات والمصطلحات التي استخدمتها بل أيضا في طريقة التفكير والطرح، حيث تقول: لقد حان الوقت للتفكير مليا بضرورة ابتداع تشريعات جديدة تنظم الحياة الاقتصادية بشكل تجعل من الاقتصاد عنصرا أساسيا من الحياة المجتمعية للأمة التي يتمحور الاقتصاد فيها حول منظومة قيم أخلاقية وإنسانية ذات أهداف اجتماعية بحتة.
ما هذا الذي نسمعه قادما من أوروبا ومن ألمانيا تحديدا البلد الصناعي الأول في القارة العجوز والذي لحق بركب العولمة قبل أي بلد أوروبي آخر؟ هذا كلام فيه قرب شديد من الاشتراكية التي بشر بها فيلسوفهم كارل ماركس قبل أكثر من مائة عام في كتابه «رأس المال» متنبئا بأنها ستكون مستقبل أوروبا في القرن الحادي والعشرين ليقينه بأن الرأسمالية تكون حينذاك قد بلغت الذروة، ولن يبقى أمامها إلا أن تبدأ بأكل نفسها شيئا فشيئا.
ونحن نتوجه الى المعنيين بالأمر وعلماء الاقتصاد الذين يحيطون بأصحاب القرار من القادة السياسيين مناشدين أسوة بالسيدة كارن هورن بالقول: كفوا عن كونكم متعيشين من أفكاركم ونظرياتكم التي تبتدعونها حسب حاجة السوق والشركات الكبرى وتحولوا إلى مفكرين فلاسفة لأن الفلسفة هي العلم الوحيد الذي يعانق المعرفة من كافة جوانبها وصولا إلى أفضل الإجابات التي تلبي حاجات الإنسانية قاطبة وليس حاجة فئة ضئيلة من المجتمع.
وعلينا ان ننظر الى الدول التي تعاني الفقر والمجاعة والسيطرة على مقدراتها، وما يتوجب علينا دفع ذلك عن أوطاننا بشتى السبل وأقولها من خلال هذه الزاوية «الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة»، كلاهما يكمل الآخر. ونحن والحمد لله نمتلكهما.