هناك الحديث الأميركي عن مناطق آمنة، وهناك الاستعجال في تحقيق نصر نهائي على «داع». فوق هذين الاعتبارين المحليين، شهدت الأشهر الثلاثة الأولى من حكم ترامب، وفق محللين، تقاربا مع قوى إقليمية عربية تسعى إلى إسقاط بشار الأسد، أو على أرضية تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة. التوفيق بين هذه المعطيات يؤدي إلى إقامة مناطق آمنة في الأراضي التي يسيطر عليها «داعش» الآن، وتلك الآمنة فعليا التي تسيطر عليها قوات «درع الفرات» المدعومة تركيا، وربما تنضم إليها المناطق الكردية لتأمين نوع من التوازن في السياسة الأميركية، وأيضا لرعاية مقايضة محتملة تتخلى فيها الميليشيات الكردية عن مناطق ذات غالبية عربية تسيطر عليها الآن أو في الحرب المستمرة على «داعش».
من دون الاصطدام المباشر بروسيا وإيران، تستطيع إدارة ترامب من خلال هذا السيناريو التوفيق بين الكثير من الأهداف. أولها تحجيم التمدد الروسي في المنطقة، مع تحجيم النفوذ الإيراني، وحتى إقامة حاجز جغرافي بين منطقتي النفوذ المباشر في العراق ولدى النظام السوري وحلفائه. أيضا هذا السيناريو سيكون مرضيا لتركيا القلقة من تمدد نفوذ الميليشيات الكردية، مثلما قد يرضي الأخيرة إذا ضمنت سيطرة في رعاية أميركية على مناطق الوجود الكردي، على أمل استمرار هذا الوضع وترسيخه.
وهكذا يتم رسم خطوط تماس مضبوطة إقليميا ودوليا، بحيث تصبح قواعد الاشتباك على الأرض خاضعة لمتطلبات القوى الفاعلة. هذا يسهل نظريا على كل طرف القيام بواجباته الداخلية، فيفترض بالروس إعادة تأهيل النظام وإراحته من عبء الميليشيات الشيعية المدعومة إيرانيا، بعد انتهاء دورها ضمن الحدود الجديدة. أيضا، يفترض بالمعارضة المعتدلة، وربما بالتعاون مع الميليشيات الكردية، التفرغ للقضاء على الفصائل المتطرفة، «النصرة» خصوصا، أما قرار قتال النظام «الذي لا تملكه كاملا في الأصل» فسيصبح قرارا مركزيا يخضع مباشرة للاستراتيجية الأميركية.
يلخص دنيس روس، وسيط عملية السلام في عهدي بوش الأب وكلينتون محاسن هذه الخطة، مع القول إنها «تؤدي إلى تقسيم الدولة السورية بحكم الأمر الواقع». روس، المقرب من مراكز الأبحاث والقرار في واشنطن، يبدو قريب الاطلاع على النوايا الأميركية، فإقامة المناطق الآمنة بعد هزيمة «داعش» ستتبعها إعادة إعمار وإقامة مؤسسات حكم، وكل ما من شأنه تعزيز استقلاليتها، حتى إذا لم يصل الأمر على المدى القصير إلى إعلانها مستقلة.