بيروت ـ رويترز: أضعف نصف قرن من القمع في ظل حكم حزب البعث المعارضة السورية لكنها متحدة في المطالبة بالتغيير ومنقسمة بشأن كيفية تحقيقه.
ويظن البعض أن الاحتجاجات التي خرجت الى الشوارع وتفجرت قبل ثلاثة اشهر والتي تمثل أخطر تحد لحكم الرئيس بشار الأسد الممتد منذ 11 عاما يمكن أن تطيح به وتأتي بالديموقراطية والحرية الى سورية.
ويصر آخرون على أنه بدون حوار مع السلطات للاتفاق على الإصلاحات وعلى فترة انتقالية بعيدا عن الحكم الشمولي فإن البلاد ستواجه مستقبلا مظلما ينطوي على احتمالات من بينها الحرب الأهلية.
وظهرت الانقسامات بوضوح هذا الأسبوع حين أتاحت القيادة للمعارضة في دمشق منبرا نادرا للتعبير العلني.
وسمحت لها بالتحدث عن مطالبها لكن هذا ايضا كشف انقساما بين المشاركين ونشطاء آخرين يعيش كثير منهم بالخارج اعتبروا أن اللقاء لا جدوى منه في الوقت الذي لاتزال فيه قوات الأمن تسحق الاحتجاجات.
وقال فاتح جاموس القيادي في حزب العمل الشيوعي الذي سجن لمدة 19 عاما بوصفه معارضا «من حيث المبدأ نحن قطعا مع الحوار ولا نعتقد ابدا أن اي شيء آخر ممكن أن يحل الأزمة في سورية غير الحوار».
واستطرد قائلا «لكن قبل هذا الحوار طالبنا بعدد من الخطوات العملية على الأرض كي نخلق بيئة او جوا خاصا بالحوار كي لا يبدو الطرف الآخر الذي يحاور السلطة أنه في مواجهة الحركة الشعبية».
وتعتقد شخصيات أخرى بالمعارضة أن الأسد أهدر بالفعل فرصا للإصلاح قائلة إنه فات أوان الحوار الوطني الذي وعد به وإنه يجب أن يرحل الآن.
وقال ناشط علماني في دمشق طلب عدم نشر اسمه حرصا على سلامته «هذا النظام فقد شرعيته، لا أرى داعيا للحديث معه، يجب أن يرحل وسنختار طريقنا من بعده، يجب أن يرحل اولا».
بل إن الكثير ممن يؤمنون بالحوار يقولون إنهم لا يستطيعون التحدث مع السلطات في الوقت الذي تتواصل فيه الحملة الأمنية على المحتجين.
ويقول لؤي حسين الكاتب الذي اعتقل خلال احتجاجات العام الحالي والذي شارك في مؤتمر المعارضة بدمشق يوم الاثنين الذي دعا الى التغيير الديموقراطي إن على السلطات أن تعد المناخ الملائم لإجراء المحادثات. وأضاف «قبل الحوار مع السلطة لابد من أن تتحقق شروط موضوعية وهذه الشروط هي وقف العملية العنيفة التي تقوم بها السلطة تجاه المتظاهرين وتجاه اصحاب الرأي... وإتاحة المجال للأصوات المعارضة». وكانت معظم الاحتجاجات سلمية وقد اندلعت بسبب الغضب والإحباط من الفساد والفقر ونقص الحريات، وتقول جماعات حقوقية إن عدد القتلى من المحتجين يتجاوز 1600 وإن 12 الفا اعتقلوا.
وعلى الرغم من أن المعارضة العلمانية تشترك في هدف تحقيق الديموقراطية وتعارض التدخل الأجنبي فإن سنوات من القمع في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد أدت الى تشرذم هذا التجمع الفضفاض لليبراليين ودعاة القومية العربية والأكراد.
وكان تحالف رفيع المستوى أصدر عام 2005 ما سمي بإعلان دمشق الذي دعا الى إجراء إصلاحات سلمية لكنه لم يفعل شيئا يذكر كتحالف منذ تفجرت احتجاجات العام الحالي، وتعمل جماعة الاخوان المسلمين المحظورة بشكل منفصل بدرجة كبيرة.
ويهيمن عليها اعضاء يعيشون في الخارج منذ ان سحق الأسد الاب انتفاضة مسلحة قامت بها الجماعة في مدينة حماة عام 1982 ومازالت لديها الإمكانية لتصبح قوة كبرى بين من لديهم الرغبة من الأغلبية السنية في التخلص من هيمنة الأقلية العلوية التي ينتمي لها الأسد، ولاتزال عقوبة الانتماء للجماعة الإعدام.
وعلى مدار العام المنصرم عمل ضباط المخابرات السورية بلا كلل على إثارة الانقسامات بين جماعات المعارضة المختلفة باستغلال الخصومات بينها لزرع بذور الشك مما خلف تركة من الشكوك لاتزال واضحة في ردود أفعالها على الانتفاضة التي بدأت فيما يبدو كرد فعل عفوي من مواطنين عاديين على الإطاحة بزعماء عرب آخرين.
وحين اندلعت الاحتجاجات في سورية في مارس بسبب شكاوى من مشاكل محلية في مدينة درعا بجنوب البلاد لم تستطع المعارضة الإمساك بزمام الأمور وتركت الطريق مفتوحا لنوع جديد من النشاط استلهم الثورة المصرية التي نجحت في الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك في فبراير. وأنشأ الشبان لجانا للتنسيق المحلي كانت ناشطة في الشوارع وأجرت اتصالات بوسائل الإعلام التي يحظر عليها تغطية الاخبار في سورية واستخدمت لقطات مسجلة بكاميرات الهواتف المحمولة لشرح القضية.
وقال عارف دليلة الاقتصادي الكبير والناشط الذي قضى سنوات في السجن «هذه المظاهرات لم تنبت من الغيب بل كانت لها مقدمات كثيرة. نشأت المعارضة الشارعية التي أصبحت تلعب الدور الرئيسي في المطالبة بالتغيير». وكان دليلة قد تراجع في اللحظة الاخيرة عن المشاركة في الحوار الذي جرى في دمشق الاثنين الماضي، واستقبل أشد منتقدي الأسد في الحكومات الغربية المؤتمر بترحيب حذر لكن معارضا بارزا آخر في دمشق رفض المشاركة قال إن لقاء دمشق ربما ساعد في تحسين صورة السلطات وأضر بمعارضيها.
وأضاف الرجل الذي سجن من قبل بوصفه معارضا «ليس لدينا موقف سلبي سواء من الاجتماع او من المشاركين او من البيان لكن نشعر أنه من حيث توظيف الحدث اعلاميا كأنه يستخدم من أجل تصغير المعارضة وحجمها وكأنها مقتصرة على اللقاء وعلى المشاركين وضمن هذه القائمة المحدودة».
من جهته، قال فايز سارة الكاتب الليبرالي الذي حضر الاجتماع في دمشق إنه إنجاز مهم ساعد في الجمع بين وجهات النظر المختلفة، وعبر عن أمله في أن يتكرر هذا في المحافظات ووصف اللقاء بأنه تقدم في نشاط المعارضة التي كانت محرومة من الاجتماع وتنظيم التجمعات على مدى الأعوام الخمسين الماضية.