مفرح الشمري
وسط حضور جماهيري، يواصل مهرجان الكويت المسرحي في دورته الـ21 تقديم أنشطته لعشاق المسرح بكل نجاح وبتنظيم دقيق من إدارة المسرح بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب نال اعجاب الجميع.
في هذا الصدد، اكتظت كراسي قاعة الندوات بمسرح الدسمة بالحضور يتقدمهم الأمين العام المساعد لقطاع الفنون د. بدر الدويش، لمتابعة الندوة الفكرية الرئيسية للمهرجان والتي كانت بعنوان «التجريب في المسرح الكويت»، وتكونت من محورين الأول حول التجريب في النص المسرحي، وشارك من خلاله كل من د.خالد عبداللطيف رمضان ود.محمد مبارك بلال، بينما المحور الثاني حمل عنوان «الرؤية الاخراجية» وشارك فيه متحدثان هما: د.عبدالله العابر والمخرج فيصل العميري، وتصدت لإدارة الندوة الاعلامية القديرة أمل عبدالله.
البداية كانت مع د.خالد عبداللطيف رمضان الذي تحدث بانسيابية عن بداية الحركة المسرحية التي انطلقت مثل غيرها من المدرسة وكانت النصوص تتناسب مع طبيعة المناخ المدرسي وإمكانيات المدرسين الذين يكتبون النصوص البسيطة والمباشرة، موضحا أن المفهوم العلمي للتجريب يعني طرق كل ماهو خارج عن المألوف، ويعود الفضل لأول من قام بذلك الى المسرحي الكويتي محمد النشمي الذي كان يقود أعماله المسرحية.
ولم يمنع ذلك د.خالد عبداللطيف رمضان من توجيه انتقاده لمجموعة من الأعمال المسرحية عرضت بعد التحرير تناولت حقبة الغزو العراقي بصورة سطحية لم ترق الى بشاعة الحدث منها مسرحيات «مخروش طاح بكروش» و«طاح مخروش» و«سيف العرب»، وان هذه الأعمال تهدف للسخرية من المحتل برموزه وشخصياته. وعاد عبداللطيف الى حقبة الثمانينيات حيث طغى المسرح السياسي وتعرضت المسرحيات مثل«هذا سيفوه»و«كل ما يكبر طيره» وابطالهما وغيرهما لسلسلة من الملاحقات الأمنية كما اجتاحت المسرح الكويتي أعمال جماهيرية برز من خلالها كتاب يمتلكون حرفية عالية في صياغة النص المسرحي امثال مهدي الصايغ وبدر محارب وعبدالعزيز الحداد وعبدالله الحبيل وغيرهم، ولم يفت د.عبداللطيف التوقف عند التجارب الشبابية الاكاديمية ومع صاحبها من تجاربت استدعت الولوج للتجريب من ناحية غرائبية الفكرة وغرائبية الحوار.
فيما أشار د.محمد مبارك بلال الى العام 1896، حيث انطلق ما يمكن اعتباره أولى عمليات التجريب الثورية المعروفة في عالم المسرح بسلسلة مسرحيات الفريد غاري وبطله أوبو، وأوضح ان مسارات التجريب في اوربا كانت لها انعكاساتها على رواد التجريب في الكويت منذ مرحلة الخمسينات، والذين انطلقوا من هاجس واحد كان الملهم لجميع اصحاب العقول المتفتحة لأفكار التطوير والتقدم في شتى المجالات الحياتية في الكويت وفنون المسرح على وجه الخصوص. وذكر أن فكرة التجريب فرضتها روح الحاجة والتطور في مجتمع الخمسينات، مشيرا إلى ان عنوان الندوة يفرض تناول التجارب التي عكستها المسرحيات الشعبية كإعلان غير مباشر يعبر فيه رواد التجريب الاوائل عن هدفهم الاول وهو التحرر من أجواء المسرحية المدرسية العربية، وموضوعاتها الطلابية الوعظية ذات المصادر المحددة سلفا والمقترنة باللغة العربية فقط. ويمكن الجزم بأن حركة التجريب في بداياتها الجادة اقترنت ببدايات حركة المسرحيات الشعبية بقيادة محمد النشمي، والتي مثلت احتياجا فرضته ضرورة المرحلة، ولم تكن نابعة من استراتيجية مدروسة ومتكاملة، وظل النشمي يمارس تجريب كتابة النصوص المسرحية التي تتماشى مع التوجيهات الحديثة في المسرح مثل تأليفه مسرحية «حوار مع الشيطان».
وأضاف: كان النشمي قد انطلق منذ الخمسينات في تأسيس إرثه التجريبي كمؤلف وممثل ومخرج للمسرحيات الهزلية القصيرة والطويله حتى تأسست الفرق الأهلية. وعن عوامل التجريب أواخر السبعينات ذكر د.بلال أن تلك الفترة أصبحت البيئة المسرحية في الكويت مؤهلة للحركة الى الامام في موضوع التجريب في المسرح وذلك بناء على متغيرات أساسية في عملية انتاج المسرحية وكل ما يتصل بها من نشاط مسرحي من ناحية المتغيرات على المستويين الاجتماعي والثقافي في الكويت. وفي محور الرؤية الإخراجية من النص الى العرض، ذكر المخرج فيصل العميري أن الاخراج المسرحي يعتمد وبشكل مباشر على الرصد اليومي لكل جوانب الحياة والتي هي بالاصل حياة الانسان، مشيرا الى ان الإخراج المسرحي يضع دائما تساؤلات كثيرة حول فكرة النص وكيفية ادراج عصف ذهني مناسب لها من خلال تفكيك رموز النص وتحويلها الى مادة محفزة للذهن اثناء رحلة البحث عن التشابه الحسي بين النص والجمهور، مشددا على اهمية ادراك رغبة الجمهور في حضور عرض مسرحي والتفاعل معه بكل قوة، فالاشتغال على النص ونحت مجسماته من خلال التمثيل والسينوغرافيا المسرحية يؤكدان وظيفة المخرج المسرحي بأنه المخول الوحيد للدخول الى مخيلة الجميع. وتحت المحور نفسه، أكد د.عبدالله العابر وجود تشابك وتداخل بين المسرحين التجريبي والطليعي مما شكل نوعا من الارباك والخلط في التفريق بين المصطلحين، موضحا أن مفهوم التجريب يرتبط ويتداخل مع الكثير من العلوم الإنسانية، وقد صاحب المسرح منذ نشأته نزعة التجريب في أساليب التغيير من أجل طرح أفكار جديدة، موضحا أن التجريب يعد من السمات المميزة التي طغت على المسرح المعاصر ومعه المسرح العربي.
«فوبيا».. دعوة لعدم الخوف
وعلى خشبة مسرح الدسمة، قدمت مجموعة السلام الفنية التي تشارك للمهرجان للمرة الأولى عرضها المسرحي «فوبيا»، وذلك ضمن العروض الرسمية التي تنافس على جوائز المهرجان من تأليف مريم القلاف وإخراج عبدالله المسلم وبطولة جمال الردهان ونصار النصار وعلي الششتري ومنصور البلوشي وتصميم إضاءة عبدالله المسلم، مخرج منفذ محمد المهدي، مساعد مخرج خالد العبيد، ديكور محمد جواد الشطي، أزياء حصة العباد، مكياج زينب المؤمن، الموسيقى والمؤثرات الصوتية لعبدالعزيز القديري أحداث المسرحية تدور في مصحة نفسية، يعيش مجموعة من الأشخاص الذين يكابدون العقد وعصاب المخاوف، التي قد يكون سببها ظروف الحياة القاسية التي عاشوها في طفولتهم، فأصابهم عارضا من عوارض الهلع والرهاب، حتى أصبحت الحياة بالنسبة إليهم شبحا يبث الرعب في مخيلاتهم، فمنهم من يخاف الحريق أو الغرق، ومنهم من يكابد الفزع بسبب خوفه من الحشرات والمرتفعات والموت.
وعلى الرغم من الإطالة في السرد إلا أن العرض شهد متعة بصرية، حيث استعان المخرج بالمؤثرات، عطفا على ما قدمه من تصورات تخيلية أضفت تنوعا وتناغما.
فالرسالة التي حملتها «فوبيا» هي دعوة لعدم الخوف، لم تكن ترجمتها سهلة على الإطلاق على الخشبة، لكن المخرج نجح وبذكاء شديد في أن يكسر حاجز الرهبة وأوصلها من خلال فريق عمله بوجود عنصر الخبرة - الفنان جمال الردهان - الذي أشعلت مشاركته الحماس في نفوس المواهب الشابة بالإضافة الى استغلال المخرج الديكور الجميل الذي صممه نصار النصار والأزياء التي صممتها بعناية حصة العباد، واللذان ساعدا المخرج كثيرا في إظهار رؤيته الإخراجية على الرغم من بعض الهنات البسيطة.
الندوة التطبيقية
وبعد انتهاء العرض المسرحي، عقدت ندوة تطبيقية أدارتها «الأنباء» بحضور مخرج العمل عبدالله المسلم ومؤلفة العمل مريم القلاف والمعقبة د.منى العميري التي بدأت حديثها قائلة: النص يحمل الحداثة والكلاسيكية وبه سلاسة جميلة، رغم أن المؤلفة لم تدرس قواعد الكتابة لكنها أحسنت رسم شخصيات العمل. وتابعت قائلة: أعجبني التجريب في الديكور وتحول الطاولة إلى سفينة وتجسيد مشهد غرق فوبيا الماء. وختمت شاكرة فريق العمل الذي - كما قالت - سيوثق كعمل تجريبي في الكويت لتقوم بعدها بإهدائهم علم الكويت لجمالية ما قدموه.