محمد ناصر
عادة ما يُفقِد المديح المبالغ فيه منطقية المقال أو حياديته، ولكن هناك بعض الأعمال الفنية التي تستفزك لتستجمع كل عبارات الإطراء لا لشيء إلا لسبب وحيد هو الإبداع.
«قلم حمرة» أحد تلك الأعمال التي تشرّح النفس البشرية بلغة واقعنا الحياتي المعيش وليس بلغة بعيدة عن الواقع، هو نص عني وعنك وعنها، لا تملك وانت ترى شخصياته وتفاعلاتها الا ان تقول «هذا انا، هكذا أتصرف، هذا صديقي، هكذا هو بتهوره».
نص ساحر ليم مشهدي اجبر المخرج السوري حاتم علي بعد قطيعة عدة اعوام مع الدراما السورية المعاصرة على الرجوع اليها.
وما أحلى الرجوع.. عندما يطلق حاتم علي افكاره لتوليف نص مجنون يحمل جرأة ومصطلحات وافكارا لم نعتد على مشاهدتها ما يمنح العمل الأسبقية في كسر محظورات وتابوهات ليست فقط جنسية أو سياسية بل تمعن في التوغل داخل نفوسنا واخراج ما نتحرج من كشفه.
فقلم الحمرة هو القناع الذي تستخدمه النسوة لتزييف الواقع وإلباسه لبوسا مغايرا، هنا يم مشهدي تنزع الزيف وورقة التوت ليس عن الوجوه فقط، بل عن النفوس المتعبة والمحملة بعبء التمثيل على نفسها وعلى مجتمعها.
هو نوع درامي غير مستهلك عربيا ينتمي بعمقه للكوميديا السوداء مع دمعة حبيسة ليس على مصيبة حدثت لبطل أو ما شابه، بل على واقعنا وحياتنا اضافة الى حيوية وشعبية الحوارات وسحرها وطرافتها وكوميديتها المستمدة من كوميديا الموقف وليس من التهريج.
ولعله سيكون من الأعمال القليلة التي أرضت ذائقة الجميع، اذ عادة ما تنال تلك الأعمال رضا شريحة معينة عكس «قلم حمرة» الذي يستنبط من الشارع حواراته وكلماته وأمثاله في اسلوب اعتمده سابقا زياد الرحباني في اعماله التي ابتعد فيها عن عجرفة الحوارات وكذلك فعلت يم مشهدي.
هو عمل نسائي شبابي اجتماعي واقعي ساخر ساحر مثقل بحوارات لا تمل منها، تقصها علينا بطلة العمل سلافة معمار الكاتبة الليبرالية «ورد» التي ملت من رتابة الحياة لتصعقها كارثة الاعتقال في السجون السورية مع معتقلة اسلامية لتبدأ المناقشات البسيطة والعميقة ووحدة الشعور الإنساني في غياهب السجون التي يختفي معها الوقت والليل والنهار لتبدآ بتحدي النسيان في السجن باستذكار واستسخاف آلامهما خارجه.
عمل متكامل لا نغالي ان اعتبرناه أجمل وأبرز ما تم انتاجه في السنوات الأخيرة ونقطة الثقل فيه حواراته التي رسمتها مشهدي بكل حرفية وبراعة خاصة بشخصياتها النسائية عندما تقول الزوجة الملولة: «احساس الواجب من الزوج احساس مهين لمشاعر المرأة».. «وكل ما تقدم عمر الزواج بتخف حاسة السمع من الزوج».. «انا ما تغيرت لأن ما حدا بيتغير انا مت».. أو العانس عندما تصاب بالمرض فتقول: «كيف بدي موت وانا ما عشت».
او عندما تقول: «كل ما تكبر يكبر معك وجهك وجسمك وكل شيء فيك ومعك، الا حلمك بيصغر».
فعندما تشاهد احد أفلام الاخوين كوين احد ابرز مخرجي السينما الأميركية لا تكتفي بمشاهدته مرة واحدة بل تحتاج لمرة ثانية وربما ثالثة تجد فيهما متعة مضاعفة عن المرة الأولى، الحال مشابه في «قلم حمرة».
الأداء التمثيلي كان أيضا على مستوى النص والاخراج خاصة مع سلافة معمار التي ابدعت فأدهشت خاصة في مشاهد الاعتقال التي اعتمدت كليا على قدراتها وكأنها وحيدة على خشبة المسرح متخلية عن المكياج والقضبان وكل الأدوات المساندة لتقف شامخة مثلها كما كاريس بشار التي عادت، والعود أحمد بأداء الأم التي ربت ولم تجد من أولادها الا مصيبة تلو الأخرى.
ويبقى التساؤل الأبرز حول اكتفاء محطة «السومرية» فقط ببثه هل يعود لمضمونه الصادم أم لسوء تسويق.