هل تصدقون ان ايطاليا حالها اليوم ليس بأحسن من حال جارتها اليونان التي تناولها الاعلام الغربي دون شفقة او رحمة معتبرا أنها مثال يحتذى في فشل التنمية القسرية التي عملت على تأسيسها وجعلتها معيارا من قبل لجنة الخبراء في الاتحاد الأوروبي إبان صياغة مشروع الدول التي تتعامل بعملة موحدة «تحت اسم منطقة اليورو في العقد الأخير من القرن الماضي». هذا ما أكدته تقارير قدمها نائب المدعي العام في ميلانو، لافتا إلى فساد سيشمل جملة مشاريع البنية التحتية التي أنشئت على مدى عقود في جنوب البلاد بأموال مشبوهة المصدر، مشيرا إلى المافيا التي يعتبر مرتعها الأول في ايطاليا. الأموال القادمة من أسواق المضاربات والمشتقات المصرفية المسممة، والتي قدرت أصولها بأكثر من 150 مليار دولار، كافية في حال التحقق من مصدر انكشافها أن تشل اقتصاد تلك المنطقة وتضعها على حافة الهاوية.
ومن ينظر الى تأسيس نواة الوحدة الأوروبية مع بداية النصف الأول من القرن العشرين، لابد أن يلحظ حرص كبار المؤسسين على تعزيز الجانب الاقتصادي والمالي في توطيد أركان تلك المؤسسة المبتدئة حديثا، قبل الجانب السياسي. لذا فقد اكتفوا، وكانوا قادرين على اجتراح خطوات أكثر جرأة، بتأسيس المجموعة الأوروبية للفحم والفولاذ، اعتقادا منهم بأن خلق فضاء من الانتعاش الاقتصادي المشترك، كفيل بأن يأتي بالطموحات السياسية الكبرى على طبق يرضون عن صنوفه في مراحل قادمة.
وكلنا يتذكر ما قاله وزير الخارجية الفرنسي بيرنار كوشنير متهكما في الاحتفال الذي أقامته الخارجية الفرنسية في شهر مايو الماضي، بمناسبة مرور ستين عاما على إطلاق مشروع الوحدة الأوروبية: «يسألنا أصدقاؤنا الأميركان والروس بسخرية لاذعة: لقد أسستم الاتحاد الأوروبي، وهذا إنجاز كبير. لكنكم لم توافونا حتى الآن برقم هاتف هذا الاتحاد كي نكلمكم من خلاله».
عتاة المحافظين الجدد يطلقون اسم «القارة العجوز» على أوروبا، على الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي فهي ليست حليفا ولا شريكا يعتمد عليه في إرساء دعائم النظام العالمي الجديد الرامي إلى إحكام السيطرة على مقدرات وثروات العالم من مركز صنع القرار بالوكالة في عاصمة ما يسمى بـ «العالم الحر».
ونظرا لمكانة أوروبا، وبما تمثله من إرث فكري علمي متجذر في الوعي الجمعي في القارة، وما أنتجه ذلك الإرث من ثورات اجتماعية تحررية وهيئات مجتمع مدني ونقابات عمالية فاعلة ومؤثرة في تشكيل الرأي العام، فكرت الولايات المتحدة في انه لابد من إخضاعها لشروط نظرية «الفوضى الخلاقة» التي أثبتت فاعليتها بالتجربة العملية في منطقة الشرق الأوسط. فكانت البداية من اليونان، الجار المتاخم لأكبر بلد مسلم يطمح هو الآخر إلى الانضمام للنادي الأوروبي، ليمتد الحريق ويتوسع جارفا في طريقه كل شيء، وصولا إلى رأس القاطرة الأوروبية الأنموذج فرنسا وألمانيا.
تعالوا معنا في زاوية «كونوا معنا» لنرى هل كان تصريح غوردون براون قبل أيام من مغادرته مقر رئاسة الحكومة بريئا ولا يحمل أي دلالات ذات مغزى عندما قال: إن أفضل قرار اتخذته الحكومة البريطانية في تاريخها، كان رفضها الانضمام إلى العملة الأوروبية الموحدة «اليورو» وهل عدم انضمامها كان وراءه ما أراده العالم الحر أي الولايات المتحدة الأميركية؟ من يقرأ الاحداث يجزم بأن هاتين الدولتين، أميركا وبريطانيا، كانتا وراء مصائب العالم بفقره وغناه بعذاباته ولقمة عيش شعوبه؟
اليورو الذي حافظ على أسعار صرف شبه ثابتة منذ استقراره في أسواق الصرف العالمية عام 2003، شكل أملا لدى العديد من الدول والمستثمرين بعملة احتياط عالمية بديلة أو منافسة لهيمنة الدولار الذي يعاني من عدم الاستقرار منذ سبعينيات القرن الماضي وللآن. لكن يبدو أن الأخير سيبقى قدر البشرية لوقت غير معلوم، طالما أنه لا بدائل حتى الآن، ومجموعة العشرين الكبار g20 متمسكة حتى آخر رمق بمعاهدة بريتون وودز وأسس النظام المالي العالمي، القائم على حرية حركة رؤوس الأموال عالميا عبر تحركها مصرفيا بأسعار الصرف اليومية للورقة النقدية صاحبة اللون الأخضر.
هنا لابد من أن نسأل: أين النظام المصرفي العربي أو الإسلامي؟
هل يقبل عاقل أن تجري المبادلات التجارية، على الرغم من ضآلة حجمها السنوي العام، بين البلدان العربية وضمن إطار منطقة التجارة العربية الحرة، بتحويلات مصرفية بالدولار الأخضر وليس بعملة عربية قائمة يتم الاتفاق عليها مرحليا ريثما تنتهي التحضيرات لإطلاق العملة الخليجية الموحدة التي يفترض أن تشكل بديلا عربيا للدولار بمجرد إطلاقها؟ وذلك على غرار الدينار العربي الذي كان متداولا في ظل الدولة الأموية من بلاد الأندلس غربا إلى الهند والسند شرقا ومنطقة القرن الافريقي جنوبا؟
ما لنا وما علينا، سيد الوطن لم ينس ان يقدم هديته لشعبه ولمرة واحدة بمنحة قدرها 50%، ولكن بالعملة السورية «أي الليرة السورية».
كل عام وأنتم بألف خير واقصد إخوتي المغتربين السوريين في أي مكان كنتم وتواجدتم وليس فقط في الكويت.. الوطن اشتاق لكم، وكل عام وسيد الوطن بألف خير.
هدى العبود