بعد أكثر من مئة عام من الإبداع ولأول مرة في الكويت يستضيف مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي أوركسترا لندن سيمفوني على مدى ليلتين متتاليتين في 17 و18 الجاري، حيث تعزف في اليوم الأول مقطوعات موسيقية يغلب عليها الطابع المعاصر، بينما يسود الطابع الكلاسيكي مقطوعات اليوم الثاني.
وتأسست أوركسترا لندن سيمفوني عام 1904، لتضم مجموعة موسيقيين مستقلين تربطهم الملكية الفكرية والشراكة، ولاتزال الأوركسترا تتبع لأعضائها، ولها صوت مميز ينبثق من الحماس والبراعة المشتركة التي يمتاز بها الموسيقيون الـ 95 المبدعون الذين يأتون من جميع أنحاء العالم، ولايزال دورها في صنع الموسيقى من أسس نشاطات الأوركسترا، وهي أوركسترا مقيمة في مركز «الباربيكان» في مدينة لندن، تقدم 70 حفلا موسيقيا سنويا، بالإضافة إلى 70 أخرى تؤديها في جولات حول العالم، وتعمل الأوركسترا مع فريق من الفنانين يضم أكبر قائدي الأوركسترا في العالم: سير سايمون راتل كمدير للموسيقى، جياناندريا نوسيدا وفرانسوا كزافييهروث كقائدي أوركسترا زائرين، مايكل تيلسون توماس كقائد أوركسترا خاص، وأندري بريفن كقائد أوركسترا فخري.
وفي بداية موسم 2016-2017، تولى ألكسندر بلوك الفرنسي المولد منصب مدير الموسيقى في الأوركسترا الوطنية في دي ليل، وكان منذ سبتمبر 2015 قائد أوركسترا زائرا في أوركسترا دسلدورف، وحاز في العام 2012 المركز الأول في مسابقة دوناتيلا فليك LSO لقائدي الأوركسترا تقديرا لحماسه وطاقته، وكان لهذا أن يمنحه صيتا عالميا أدى إلى منصبه كقائد أوركسترا مساعد في أوركسترا لندن سيمفوني.
لمحات عن البرنامج
الجمعة 17 الجاري رقصات سيمفونية من قصة الحي الغربي: بدأت قصة الحي الغربي في عام 1949 كسجل يومي دون فيه بيرنستاين فكرة عن «نسخة حديثة من روميو وجولييت تقع في الأحياء الفقيرة»، وبعد سنوات قليلة، في العام 1955، كتب مرة أخرى عن كونه «تحمس ثانية لفكرة روميو، غير أنها تحولت الآن إلى موضوع عصابتين متكونتين من المراهقين، إحداهما من شعب البورتوريكو المحارب، وثانيتهما يدعو أعضاؤها أنفسهم بـ «الأميركيين»، وطبق هذه الفكرة فعلا في قصة الحي الغربي التي عرضت للمرة الأولى في العام 1957 لتلاقي نقدا ممن وجدها غير مناسبة كمسرحية موسيقية لما تحتويه من واقع قاس جدا، بينما وصفها آخرون بأنها الأوبرا الأميركية العظيمة التي حاول الملحنون تأليفها على مدى عقود عديدة، أما بيرنستاين، فقد صرح بأنها ليست أوبرا، بل مسرحية موسيقية من عروض برودواي بكل معنى الكلمة لاعتمادها على الرقص والأغنية لسرد القصة، وتكرر عرض المسرحية الموسيقية قصة الجانب الغربي 772 مرة في برودواي، ثم تنقلت في جولات حول الدولة قبل عودتها ثانية إلى نيويورك لتقدم 253 عرضا، وفي النهاية نتج عنها فيلم ناجح جدا في العام 1961.
كونشرتو الكمان الرقم 1 المقطع 19: كان بروكوفيف ملحنا مشغولا جدا في العام 1915، انشغالا منعه من الاهتمام بشكل جيد بكونشرتينو الكمان التي كانت في طور النمو، فقد استحوذت أوبرا «المقامر» على تركيزه التام في ذلك الوقت، وكان ذلك من مصلحة مقطوعة الكمان التي تسنى لها أن تتخمر عبر زمن طويل، كي تتطور إلى الكونشرتو الثلاثي الأجزاء الذي نعرفه الآن، وكان لهذا العمل أن يتأخر سنوات أخرى، حيث تسببت الثورة في تعطيل العرض الأول حتى العام 1923، واستلزم الأمر البحث عن مدينة أخرى لعرضها بدلا من موسكو، وكان لباريس أن تحتضنها.
امتاز الجزء الأول والأخير للكونشرتو بطابع رومانسي، غير أن الجزء الثاني كان حادا جدا بل ذا لمسة «حداثية»، وعندما عزف الكونشرتو الأول بنجاح كبير بعد بضعة أيام في موسكو (في نسخة للكمان والبيانو)، بدأ نجم بروكوفيف في الصعود.
السيمفونية الرابعة، المقطع 36: تعتبر السيمفونية الرابعة، التي ألفت فورا بعد بحيرة البجع (أول باليه لتشايكوفسكي)، وفي الوقت نفسه الذي ألفت فيه أوبرا يوجين «أونيجين»، دليلا واضحا على مدى تأثر تشايكوفسكي بالأدب الذي شكل فكره، وعلى رؤيته للحياة كتقليد مصيري للفن.
تعد الحركة الأولى الهائلة للسيمفونية تصريحا مرهقا للألم والحتمية، فالافتتاح «البوقي» الحزين الذي يتبعه الحنين بصوت البرق القاطع الذي اهتزت له الأوركسترا ينبئاننا بما سيلي، بينما نستمع أيضا إلى تدرج لحن الأوتار الباكي.
يبدأ الجزء (الحركة) البطيء مع لحن باك وحيد على المزمار، يدور حول الأوركسترا، ويتعزز لحنه من خلالها.
ويؤدي ذلك إلى الحركة الثالثة النشيطة التي يعزف معظمها على أوتار بيزيكاتو، بالإضافة إلى لحن بوقي خشبي يقطعها مشكلا لخط بيكولو آمر، أما الحركة النهائية فهي انفجار مندفع من الطاقة يستخدم لحنا شعبيا روسيا «وقفت شجرة البتولا في الحقل» كإحدى أفكاره، ورغم إقحام الدافع الحتمي للحركة الأولى، فإن الإثارة العالية تستمر، لتدفع بالموسيقيين والمستمعين إلى ختام السيمفونية المنتصر.
السبت 18 الجاري مقدمة- زواج فيغارو K49 (1784): بعد البحث عن أوبرا كوميدية في مئات من المسرحيات، قام موزارت بتأليف أوبرا زواج فيغارو مع كاتب كلمات الأوبرا لورنزو دا بونتي، في غضون ستة أسابيع فقط، وقد أتمت المقدمة التي تعرض عليكم هذا المساء قبل افتتاح 1 مايو 1786 بيومين فقط.
تبدأ المقطوعة بنغمات صاخبة، كهمسات القيل والقال التي تكتسب زخما.
وسرعان ما تلتحم تلك الشظايا لتكون موضوعا حيويا يقصف بسعادة عبر المقدمة، وتتغير الأمزجة كالزئبق، ويسيطر على الجو هرج ومرج كوميديان لا استراحة فيهما، وكان للسماح لهذه المقدمة أن تأخذ مجراها المجنون كما تشاء، بأن يوفر المقدمة المثالية للأوبرا المضحكة، وكم أمتعت المستمعين لمئات من السنوات، ككونشرتو منفصل عن الأوبرا.
كونشرتو الأوبوا C K285d (K314): يعد كونشرتو أوبوا من أكثر المقطوعات أداء، وله تاريخ معقد، ففي أبريل من العام 1777، انضم جوسيب فيرلنديس، وهو عضو في عائلة إيطالية كبيرة لها تاريخ في الموسيقى، إلى أوركسترا سالزبورغ كعازف أوبوا منفرد، وفي الوقت نفسه تقريبا، بدأ موزارت بكتابة كونشرتو لعزفه مع زملائه، وقد استلهمه الموسيقي الأوركسترالي الجديد بأن يؤلف له الكونشرتو الوحيد الذي كتبه للأوبوا.
بعد فترة وجيزة، تلقى موزارت طلبا لتأليف عمل جديد لعازف الفلوت الهاوي فرديناند دي جان، وعوضا عن تأليف مقطوعة جديدة، حول موزارت كونشرتو الأوبوا إلى سلم دو (C) الرئيسي، وقدمه كمقطوعة جديدة للفلوت، حيث إن المقطوعة الأصلية فقدت، ولم يبق منها إلا أداء لعازف أوبوا في أوركسترا استرهازي العام 1783، لم يكشف خداع موزارت إلا قبل أقل من قرن مضى عندما قام الباحث، وقائد الأوركسترا برنارد بومغارتنر باكتشاف رزمة من الأوراق القديمة في معرض موزارت في سالزبورغ العام 1920.
السيمفونية الأولى «العملاق» (1889): إن نشأة السيمفونية الأولى لمالر طال وقتها، حيث مضت خمس عشرة سنة بين الفكرة الأولى والنسخة النهائية للسيمفونية، وتدرج الملحن أثناء ذلك من متدرب إلى فنان إلى خبير، ففي العام 1884، عندما خط الملحن أولى الفقرات التي تطورت لاحقا لتصبح السيمفونية، كان مالر قائد أوركسترا أوبرا في كاسل، وهو منصب متواضع، وعندما تطور العمل إلى مراحله الأخيرة، كان مديرا لدار الأوبرا في فيينا.
كان عمل مالر كملحن مرتبطا ارتباطا تاما مع عمله كمنظم سيمفونيات، وبذلك كان لأجزاء من مقطوعته «أغاني عابر سبيل» التي بدأها العام 1883 أن تؤدي دورا مهما في المقطعين الأول والثالث من السيمفونية الأولى، وتتكون هذه السيمفونية رباعية المقاطع من افتتاحية، ومقطع راقص حيوي ومفعم بالحياة، وموكب الجنازة، وخاتمة تذوب شدتها في ومضة، وعلى رغم كونها نتاج أعماله كفنان، فإن السيمفونية بشكلها النهائي تؤكد حرفية مالر وإتقانه هذا الفن، مشكلة بذلك إعلانا لا ريب فيه بوصول عابر الطريق إلى وجهته.
حفل «أوركسترا لندن سيمفوني» وأسئلة الجمهور
يتداول الجمهور أسئلة حول حفل «أوركسترا لندن سيمفوني» ومن هذه الأسئلة حتى يستمتعوا بهذه الأمسية الراقية، ما يلي:
لم يسبق لي أن حضرت حفل أوركسترا من قبل.. ما الذي يجب أن أتوقعه؟
٭ توقع قضاء وقت ممتع، هذا هو الوقت المناسب للتخلي عن أي تصورات مسبقة لديك حول الموسيقى الكلاسيكية أو تجربة الحفلات بشكل عام، قد تبدو بعض الأشياء غريبة لأنها جديدة بالنسبة إليك، لكنك إن ركزت بتفكيرك على الموسيقى فقط، ستقضي وقتا جميلا، كن متقبلا لما ستسمع من موسيقى، اشعر بالإيقاعات وتابع النغمات، راقب الموسيقيين، المايسترو (قائد الأوركسترا) والعازف المنفرد، وانظر كيف يتفاعلون بعضهم مع البعض، لاحظ تماوج الألحان الموسيقية إتيانا وذهابا، قوية أحيانا، وهادئة وحساسة أحيانا أخرى.
هل أحتاج إلى الدراسة والتحضير المسبق إن لم أكن أملك أي معلومات عن الموسيقى الكلاسيكية؟
٭ ليست هناك حاجة إلى الدراسة، ستتكفل الموسيقى بتقديم نفسها، ما عليك إلا الحضور والاستمتاع، مع مرور الوقت، يلاحظ العديد من رواد الحفلات الموسيقية أن متعتهم تزداد إن بادروا بالتحضير للعرض، قد يكون ذلك تحضيرا بسيطا لا يتعدى قراءة برنامج الحفل، أو قد يفضل محب الموسيقى الاستماع إلى تسجيلات سابقة للموسيقى التي سيحضرها، أو قراءة نبذة عن الموسيقيين الذين سيكونون على المسرح.
هل سأتمكن من التعرف على ما سيطرح من موسيقى؟
٭ إن هذا جائز جدا، فالموسيقى الكلاسيكية موجودة من حولنا، في الإعلانات التجارية، وموسيقى الأفلام التصويرية، والبرامج التلفزيونية، والرسوم المتحركة، والمحلات التجارية، بل وحتى في بعض المصاعد، وكثيرا ما تقتبس الموسيقى الشائعة ألحانها من الألحان الكلاسيكية، ستلاحظ أيضا أن كل قطعة موسيقى كلاسيكية تردد لحنا معينا بأنماط مختلفة، لذلك فإنك ستتعرف على هذه الألحان المتكررة عند استماعك للموسيقى، لاحظ تلك الألحان المتكررة، وحاول التعرف على ما إذا كانت تتكرر بنفس شكلها الأول، أو أنها تكتسب خاصية جديدة، هل تبدأ مثل سابقتها ثم تأخذ منحنى مختلفا؟
هل يجب علي الوصول مبكرا؟
٭ حاول الوصول قبل الحفل بما لا يقل عن 20-30 دقيقة حتى تتمكن من العثور على مقعدك، إغلاق هاتفك النقال، تفحص محيطك، الاندماج مع الجو العام، وإلقاء نظرة على برنامج الحفل. معظم الحفلات الموسيقية تبدأ في الوقت المحدد لها، فإن وصلت متأخرا، قد تضطر إلى الانتظار خارج قاعة الحفل والاستمتاع بالموسيقى من مكانك ذاك حتى يتسنى للمرشد أن يجد الوقت الملائم ليصحبك إلى مقعدك (قد يكون أثناء التصفيق) حتى لا يقاطع وصولك برنامج الحفل.
كم من الوقت يستمر الحفل؟
٭ يختلف ذلك من حفل إلى آخر، ولكن معظم الحفلات الموسيقية تستمر بين 90 و120 دقيقة، تقطعها استراحة لمدة 20 دقيقة.
الأوركسترا السيمفونية... ما هي؟
٭ الأوركسترا السيمفونية هي فرقة من الموسيقيين يصل عددهم تقريبا إلى 100 عازف لأدوات تنتمي إلى أربعة أنواع أساسية:
1- الوتريات: آلات الكمان (من الأصوات الحادة والثقيلة)، التشيلو، ودبل باس (من الأصوات الحادة والثقيلة)، عازفو تلك الآلات يجلسون في نصف دائرة أمام قائد الأوركسترا مباشرة، وتشكل الوتريات أكثر من نصف الأوركسترا.
2 - آلات النفخ: المزامير، الفلوت، الكلارينت، الباسوون، والآلات الشبيهة لذلك، يجلس هؤلاء على بعد صفوف قليلة من قائد الأوركسترا، في وسط المسرح.
3 - آلات النحاس: الأبواق، الترومبون، والتوبا، والآلات الشبيهة لذلك، وأصوات هذه الأدوات هي الأعلى، ولذلك تجدها في الجزء الخلفي من الأوركسترا.
4 - الإيقاع: الطبول، الأجراس وغيرها من الأدوات الرائعة التي تضرب، تدق، تمسح، وما إلى ذلك، ويشمل ذلك التيمباني، القيثارة، وفي بعض الأحيان حتى البيانو، تستخدم بعض الأعمال أدوات إيقاع متنوعة، بينما قد يستعين غيرها بعازف تيمباني واحد، أو يستغني غيرها عن أي أدوات للإيقاع، وتقع تلك الآلات في الجزء الخلفي من الأوركسترا أيضا.
ما وظيفة قائد الكونشرتو؟
٭ يجلس قائد الكونشرتو في أول مقعد من مقاعد عازفي الكمان، ويسمى ذلك أحيانا بالمكتب، ويقوم بدور قائد لعازفي الكمان، بالإضافة إلى دوره في قيادة الفرقة بشكل عام، ويكون قائد الكونشرتو آخر من يظهر على المسرح، ليعطي الإشارة لعازف المزمار لضبط نغمات الآلات.
لماذا يغادر المايسترو بعد كل قطعة موسيقية؟
٭ إن ذلك يمنح المايسترو الفرصة للاستراحة والتقاط أنفاسه قبل البدء في الفقرة التالية، وإن كان تصفيق الحضور مدويا بشكل خاص، قد يعود المايسترو ليقدم بعض العازفين الذين كانت لهم أدوار منفردة خاصة في هذا الجزء.