بيروت ـ جويل رياشي
تنتشر على طول الطريق السريع الوحيد الذي يربط بيروت بجونية، اعلانات كتبت بالسريانية عن شريط سينمائي يعرض حاليا في الصالات اللبنانية، اعلانات تغرق بين صور المرشحين الى الانتخابات النيابية، لكنها نجحت في شد الجمهور وتحريك فضوله، لمعرفة المضمون.
يروي «مورين» (عنوان الفيلم) حياة القديسة مارينا التي عاشت في القرن السابع متنكرة في دير للرهبان، واكتشفت حقيقتها بعد موتها، فأعلنت قديسة ونقلت رفاتها الى مدينة البندقية الايطالية، على ان تعود الى وادي قنوبين، حيث عاشت مع النساك هذا الصيف.
لكن واقع الفيلم لا ينحصر في الشأن الديني، بل يتناول قضية المرأة وحريتها على قاعدة المساواة بالرجل، والتي سعت اليها منذ مئات السنين، وتبدأ القصة مع صبية صغيرة تكبر في كنف جدها بعد وفاة والدتها واعتقال والدها من قبل الجنود البيزنطيين.
وقائع الشريط سريعة، خصوصا في الانتقال بين حقبات متقدمة تختصر عشرات السنين، وقد استعان المخرج وكاتب السيناريو طوني فرج الله بنخبة من ممثلي الشاشة الكبيرة والمسرح، ابرزهم منير معاصري جد الطفلة مورين الذي يعود في اطلالة مميزة.
قضايا عدة تناولها الشريط، بينها الايمان والخطيئة والتضحية والتقاليد، كل ذلك في كادر مميز، حيث عاد بنا المخرج مئات السنين الى الوراء، لدرجة اننا نسينا السيارات والهاتف الخليوي ودخلنا في صلب القصة.
مناظر خلابة من الطبيعة اللبنانية بين قنوبين وبلدة القلمون الساحلية الطرابلسية مسقط رأس القديسة مارينا ومحيط قلعة المسيلحة في البترون، تصوير استغرق كل فصول لبنان، وخصوصا في العاصفة الثلجية الشديدة العام الماضي، حيث يغطي الثلج الوادي المقدس في قاديشا.
انتاج ضخم قياسا الى الامكانيات اللبنانية، ومراعاة دقيقة للأزياء واللقطات، حتى اننا عدنا بالزمن فعلا الى القرن السابع.
توقيت عرض الفيلم جاء جيدا في الايام التي تسبق عيد الفصح، فكان الاقبال على الصالات، وسط استغراب قاطعي التذاكر عن اضطرارهم للجلوس في الصفوف الامامية من الصالات.
سردية دقيقة للمجتمعين اللبناني والعربي مع ممثلين قدموا افضل ما عندهم، مستفيدين من حضور كبار معهم.
شريط يستحق الوصف بأنه صناعة لبنانية فاخرة، توافرت بفضل سعي المنتج خلف ممولين ليتمكن من العودة بنا مئات السنين الى الخلف.
وينتهي الفيلم على طريقة الافلام الغربية الضخمة، بشرح نصي عما جرى لاحقا، مرفقا بموسيقى مميزة اضفت رونقا خاصا على اجواء القصة.
«مورين» علامة فارقة في السينما اللبنانية الباحثة عن ثبات لهويتها، والراكضة بمحاولات جريئة لتتحول الى صناعة.
عمل يصح وصفه بالمتكامل، ولا ريب انه سيأخذ نصيبه من النجاح على شبابيك التذاكر، وفي ذاكرة محبي الفن السابع.
«مورين» استحق شعاره «قصة من عنّا».