ارتفعت درجة التوتر بين إيران وإسرائيل في سورية في الأيام الأخيرة بشكل ملحوظ، وشهد «مسرح العمليات» تطورات حربية مثيرة للاهتمام. فقد شنت الطائرات الإسرائيلية غارات جوية في دمشق وريفها الجنوبي بشكل خاص، شملت مواقع إيرانية وأخرى تابعة للجيش السوري، وتم استهداف مبنى الدفاع الوطني قرب مطار دمشق، والذي تقول إسرائيل انه مقر قيادة عمليات الحرس الثوري في سورية.
وهذه الغارات المركزة جاءت ردا على إطلاق صواريخ من داخل الأراضي السورية على الجولان وجبل الشيخ الواقعين تحت الاحتلال الإسرائيلي، وفيما وجهت إسرائيل اتهامات مباشرة الى إيران بأنها تقف وراء إطلاق هذه الصواريخ، رجحت معلومات أن يكون القصف الصاروخي على الجولان بإيعاز من إيران حصل ردا على عمليتين إسرائيليتين ولسببين:
ـ الأول: مباشر وهو استهداف طائرة إسرائيلية مسيرة لشاحنة عبرت معبر البوكمال القائم على الحدود السورية ـ العراقية، ما أدى الى مقتل سائقها. وهذا التطور اعتبرته إيران خطيرا لأنه يهدف الى تقويض أمن العبور على هذا المعبر الحيوي.
ـ الثاني غير مباشر، وهو تنفيذ إسرائيل عملية لاغتيال لأحد قادة الجهاد الإسلامي في دمشق ممن له صلة وثيقة بالحرس الثوري الإيراني، ولكن هذا القيادي، أكرم العجوري، نجا من الاغتيال (قتل ابنه وأصيبت زوجته)، في وقت كان قيادي آخر من الجهاد الإسلامي في غزة هو بهاء أبوالعطا يسقط بضربة إسرائيلية صاروخية.
الرد الإسرائيلي السريع والمعلن عنه ضد أهداف إيرانية في سورية، أرادته تل أبيب رسالة عاجلة الى إيران لخصها وزير الدفاع الإسرائيلي نفتالي بينيت على النحو التالي: «إيران حاولت تغيير قواعد اللعب معنا وأفهمناها أننا نرفض ذلك.
وأذرع الأخطبوط الإيراني لم تعد لديها حصانة، وفي أي مكان تمتد سنقطعها».
يقول معلقون عسكريون إسرائيليون إن إسرائيل فهمت رسالة «صواريخ جبل الشيخ» على أنها تأسيس لمعادلة إيرانية جديدة، وأن إيران اتخذت قرارا بالرد على الضربات الموضعية الإسرائيلية في سورية.
وهذا ما لا تقبل به إسرائيل ويدفعها الى الرد ومن دون تردد، لأن عدم الرد سوف يفهم لدى أعدائها على أنه تردد وخوف، وبالتالي سيدفعهم الى تعزيز قوة ردعهم وهامش تحركهم، خصوصا في مجال بناء وتطوير القدرات العسكرية والصاروخية في سورية، وليس واردا لدى إسرائيل التسليم بمعادلة في الجولان مشابهة لما يحدث في قطاع غزة، في إشارة الى المخاطر الكبيرة التي يمكن أن تترتب على الجبهة الشمالية.
وستدفع إسرائيل قائد فيلق القدس قاسم سليماني الى إعادة النظر في مشروع زيادة قوته وتموضعه العسكري، وستفهم إسرائيل القيادة الإيرانية بأنها سترد بشكل شديد على أي مس بأمنها وسيادتها، ولن ترتاح عن خوض معركة كبيرة أو حتى حرب.
ويقول الإسرائيليون أيضا ان إطلاق الصواريخ الأربعة يأتي في إطار السياسة الجديدة التي تتبعها إيران منذ أشهر، وتقضي بالرد على أي عملية إسرائيلية، وأن إسرائيل تفكر بالطريقة نفسها في موضوع الرد، وأعلنت حالة استنفار في الشمال لمواجهة أي تطور أو تدهور.
ويرى الإسرائيليون أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسحب القوات الأميركية من سورية بشكل خاص، والخروج التدريجي للقوات الأميركية من منطقة الشرق الأوسط عموما، وعدم الرد المباشر على الهجمات التي تنسبها الولايات المتحدة لإيران في الخليج، خلق وضعا جديدا يشجع الإيرانيين على التمادي أكثر وأكثر. ولا يستبعدون أن يجربوا توجيه ضربات لإسرائيل.
وبالتالي، فإن عام ٢٠٢٠ سيكون سلبيا في المنظور الأمني بالنسبة لإسرائيل، بعدما تأسس وضع أمني جديد في الجبهة الشمالية التي باتت تمتد الآن من بيروت حتى طهران، وبذلك انتهت ١٣ سنة (منذ حرب لبنان الثانية) من الهدوء في المنطقة.
انتهت الفترة التي كانت فيها إسرائيل قادرة على العمل في سورية من دون رد إيراني.
ففي طهران ليسوا مستعدين للسكوت عن ضربات أكثر بعد الآن، خصوصا في ظل الاوضاع الداخلية المتأزمة، والمأزق الذي يواجهه حلفاؤها في العراق ولبنان.
وبالتالي فإن انعطافا استراتيجيا طرأ مؤخرا، وبعد عدة سنوات كانت جيدة لإسرائيل، كانت فيها أيدي إيران مكبلة بشكل كبير، وهي تظهر اليوم جرأة متزايدة.
وعلى الجمهور الإسرائيلي أن يعلم أنه بعد سنوات هادئة قد يجد نفسه أمام بداية واقع أمني جديد.