عبدالحميد الخطيب
يعتبر مسرح العرائس من اقدم المسارح في العالم، ويتأرجح من وقت الى آخر بين الازدهار والاندثار بحسب الثقافات السائدة والمؤثرات المجتمعية المحيطة به، رغم انه وسيلة مهمة لنقل القيم والعادات والتقاليد الأصيلة الى الإنسان من خلال تقديم قصص ذات دلالات تاريخية أو إنسانية واجتماعية يتقبلها الصغار قبل الكبار ويستفيدون منها.
هذا ما اتكأ عليه العرض المسرحي الپولندي الذي قدمته أكاديمية وارسو مساء امس الاول على مسرح حمد الرجيب بالمعهد العالي للفنون المسرحية ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان الكويت الدولي السابع للمسرح الأكاديمي وحمل اسم «توبا والملائكة» من اخراج إيميليا بتلايفسكا، حيث جمع العرض، الذي تم تقديمه بعرائس «الماريونيت»، بين عراقة مسرح العرائس وتقديم قصة متميزة فيها الحكمة والعظة للبشر، فقد دارت الاحداث - المستوحاة من قصة ترجع الى القرن الخامس عشر «عصر نهضة تورن» - في أجواء أسطورية حول بلدة «توروم» والتي يعزم سكانها على صناعة أكبر جرس واسموه «توبا دي»، لكن تدور الصراعات بين غير الأمناء من تجار ونساء، فهم يكذبون ويسرقون الغرباء ويدبرون المكائد، وفي الطرف الآخر يأتي احد العلماء ويتنبأ بنهاية العالم بعد عامين نتيجة لهذه الممارسات غير الأخلاقية، لينتهي العرض بعودة الناس الى رشدها.
العرض كان ممتعا، وانصهر فيه الفنانون كارولينا أوغوستينيك، أغاتا سوبوكونيسكا، لينا ألبيرسكا، ووميغيش كومبارو مع «الماريونيت» فكان كل شيء منظما وبعيدا عن الارتجال، الحركات، الاصوات، وحتى وجوه العرائس كانت معبرة عن الشخصيات، واستحقوا على ذلك تصفيق الجمهور. كما حافظت الملابس على اسطورية الحكاية، وكانت الاضاءة والمؤثرات الصوتية لاعبين أساسيين في الاحداث، فظهر العرض متوازنا الى حد كبير.
لقد نجحت المخرجة إيميليا بتلايفسكا في تقديم رؤيتها ببساطة وابتعدت عن التكلف، واستحقت الإشادة من جميع الحضور، الذين اثنوا أيضا على إدراج عرض للعرائس لأول مرة في المهرجان الأكاديمي، معتبرين ان هذه الخطوة اثراء للحركة المسرحية الكويتية وتجربة يستفيد منها الطلاب.«توبا والملائكة» عرض يستحق المشاهدة أكثرة من مرة حتى يستفاد منه منتجو مسرح الطفل ليتعرفوا على كيفية تقديم عمل يحمل بين طياته الكثير من الإبهار والتشويق.
طارق جمال: «توبا والملائكة» أوبرا كوميدية لقصة فلكلورية.. وبتلايفسكا: استخدمت الأفكار الخيالية.. وعملت بقوة لإبراز الدور الجماعي
بعد نهاية العرض المسرحي «توبا والملائكة»، أقيمت ندوة تطبيقية في قاعة أحمد عبدالحليم، عقب خلالها د.طارق جمال على العرض، قائلا: «نشكر إدارة المعهد على استقطاب هذا العرض كنوع جديد من العروض التي تقدم في المهرجان، ومن الجميل أن يتعرف الطلاب على كل أنواع المسرح، وكل أدواته»، مشيرا إلى أن هذا العرض يتميز بالبساطة، والجمع بين مجموعة من الفنون، سواء في الغناء أو الموسيقى، فضلا عن العرائس البشرية والقفازية والمتحركة.
وأضاف جمال: «أعتبر هذا النوع من المسرح لا يقدم كثيرا، لاسيما أن فيه غناء أوبراليا ولكن بشكل كوميدي، كما أن مشاهد الخير والشر في العرض كانت مرسومة من الجرافيك باستثناء المشهد الذي كان فوق السحاب، ما أدى إلى حدوث تشتت، لأنه يعد تحولا غير مبرر»، مضيفا: «يطلقون على هذا العرض المسرحي أسطورة، لكنه في حقيقة الأمر أقرب إلى القصة الفلكلورية الاجتماعية التي تنتمي إلى العصور الوسطى، لأن كل ما فيها ليس حقيقيا، والدليل أن الجمل المستخدمة والتي تم وضعها بالتركيب المتعدد».
وتحدثت مخرجة العرض إميليا بتلايفسكا، قائلة: «أشكركم على أنكم سمحتم لنا بأن نقدم هذا العرض لتتعرفوا على ثقافتنا في الكويت، وأتفق مع د.طارق جمال في أن العرض من الفلكلور، وهو عمل سهل وبسيط، كان تحت رعاية وزارة الثقافة بدولتنا»، مشيرة إلى أن بناء العرض بدأ أولا من خلال التأليف الموسيقي، ثم حوله أحد الطلاب وقام بتأليف قصة فلكلورية لتقدم بشكل غنائي.
وتابعت: «لم يكن هناك تصور مسبق للمسرحية، وإنما تم توزيع الأدوات والأدوار على أعضاء الفريق من أجل أن يفكر الجميع ويقدم كل منهم تصوراته، ثم تم وضع هذه الأفكار في قالب واحد»، لافتة إلى أن اختيار تقديم العرض بهذه الطريقة والغناء الأوبرالي، كان شيئا مميزا بالنسبة لها، لاسيما أن الناس في پولندا بدأوا ينصرفون عن هذا الفن.
وأشارت إلى أن اختيار نوعين من العرائس من بينهما العرائس القفازية، كان هدفه أن تظهر الوجوه، لأن هذا النوع المسرحي يعرض في الشارع، وإذا لم يقدم بهذه الطريقة فسيحتاج إلى العديد من الممثلين، وهي عملية ستكون صعبة، مبينة أن تكبير الأنف والعيون وغيرها، كان من أجل إيجاد نوع من الكوميديا، وقالت: «عملت بقوة كمخرجة من أجل إبراز الدور الجماعي في العرض، لأنني أؤمن بحرية الإبداع في المسرح، ولا ينبغي أن يفرض رأي حتى إن كان من المخرج، وحرصت على ترك كل شخص يقوم بدوره ويعمل بالشكل الذي يرتاح اليه ويقدم فكرته، ومن ثم أقوم بجمع كل الأدوات لتكوين العرض الذي شاهده الجميع على المسرح، وهو عرض يشبه إلى حد كبير عروض الورشة المسرحية».
وأردفت بتلايفسكا: «ان استخدام الأفكار الخيالية في هذا العمل الاجتماعي لأنه في النهاية عمل تجريبي أرى أنه قد نجح، والدليل أنه يعرض في الكويت، ومتواجد في هذا المهرجان».
وأعقب ذلك مداخلة للطالبة فرح الحجيلي، أشادت فيها باختيار «توبا والملائكة»، خاصة فكرة استخدم العرائس، مثنية على الموسيقى والغناء الأوبرالي في العرض، ملمحة إلى أن المزج بين المسرح والسينما في العرض خرج بشكل جيد، مشيدة أيضا بأداء الممثلين.