حضرت سورية بقوة في كل من أنقرة وواشنطن أمس، لكن بغياب أي من السوريين عن الاجتماعات المصيرية التي يتوقع لها أن ترسم شكل البلد ومستقبله.
واعلن مسؤول كبير بالإدارة الأميركية أن الرئيس دونالد ترامب وافق في اجتماع لمجلس الأمن القومي أمس الأول، على إبقاء القوات الأميركية في سورية لفترة أطول، فيما بدا تراجعا عن إعلانه قبل أيام عزمه سحب قواته قريبا جدا.
غير أنه كان لمسؤولي إدارته في الخارجية والدفاع رأي آخر حول البقاء حتى تحقيق الاستقرار، حيث سربت تصريحات عن العديد منهم بان «العمل لم ينجز بعد» في سورية وأن المرحلة التالية هي الأصعب، ناهيك عن معلومات أوردتها عدة وسائل إعلام تفيد بأن واشنطن تعزز تواجدها وتبني قواعد جديدة لها في محيط منبج شمالا وفي دير الزور شرقا، حيث تنشر واشنطن نحو ألفين من قواتها في سورية.
ويبدو أن ترامب رضخ لمسؤوليه ولو جزئيا، حيث نقلت رويترز عن المسؤول أن ترامب لم يقر جدولا زمنيا محددا لسحب القوات. وقال إنه يريد ضمان هزيمة تنظيم داعش.
وأنه ويريد من دول أخرى في المنطقة بذل مزيد من الجهود والمساعدة في تحقيق الاستقرار بسورية.
وتابع المسؤول «لن نسحب القوات على الفور لكن الرئيس ليس مستعدا لدعم التزام طويل الأجل». وقد أكد البيت الأبيض بجوره في بيان، أن أميركا وحلفاءها ملتزمون بالقضاء على داعش في سورية وسيواصلون التشاور بشأن الخطط المستقبلية. وأعلن أن المهمة في سورية تقترب من «الانتهاء» سريعا لكن لا جدول زمنيا للانسحاب.
قمة أنقرة
في غضون ذلك، تعهد الرؤساء التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني أمس بالتعاون من اجل التوصل الى «وقف دائم لإطلاق النار» في سورية، بحسب بيان صدر في ختام قمتهم الثلاثية في أنقرة أمس.
وكرر الزعماء الثلاثة «عزمهم على التعاون الكثيف في سورية بهدف التوصل الى وقف دائم لإطلاق النار بين إطراف النزاع»، وفق البيان.
وأكدوا ايضا عزمهم «على تسريع جهودهم لضمان الهدوء على الأرض وحماية المدنيين في مناطق خفض التوتر وتسهيل الوصول السريع للمساعدات الإنسانية الى هذه المناطق».
وأعلن البيان عن رفض كل المحاولات الرامية لخلق واقع ميداني جديد في سورية تحت ستار مكافحة الإرهاب.
ولفت إلى أن الزعماء الثلاثة أعربوا عن سعادتهم للإسهامات الإيجابية لمسار أستانة في إيجاد حل للأزمة.
وأكد البيان ان صيغة أستانة هي أكثر مبادرة دولية فعالة من ناحية المساهمة في غرس السلم والاستقرار عبر تسريع عملية جنيف الرامية لإيجاد حل سياسي دائم للصراع السوري.
وأضاف البيان ان الزعماء الثلاثة شددوا على مواصلة التعاون الفعال فيما بينهم بهدف إحراز تقدم في المسار السياسي الذي نص عليه القرار 2254 الصادر عن المجلس الدولي وتحقيق هدنة دائمة بين أطراف النزاع.
وحدة سورية
من جهته، قال الرئيس التركي، إن القمة الثلاثية، شهدت مشاورات من شأنها إنارة درب المرحلة المقبلة.
وجاءت تصريحات أردوغان هذه في مؤتمر صحافي مشترك عقده مع نظيريه الإيراني حسن روحاني والروسي فلاديمير بوتين، في العاصمة أنقرة.
وأوضح أردوغان ان الشعب السوري هو الطرف الخاسر من الأزمة والاشتباكات الدائرة في بلاده، وأن الطرف الرابح فهو معروف من قبل الجميع. وأكد ان الهدف من القمة الثلاثية هو إعادة إنشاء وإحياء سورية يسودها السلام في أقرب وقت.
وفيما يتعلق بالتطورات الحاصلة في الشمال السوري، قال أردوغان: «لن نسمح بأن يخيم الظلام والسوداوية على مستقبل سورية والمنطقة نتيجة تسلط عدد من التنظيمات الإرهابية» في إشارة الى مسلحي وحدات الحماية الكردية «ب ي د» التي تسيطر على قوات سوريا الديموقراطية «قسد».
وأضاف الرئيس التركي: «وحدة التراب السوري لا غنى عنها بالنسبة لنا، وتركيا على استعداد للعمل مع روسيا وإيران لجعل تل رفعت، منطقة مؤهلة كي يعيش فيها إخواننا السوريون».
وفي هذا السياق، قال أردوغان: «أي عقلية لا تقبل بتطابق أهداف «داعش» و«ب ي د»، لا يمكنها خدمة السلام الدائم في سورية» غامزا من قناة واشنطن التي تقدم دعما عسكرية ولوجيستيا لقسد.
وأكد أردوغان ان بلاده لن تتوقف حتى يستتب الأمن في جميع المناطق التي يسيطر عليها المسلحون الأكراد، وعلى رأسها منبج.
صراعات مذهبية
بدوره، قال الرئيس الروسي إن تركيا، وروسيا، وإيران تؤكد على سيادة سورية ووحدة أراضيها.
وأوضح بوتين انه تناول مع أردوغان وروحاني، الجوانب الرئيسية للوضع في سورية، بالإضافة إلى تبادل وجهات النظر حول التوصل إلى تسوية دائمة في البلاد.
وأشار بوتين الى تحقيق تفاهمات مهمة مع كل من أردوغان وروحاني خلال القمة. ولفت بوتين إلى وجود بعض الأطراف في سورية تسعى إلى إثارة صراعات مذهبية وعرقية، وإدامة الصراعات المتواصلة في منطقة الشرق الأوسط منذ سنوات.
وأضاف ان الدول الثلاثة عازمة على تعزيز التعاون فيما بينها على كل الأصعدة، مشيرا إلى أن مسار أستانة أثبت مدى أهمية وفعالية ذلك.
من ناحيته، قال الرئيس الإيراني، إن بلاده تريد من الجميع الاعتراف بوحدة تراب سورية وسيادتها الوطنية.
واعتبر روحاني في المؤتمر الصحافي أنه ليس من حق أي دولة اتخاذ قرار بشأن مستقبل سورية. وأشار الرئيس الإيراني إلى أن مستقبل سورية يخص الشعب السوري فقط.
وبين أن بإمكان الشعب السوري اتخاذ القرار بشأن مستقبله الخاص عبر المشاركة في انتخابات حرة والمطالبة بإصلاح دستوري.