في توقيت سياسي لافت له علاقة بانطلاقة مفاوضات جنيف التي تبحث في مستقبل سورية والتي أبعد الأكراد عن طاولتها، وله علاقة بالانسحاب الروسي الذي غلب المسار السياسي على «العسكري» في الأزمة السورية، أعلنت أحزاب كردية وقوى وجمعيات من الحسكة، وبعد اجتماع دام يومين، إقرار «النظام الفيدرالي» وإعلان «إقليم روج آفا (غرب كردستان) سورية» الذي لم تحدد جغرافيته الكاملة بشكل نهائي حتى الآن ولكن ينتظر أن تشمل الحدود الجغرافية لهذا الإقليم المقاطعات الكردية الثلاث: عين العرب (كوباني) في ريف حلب الشمالي وعفرين في ريف حلب.
الشمالي الغربي والجزيرة في الحسكة، بالإضافة الى المناطق التي تسيطر عليها «قوات سوريا الديموقراطية» (الكردية)، خصوصا في محافظتي الحسكة وحلب.. وكان مسؤولون أكراد أبلغوا ديبلوماسيين أوروبيين وأميركيين بأنهم مع قيام نظام فيدرالي في سورية يضمن لهم حقوقهم المتمثلة بـ «تكريس إدارة الحكم الذاتي في سورية» وهي تجربة بدأ الأكراد باختبارها منذ مطلع عام 2013 وأنشأوا لهذه الغاية إدارة حكم مشتركة يحكمها الأكراد وعشائر عربية ضمن نظام مشاركة.. ويستند المشروع أو المقترح الكردي الى مجموعة من المعطيات الاستراتيجية أهمها أن النظام السوري الحالي يستحيل عليه أن يعود الى وضع ما قبل عام 2011 والى استعادة سيطرته على كل البلاد، وأن سورية لا يمكن أن تعود الى ما كانت عليه وأن الحل للأزمة لا يمكن أن يكون عسكريا، وأن الحل السياسي لا بد أن يقوم على المشاركة الفعلية في الحكم عبر نظام اتحادي فيدرالي يجنب سورية التقسيم الفعلي، ويحافظ على وحدتها مقابل منح السلطات الإقليمية حكما ذاتيا موسعا.
الأكراد الذين يشكلون رأس الحربة في مشروع الفيدرالية أفرجوا منذ فترة قصيرة عن خرائط أظهرت مواقع سيطرتهم الممتدة على الحدود السورية ـ التركية في أقصى شمال شرقي سورية، المحاذية لحدود العراق، إلى البحر الأبيض المتوسط بمحاذاة الشريط الحدودي التركي بأكمله، مما يعد المنفذ البحري الوحيد للأكراد في سورية والعراق وتركيا، وبعمق يقارب الثلاثين كيلومترا داخل الأراضي السورية.
وتتجاهل الخريطة التي يروج لها، سائر المناطق السورية التي أبقتها منطقة موحدة.
وفي المقابل، تنتشر خرائط أخرى، تحاكي الفيدرالية السورية المحكي عنها، تظهر المناطق الكردية من الحدود العراقية إلى ريف حلب الشمالي، بينما تمتد الإدارة العلوية على طول الساحل السوري باتجاه جبال اللاذقية المحاذية لسهل الغاب في حماة، بينما تمتد الدولة السنية على طول ريف حلب الشرقي باتجاه الرقة ودير الزور في شرق البلاد، أما الدولة المركزية في دمشق فتضم حمص وأجزاء من حماة وصولا إلى دمشق وريفها، ويسكنها المسيحيون مع علويين وشيعة وسنة وأقليات أخرى.. بينما يحصل الدروز على دولة تمتد على الحدود الأردنية من السويداء إلى تخوم هضبة الجولان المحتل في محافظة القنيطرة.
الخريطتان تظهران أن السنة العرب هم الخاسر الأبرز في الدولة الاتحادية السورية.
الفيدرالية بكونها «لا مركزية سياسية» تقسم الدولة الى: أقاليم، ولايات، مقاطعات، يتمتع كل منها بنظمه وقوانينه الخاصة عبر حكومته.
والنظام الفيدرالي يعني انتفاء صفة الدولة المركزية، لتستبدل بحكومات صغرى في أقاليم البلد الذي يعمل به هذا النوع من الأنظمة السياسية، بينما تتولى الدولة المركزية السياسة الدفاعية والخارجية، وإلى حد ما ترسم السياسات المالية المرتبطة بالسياسات الاقتصادية وأنظمة الضرائب وغيرها، وتوكل مهام الحفاظ على النظام المالي واستقراره عبر المصرف المركزي. تطبيق الفيدرالية في سورية تقف أمامه تحديات.
أولها، وجود رغبة إقليمية، ضده. السبب، هو القناعة الأصيلة في التخوف من مبدأ «الدمينو» وانتقال عدوى ذلك إلى بلدانهم.
ثانيا، أن الفيدرالية الروسية او اتحاد الولايات الأميركية قائمان على مساحات جغرافية هائلة وعلى جغرافيا اقتصادية تسمح لكل ولاية بالعيش.
ثالثا، هناك تحدي سورية نفسها، فإلى الآن، لم تبد المكونات الأخرى للشعب السوري دعما لذلك، كما الحال في موقفها الرافض للتقسيم.. صحيح أن دويلات بدايات القرن الماضي، كانت لا تضم طائفة أو مكونا صافيا، حيث إن السنة كانوا مكونا رئيسيا في «دولة العلويين»، لكن الصحيح ايضا، أنه إلى الآن لا يمكن الحديث عن إقليم صاف عرقيا أو طائفيا أو دينيا، بل يجوز القول حاليا ان السنة غالبية في الساحل السوري.
والعرب كتلة رئيسية في مناطق ذات غالبية كردية. ربما يجوز الاستثناء الوحيد في «دولة الدروز».
من هنا، فإن الحديث الروسي والأميركي عن فيدرالية وتقسيم هو بمنزلة دعوة إلى السوريين للذهاب في «تطهير عرقي» على طريقة حرب البلقان أو انه دعوة للاستمرار في الحرب إلى حين رسم حدود الأقاليم والدويلات بالدم، والعودة إلى خيار «سورية المفيدة».
وفي السياق ذاته عراقيا، لطالما قاومت القوى الإقليمية والدولية الكبرى على مر التاريخ المعاصر الطموحات الكردية للاستقلال خصوصا الدول المجاورة للعراق التي توجد بها أقليات كردية كبيرة، وإعادة الحديث عن إعلان الاستقلال تتزامن مع حلول الذكرى المئوية لاتفاقية «سايكس ـ بيكو» بين فرنسا وبريطانيا لتقسيم المنطقة، وتوزيع الأكراد بين دول أربع، لكن القادة الأكراد يصرون على أن تلك الاتفاقية انتهت، وأن «الحدود ترسم بالدم»، وبالتالي، فإن القرن الذي مضى على الاتفاقية، لا بد أن يختم باعلان الاستقلال الكردي وتأسيس دولة لهم.
لا يترك رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارازاني مناسبة إلا ويؤكد على دعوته الى تنظيم استفتاء شعبي حول إقامة دولة مستقلة في كردستان في شمال العراق.
ويتكون إقليم كردستان من ثلاث محافظات، هي: أربيل والسليمانية ودهوك، في شمال العراق.
لكن الأكراد استغلوا الفراغ الذي تركه انهيار الجيش العراقي في الموصل بعد الهجوم الكاسح الذي شنه «داعش» منتصف 2014، وفرضوا سيطرتهم على معظم محافظة كركوك الغنية بالنفط، وأجزاء من محافظات صلاح الدين وديالى والموصل.
ويعتبر بارازاني أن الوقت حان لشعب كردستان أن يقرر مصيره، وأن الفرصة الآن مناسبة جدا لاتخاذ هذا القرار.
وفي آخر موقف له، خلال مقابلة مع موقع «فيلاديلفيا» الأميركي، قال إنه «يوجه رسالة إلى دول العالم مفادها أن استقلال كردستان العراق سيشكل عامل استقرار في المنطقة»، وأضاف أن «الحدود السابقة للشرق الأوسط لم تعد قائمة الا على الورق، ويجب الإقرار بالأمر الواقع».
وأردف أن «الوقت بات مناسبا الآن لإعادة النظر في حدود دول المنطقة، لكن ليس على غرار اتفاقية سايكس ـ بيكو التي تفردت بإبرامها بريطانيا وفرنسا من دون استشارة أحد، بل يجب أن يكون قادة الشرق الأوسط جزءا من هذا المشروع»، مشيرا إلى أن «الصراع الطائفي، سواء في العراق أو سورية، منح (داعش) أن يبني أسسا في المناطق السنية في كلتا الدولتين، والمناطق الفاصلة بين السنة والشيعة ما زالت متوترة، لذا يجب فصل بعضها عن بعض وفق إقليم فيدرالي جديد أو الانفصال الرسمي باعتباره واقعا».