دلال العياف
جمع مركز جابر الأحمد الثقافي والقائمون عليه بين الأصالة وروح الطرب الأصيل واساطير الفن، وذكرونا بإبداعات فنانة غائبة جسدا حاضرة باعمالها التي لا تنسى، وكانت وستكون أسطورة خالدة، فكل من تعاون معها ساهم في اغلاق دائرة فنية متماسكة من ملحن ومؤلف، بالاضافة الى صوتها الطربي الذي قدم من باريس الى بيروت، فهو خليط من جينات لبنانية جزائرية، انها وردة كل حدائق الفن والطرب.
اهتزت جنبات مركز جابر الخميس الماضي في ليلة راقية من ليالي فنية أصيلة من ضمن ثلاث ليال استمتع فيها الجمهور بأجمل أغنيات الراحلة وردة الجزائرية، وكأنها ليال من نهج العرب الأصيلين وواجب الضيافة، تمثلت تلك الليالي الثلاث باحتضان صوتين من الفنانات جعلا الجمهور يتناغم ويسلطن مع أحلى نغمات الراحلة القديرة التي لم ولن تتكرر، ففخامة اسم وردة تكفي لان تتغنى به فنانتان من اروع الأصوات، جعلتانا نعيش في تلك الليلة الغنائية الطربية الصعبة المزاج بين أغنيات متنوعة احببناها وعشنا احلى ذكرياتنا معها، انها ثروة قومية لا يستهان بها ونهر للفنون يسري ولا ينتهي توقفه الى حد معين، يرسخ في الذهن ويرتكز في القلب ويجعله ينبض من أصالة الفن العريق والأغنيات بين لحن وكلمة ولا اروع.
بداية الليلة الجميلة كانت مع الفنانة سارة الهاني التي تغنت بـ«يوم وليلة» وابدعت حينما قالت: «خدنا حلاوة الحب كله في يوم وليلة.. وانا وحبيبي دوبنا عمر الحب كله في يوم وليلة»، ورغم صعوبة مقامات تلك الأغنية، فهي للملحن الراحل القدير محمد عبدالوهاب وكلمات حسين السيد، إلا ان الهاني قدمتها بطريقة انيقة جدا.
ولم يوضع للملامة حد بصوت رقيق وقوي حينما رفرفت بأجنحة صعدت بنا الى اعلى سقف المسرح الذي كانت تنزل منه معلقات من اطارات تزينها لوحات تحمل صور وردة، فعندما نرى صورها نشعر بصفاء صوت سارة الهاني التي جعلتنا نعيش حالة من الحب الكبير واستذكرنا أياما من ذهب لعهد الفنانة القديرة الراحلة بغنائها لرائعة «لولا الملامة» من كلمات مرسي جميل عزيز والحان موسيقار الاجيال محمد عبدالوهاب.
وشدت سارة بعد ذلك بأغنية «اكدب عليك» كلمات القدير محمد الموجي وكلمات مرسي جميل، والتي تقول كلماتها: «اكدب عليك لو قلت بحبك لسه اكدب عليك.. واكدب عليك لو قلت نسيتك همسة اكدب عليك.. اومال انا ايه.. قوللي انتا انا ايه.. اختارلي بر وانا ارسى عليه».
اما الحكاية الاكبر التي جعلت دموع بعض الحضور تتقاطر بصمت من شدة التأثر، فكانت من ألحان العبقري بليغ حمدي والذي جعل من اوتار عوده خيوطا من ذهب واذهلنا برائعة «حكايتي مع الزمان» من كلمات محمد حمزة، تقول الأغنية «كان ده كان.. كان اسمه حبيبي.. كان ده كان.. ضحيت بعمري معاه.. مشوار اسمه الحياة وكان.. انا الي بينكم هنا رضيت بالعذاب.. لحد ماقلبي داب.. ولا دقت يوم هنا انا.. وانا ياما تحملت انا».
واستمر الطرب الأصيل وجاءت وصلة الفنانة صاحبة الصوت الدافئ إيمان عبدالغني وبدأت بأغنية «العيون السود» كلمات محمد حمزة والحان القدير بليغ حمدي الاسطورة الذي لم نجد مثله على مر الأزمان، وجاء في كلمات الأغنية: «وعملت ايه بينا السنين.. فرقتنا لا.. غيرتنا لا.. ولا دوبت فينا الحنين.. لا الزمان.. ولا المكان قدروا يخلو حبنا ده يبقى كان.. وبحبك والله بحبك.. قد العيون السود احبك.. وانت عارف قد ايه كتيرة وجميلة العيون السود في بلدنا يا حبيبي».
وشدت ايمان بأغنية «روحي وروحك» التي كتبها صالح جودت ولحنها فريد الاطرش وقدمتها بانسيابية رهيبة، وتقول كلماتها: «هي روحي وروحك حبايب.. من قبل ده العالم والله.. وانا فؤادي متيم من قبل يوم التلاقي.. وربي هو اللي يعلم محبتي واشتياقي.. يكتب لي في الحب نايب ويطل ع العشاق طلة».
وقدمت ايمان عبدالغني اسطورة غنائية من الحان القدير رياض السنباطي وكلمات علي مهدي وهي أغنية «لعبة الأيام»، والتي جاء في مطلعها: «تضحك لك الأيام تهجر وتنساني.. تغدر بك الأيام ترجع لي من تاني.. بتغيرك أيام وتبدلك أيام.. وبتجيني تلاقيني مع الماضي مع الذكرى مع الاحلام.. عشان قلبي انا اوفى من الأيام.. يالعبة الأيام»، ونجحت عبدالغني نجاحا كبيرا في تلك اللعبة الموسيقية المذهلة، واتبعتها بأغنية «بتونس بيك» لحن صلاح الشرنوبي وكلمات عمر بطيشة، وتقول: «بتونس بيك وانت معايا.. بتونس بيك وبلاقي بقربك دنيايا.. لما تقرب انا بتونس بيك.. ولما بتبعد انا بتونس بيك».
وختمت ايمان عبدالغني برائعة وردة الجميلة «الوداع» التي ابدع في تلحينها القدير بليغ حمدي، وتميز بكتابة ابياتها محمد حمزة، ويقول مطلعها: «بالوداع مابقيتش اخاف في الدنيا دي غير من الوداع، والضياع بحس لما تكون بعيد معنى الضياع»، وسلطنت ايمان وكأنها تقول لجمهورها بعمق احساسها: «خليكم هنا وبلاش تفارقوا».