يمر «الشرق الأوسط» بمرحلة انتقالية طويلة الامد يصبح معها من الصعب و«التسرع» اطلاق احكام واستنتاجات نهائية عن خارطة التحالفات والعلاقات وموازين القوى. ثمة «لوحة» من المتغيرات المعقدة والمتحركة في المنطقة تنبئ بقلب الحسابات والاستراتيجيات السابقة، وثمة خطوط وخيوط لعبة جديدة كان ابرزها في الآونة الاخيرة الخيط الايراني ـ الاميركي.
هذه المتغيرات لم تستقر على حال ولم تكتمل ولم تأخذ شكلها النهائي، ومازالت في طور التكون والتشكل وعرضة لتقلبات ومفاجآت. ولذلك يصبح من الأفضل والأجدى التريث والتحفظ بانتظار اكتمال الصورة والمشهد الشرق أوسطي الجديد ومراقبة كيفية تطوره بوتيرة متسارعة وغير مستقرة. وفي خلال فترة زمنية وجيزة تقاس بالأيام سجلت هذه التطورات.
الأميركيون عبر وزير الخارجية فوق العادة جون كيري يمارسون ديبلوماسية «التصحيح والتهدئة» تصحيح مسار السياسة الاميركية في المنطقة او الانطباعات الخاطئة عنها وتهدئة الخواطر المضطربة لحلفاء اميركا في المنطقة. وفي هذا الاطار تندرج زيارة كيري الى مصر «الشريك الحيوي» حيث اعطى عشية انطلاقة محاكمة الرئيس المعزول د.محمد مرسي جرعة دعم للقيادة الجديدة التي يمثلها «السيسي»، ألغت مفاعيل قرار خفض حجم المساعدات العسكرية، وزيارته ايضا الى السعودية «الحليف الاستراتيجي» وفي خضم الاعداد لـ «جنيف 2» لرأب الصدع في العلاقة وتخفيف التوتر وإقناع السعودية بالانخراط في مسار «جنيف 2» على قاعدة انه لا دور للرئيس الاسد في مستقبل سورية وطمأنتها الى مسار الحوار مع ايران على قاعدة ان الولايات المتحدة لن تسمح لها بامتلاك سلاح نووي.
بوادر تقارب بين إيران وتركيا بسبب سورية وتصاعد الطابع الطائفي للصراع والحرب الأهلية فيها بعدما كانت الأزمة السورية سببا لتباعد وتوتر بين الدولتين الأكبر اقليميا، والجديد ان تركيا صارت ترى ضرورة الحل العاجل للأزمة في سورية بعدما لمست خطر الارهاب والتطرف يمتد الى ارضها ورأت ملامح كيان كردي يرتسم على حدودها مع سورية وعلى صلة بكردستان العراق وبعدما بدأت حركة مطلبية احتجاجية للعلويين داخل تركيا غير مسبوقة في حجمها ووضوحها.
زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الى واشنطن المثيرة للشبهات في توقيتها وأهدافها، وحيث لا يمكن عزل هذه الزيارة، التي عرض فيها المالكي تحالفا ضد الارهاب وتجديدا له في حكم العراق، عن تفاهم بدأت خيوطه تنسج بين ايران واميركا يشمل تقاسم النفوذ في العراق، اضافة الى الملف السوري والبرنامج النووي.
النظام السوري يشكك بالموقف الاميركي الذي عبر عنه كيري متحدثا عن صعوبة ان يكون للرئيس بشار الاسد دور في المرحلة المقبلة في سورية بسبب فقدانه السلطة المعنوية والقيادة الايرانية تشكك في نجاح المفاوضات حول الملف النووي والتي تدور تحت سقف اثبات ايران سلمية البرنامج النووي ووقف التخصيب مقابل رفع العقوبات.
ماذا تعني كل هذه المؤشرات؟ تعني بكل بساطة ان الرؤية في الشرق الاوسط ضبابية وأن اللقاءات والحوارات والعلاقات الجديدة مازالت في طور بناء الثقة واختبار النوايا، وأن الوضع في سورية عند مفترق طرق حساس: اما ان يسلك مسار الانفراج المتدرج عبر «جنيف 2» أو ان يستمر في مسار الحرب والفوضى في حال انهيار «جنيف 2» وتوقف الامور عند اتفاق تفكيك السلاح الكيماوي وتعذر اتفاق الحل السياسي.
وثمة مؤشرات تدل على مخاطر وتعقيدات تحيط بـ «جنيف 2» منها مؤشر عدم التطابق بين التوافق الدولي والمناخ الاقليمي، وتدفع الى الاستنتاج ان هناك افراطا في تعليق الآمال على مؤتمر «جنيف 2» الذي سواء عقد او لم يعقد وسواء تشكلت هيئة انتقالية مع دور للرئيس الاسد او من دون دور له سيكون من الصعب رؤية حل واستقرار في سورية في المدى المنظور وحكم قادر على الامساك بالوضع والبلاد.