بعد سيطرة قوات النظام على حي التضامن في جنوب دمشق، ظن النازحون منه أن عودتهم قريبة. لكن آمالهم تبددت مع اعتبار لجنة رسمية العدد الأكبر من منازله غير صالح للسكن.
ويعتبر الحي من أبرز مناطق البناء العشوائي في دمشق، ما يفاقم من الصعوبات التي يواجهها سكانه، في ظل عزم السلطات إخضاع الحي للتنظيم بحسب القانون رقم 10 الذي يسمح للحكومة بإقامة مشاريع عمرانية في المناطق المدمرة، والذي أثار جدلا واسعا حيث يتخوف المعارضون من كونه وسيلة للاستيلاء على ممتلكاتهم.
وتعرض القسم الذي كان تحت سيطرة داعش لدمار كبير، وفق مسؤولين محليين. وتخضع مداخله لإجراءات أمنية مشددة، وتقتصر الحركة داخله على من بقي فيه أصلا. ولم يسمح عناصر الأمن لفريق من وكالة فرانس برس بالدخول إليه.
على بعد أمتار من آخر نقطة أمنية يمكن الوصول إليها، تسد أكوام من الركام الطريق المؤدي الى عمق الحي بينما استحالت أبنية طبقات مكدسة فوق بعضها. وتتوسط فجوة كبيرة مئذنة جامع جراء قصف أصابه.
ويقول المحامي عثمان العيسمي (55 عاما) النازح من حي التضامن منذ سنوات الى ضواحي دمشق لفرانس برس «بعد انتهاء العمليات العسكرية، دخلت الحي وكنت أتوقع دمارا كبيرا. لكنني وجدت زجاج بيتي المؤلف من 4 طبقات محطما فقط. فلم لا أعود الى منزلي، أنا والآلاف غيري من السكان؟».
وأثار إعلان لجنة كلفتها محافظة دمشق مسح الأضرار أنه لا يمكن للنازحين العودة الى منازلهم قبل انتهاء عملية تصنيفها للتأكيد ما إذا كانت صالحة للسكن أم لا، احتجاجات واسعة. وشكل الأهالي لجنة تعقد اجتماعات متتالية مع محافظة دمشق، بعدما تبين لها أن عددا كبيرا من المنازل المصنفة غير صالحة للسكن لم تتضرر كثيرا جراء المعارك.
ويوضح أبومحمد، وهو اسم مستعار لأحد النازحين من الحي، لفرانس برس أنه تفقد منزله الواقع في القسم الجنوبي من الحي، ولم يجد «طلقة رصاص واحدة» فيه، «جل ما في الأمر أنه نهب». ويقع منزله في كتلة أبنية تم تصنيفها غير صالحة للسكن، على حد قوله.
على صفحة على موقع «فيسبوك» تحمل تسمية «مهجري حي التضامن»، كتب أحدهم «من حقنا عودتنا الى بيوتنا وأملاكنا وكد أبائنا». ونشر آخر صورة للحي مع تعليق «لن نسكت حتى نسكن».
حتى العام 1967، كانت المنطقة عبارة عن بساتين فر إليها آلاف النازحين من جنوب البلاد بعد احتلال إسرائيل لهضبة الجولان. وغضت دمشق الطرف عن البناء العشوائي الذي سرعان ما توسع مع توافد عائلات من محافظات عدة قصدوا العاصمة للعمل أو التعلم وفضلوا الإقامة فيها. وتضاعفت مساحة الحي تدريجيا.
ومع توسع المعارك منذ العام 2012، انخفض عدد سكان الحي من نحو 250 ألفا الى 65 ألفا، بينهم 25 ألفا نزحوا من أحياء مجاورة، وفق مختار الحي.
وقسمت محافظة دمشق حي التضامن الذي يقدر عدد منازله بـ 25 ألفا الى 3 مناطق جغرافية، تم مسح الأضرار في الأولى ويكاد ينتهي في الثانية.
ويقول رئيس اللجنة المكلفة من المحافظة مسح الأضرار فيصل سرور لفرانس برس «زرنا حتى الآن 10 آلاف منزل، وأصدرنا تقارير عن صلاحية 2500 منها للسكن مقابل عدم صلاحية ألف أخرى». ويرجح سرور أن تكون الغالبية الساحقة من منازل المنطقة الثالثة غير صالحة للسكن، «كونها شكلت مناطق الاشتباكات وهي منطقة أنفاق ومفخخات».
وتعمل اللجنة على ترقيم المنازل الصالحة للسكن وختمها بالشمع الأحمر، على أن يستلمها أصحابها بعد تقديم وثائق تثبت ملكيتهم لها.
وستخضع المنطقة في وقت لاحق لإعادة التنظيم وفق القانون رقم 10، ما يعني أن مصير الأبنية الصالحة وغير الصالحة، عندما يبدأ تنفيذ المخطط العمراني، الهدم.
ويثير هذا القانون انتقادات واسعة. وأعربت منظمات حقوقية عن خشيتها من ألا يتمكن ملايين السوريين من إثبات ملكياتهم، بسبب عدم تمكنهم من العودة الى مناطقهم أو الى سورية كلها، أو لفقدانهم وثائق الملكية.
ويزيد واقع البناء العشوائي من التعقيدات في حي التضامن، حيث 10% فقط من الملكيات نظامية، وفق محافظة دمشق، ما يعني أنه ليس لدى غالبية الأهالي صكوك ملكية مسجلة في الدوائر العقارية بل إفادات سكن مكنتهم من الاستفادة من خدمات البنى التحتية وتسديد الضرائب.
وتميز دمشق في عملية التنظيم بين الأحياء ذات البناء النظامي وتلك العشوائية. وفي الحالة الأخيرة، لن يحصل السكان على أسهم كونهم لا يملكون الأرض.
ويوضح سرور «لن ترمى الناس في الشوارع بل ستمنح بدل سكن أو سكنا بديلا».
لكن بالنسبة إلى أبومحمد «ما يحصل ظلم لمواطنين سوريين صبروا لسنوات واختاروا الوقوف مع الدولة».
ويستغرق وضع مخطط تنظيمي للحي بين 4 و5 سنوات، وفق سرور. وفي الفترة الفاصلة عن تلك المرحلة، يؤكد مختار حي التضامن أحمد اسكندر أن «الدولة جادة في أن تعيد المواطن الى منزله بأمان» ولكن بعد تأهيل البنى التحتية والخدمية.
وبعدها يمكن لمن يجد منزله مختوما أن يراجع الجهات المعنية «ويستعيده بشكل عادي بعدما يثبت ملكيته».