دلال العياف
«الروشنة» لها معنى بالكويتي والأولون يستخدمونه واللي لي الحين متمسكين بحجيات أول إذا يتداولونها، الروشنة هي اللي يحطون فيها المبخر والمرش والبخور والمشط والمكحلة، إذن هي كل ما يعنى بالتجميل والأشياء الجميلة.
في هالموسم الرمضاني نقدر نقول إن فيه جماليات بالدراما وتدرج نحو قيمة فنية أعلى وهناك مواضيع تناقش على أبعد مستوى إذا هناك مجموعة جميلة جدا تستحق أن توضع على الروشنة لأن الروشنة لا تحتمل إلا كل أداة مكملة للجمال، هذا هو تصوري نحو بعض الأعمال هذه السنة رغم بعض اللغط والمبالغة في التوبيخ لبعض الكتاب الذين أبلوا بلاء حسنا ويستحقون الثناء وليس التوبيخ المتعمد، ونستثني آراء المتخصصين لأن رأيهم نحترمه ونقف له احتراما طبعا، لكن بالمجمل أليس من العدل أن نأخذ برأي المشاهد العادي أيضا الذي هو مستمتع ببعض المشاهد التي أنعشت ذاكرته؟
المبخر «لا موسيقى في الأحمدي»
الكاتبة منى الشمري، ما اجمل الدقة في اختيار المفردات الصحيحة سواء الكويتية او العمانية وسمعنا من بعض الفنانين والفنانات اثناء التصوير في اللوكيشنات انك تدققين على اللفظ كي لا يتغير معنى الكلمة فانت لا تعبثين في التاريخ، اما بالنسبة لأجواء المسلسل التي اخذتنا الى حقبة الاربعينيات والخمسينيات فهي نقية ولها روح خاصة، وبالنسبة لثورة الغضب التي اثارها اخواننا العمانيون الأفاضل فالتاريخ له ارشيفه الخاص المليء بالذكريات فأوضحت الكاتبة من خلال ردها في احد البرامج، والذي تداولته السوشيال ميديا انه بالفعل هذا ليس بخيال كاتب وانما القدير الراحل، رحمه الله، غانم الصالح كان دوره في مسلسل الأقدار كان يعمل بالبحرين، وعن الفنان محمود بوشهري ايضا جسد شخصية العامل في عمان، الخليجيون كانوا يعملون في ارجاء الخليج العربي قبل ظهور النفط لوجود القحط والجفاف والجوع وقتها، فيجب التأني وايضا من وجهة نظري المتواضعة ان الشمري قد نقلت صورة عن التعصب والطبقية والقبلية في السابق ومن خلال كوثر والتي هي من ايران وصديقة فوز الشطي وهم جيران ولكن عضيدان لم يسمح لزواج حفيده سعود من ابنة كوثر وحدد بقوله «حلاة الثوب رقعته منه وفيه»، فبعد النظر لها ورؤيتها الصائبة توضح أن العماني وصل لمرحلة من العلم واصبح دكتورا وايضا والده خميس اصبح اكبر تاجر لؤلؤ ولكن لاتزال الطبقية موجودة وهناك رسالة في رؤى الكاتبة بأنها توضح الطبقية وكيف كانت هادمة للملذات ومفرقة للجماعات، وعن دور لولوة وهي شيماء التي اشارت الى ان البنت الكويتية كانت تحب العلم والاجتهاد وكانت تعتني بأولاد من ذوي الاحتياجات الخاصة فهي جميلة وملامح وجهها التي اسهمت في وصول الرسالة لكويتيتها العالية وفعلا اعطتنا ايحاء كبيرا وكأنها من بنات اول، اما عن تطرق الكاتبة لظاهرة الكف الأحمر وهي تخروعة وقتها يخرعون في اليهال مثل ام السعف والليف والطنطل، جوانب كثيرة حملتها «لا موسيقى في الأحمدي» وعن المخرج محمد دحام الشمري فهي لعبته وهو ملك فيها تلك الحقبة التي اظهرت طاقات الفنانين وجعلتنا نعيش ايام الأحمدي وكيف كانت الأجواء واندماج الأجانب بها وانخراطهم مع الكويتيين، كونهم كانوا يعملون بشركة النفط الكويتية وبعض الشباب تأثروا بعادات الإنجليز من خلال ازيائهم وسماعهم للموسيقى الغربية.
المكحلة «دفعة القاهرة»
بغض النظر عن أي شرح تفصيلي من ناحية توثيق الأحداث التاريخية، فهي حبكة درامية وصورة جمالية عميقة ومريحة للعين، فالرسالة هي ليست لتوثيق التاريخ ولكن نقل صورة عن حقبة زمنية وهي الخمسينيات والستينيات، هجوم كبير حل على رأس الكاتبة الكويتية بعيدة الأفق والتي خيالها مربوط بفكرة وتصورها برؤى كاتب واستندت الى مرحلة وهي دراسة الكويتيين والكويتيات بالخارج وكيف هي الصعوبة وايضا التغلب على تلك الصعوبات للبنات الكويتيات آنذاك لطلب العلم، الاحترام لجميع الآراء ولكن هنا نقف قليلا عند مرحلة جميعنا كنا نتمنى فيما لو عشناها وهي مرحلة الستينيات، كل الشخصيات التي جسدتها كوكبة من الفنانين الشباب فائقي الموهبة هي من وحي الخيال وامتزجت بربطها بالتاريخ، وصلت لنا من خلال هذا العمل فكرة الكاتبة هبة مشاري حمادة من خلال قوة الفتاة الكويتية واجتهادها منذ تلك الحقبة الخمسينية والستينية والتي شهدت تحدي البنت لنفسها لبلوغ الغاية والطموح فلنأخذها من تلك الناحية حيث إن البعثات كانت مقتصرة على فئة الشباب ولكن السنة الدراسية 1956/ 1957 شهدت شمول البنات بالبعثات وقد ذهبت أول بعثة منهن الى مصر المحروسة في السنة المذكورة، والصورة التي اقدمها لكم من خلال وجهة نظري المتواضعة وما شعرت به ان تنطق بأحداث مناسبة ثقافية وتربوية مهمة ما يتعلق بماضي الكويت وهي لا تعني أي شخصية واقعية لان الأحداث غير مرتبطة بأي شخصية واقعية طبعا.
أما عن الكاتب العظيم د.غازي القصيبي الذي وجه أصابع الاتهام لحمادة بأنها اقتبست ثلاثة أرباع النص الذي كتبه في روايته التي منعت من التداول لفترة بعنوان «شقة الحرية»، وهي التي يحكي فحواها عن مجموعة من الشبان مختلفي التوجهات والأفكار يسكنون معا في القاهرة أثناء دراستهم الجامعية هناك، وتفصل الرواية حالة من التيارات الفكرية لدى الشباب العرب في الفترة الملتهبة الموقدة من التاريخ العربي من 1967/1948 والتي تم بيعها بالسعودية بعد منعها فيما بعد، وكان القصيبي القدير أراد شقة الحرية التي تحمل مضمونها في عنوانها.. انها الحرية التي جرت في مناخاتها، وأوصل من خلال تلك الشخصيات معنى الحرية الحقيقي لهؤلاء الظامئين اليها ونجح في تحريرهم لاكتشاف مدى فهمهم لهذه الحرية من خلال استغلالهم لها، واستغلالها لهم، وبالفعل جعلنا القصيبي نعيش فترة جميلة بمساحة فكرية بالانتماء الى تلك الفترة لأهل الأدب ومشاهداته امتدت من صالون العقاد الثقافي الى جلسات نجيب محفوظ مرورا بأنيس محفوظ وهم رواد الكلمة النصية الأدبية.
والقصيبي درس التوجيهية في مصر ومن ثم أكمل دراسته الجامعية بتخصص الحقوق ونقلاً عن نجله سهيل غازي القصيبي الذي شاهدنا له لقاء تلفزيونيا ببرنامج من الصفر، قال إن حياة الفقيد الغالي وسكنه مع مجموعة من اصدقائه في شقة وكانت لهم مغامرات في تلك الشقة وكان ذلك باب الإلهام لرواية شقة الحرية، اما اذا تطرقنا للصورة الجمالية الرائعة في الإخراج فلها ابعاد جميلة وسيد العمل استخدم اجمل صورة والتي تكون على نفس المستوى مع مفردات مشاهد المسلسل وما قصده وصل الى المشاهد من حيث الوصول الى التعبير، اما جماليا او فكريا واستخدام تنظيم عناصر الصورة داخل حيزها وصولا للشكل الجمالي والمضمون التعبيري ووضع كل فنان في اطار يتناسب وشخصيته، وبذلك نجح في تحديد نظرة المشاهد ووجه إحساسه بتلك العناصر الفنية، ونرجع للكاتبة الكويتية التي لها من الفكر قصص طويلة رائعة حيث حاولت ونجحت في إضفاء واقع من الخيال والأحلام وايضا لعبت على العاطفة اذا استشهدنا علميا بأوائل علماء الجمال الذين اهتموا بالسينما مثل «ايلي فلور» و«شووب» و«رينه كلير» الذي قال ان الفيلم الناجح يعتمد على المغزى والعواطف والانفعال والحركة والإيقاع، والمفهوم الجمالي هنا يعتمد على الفيلم والعدسة من خلال العلاقة بينهما التي أساسها التتابع الحركي او الصورة إذ إن تطرُّق هبة حمادة لبعض قصص الحب في العمل ليس بالأمر السيئ، وأقول إنها لم تستهدف بنصها شخصيات واقعية، بل إنها نقلت حقبة تزامنت معها خروج بناتنا للدراسة ونقلت واقع المرحلة الدراسية ولا بد من الحبكة الدرامية التي تناولت الكثير من الظروف بالغربة لا بد من حدوثها.
المشط «ماذا لو؟»
هناك فلسفة عميقة المحتوى في هذا العمل، حزينة هي احداثها بعض الشيء ولكنها تضعنا امام موقف ذي اتجاهين ويستلزم ان تختار احدهما وكلمة «ماذا لو؟» ليست بالشيء السهل على الشخص، طرحت من خلال الاسترسال وتوالي احداث المسلسل العديد من الحالات التي صورت لنا من خلال الكاتب والمخرج وايضا فناني العمل وهو نص ثري وله خطوط درامية احترافية، حيث حالة الاب مع ابنة مقعدة على كرسي متحرك تركتها امها وكيف هي علاقته القوية بابنته وتعامله معها وتعويضها مكانة امها في حياتها مع كثرة انشغالاته بسبب عمله كدكتور، وايضا تناول العمل حالة من التمرد على الوضع المجتمعي الطبقي الذي لا يحبذ زواج الكويتية من خارج بلدها ورغم كل هذا تنشأ علاقة قوية حميمة بينها وبين مواطن اردني الجنسية وهو ايضا اصيب بمرض السرطان الذي يقضي على نفسية المرء، تفاعلها وايماءات وجهها وتعبيرها الصادق الفنانة التي وصلت لأعلى درجات الكمال في التعبير الحركي والحسي من خلال اداء الشخصية وهي روان مهدي التي أبدعت في تعبيرها عن حبها وخوفها وصبرها على زوجها.
المرش «عذراء»
لكل فنان أدواته الخاصة لوصوله الى أعلى قمة في قلب جمهوره وشجون لها اوتار تلعب عليها، كعادتها شجون تخطف انظار جمهورها فبالإضافة الى ذلك الا انها تعرف تماما كيف تسلك طريقا بلا توقف، ونقيس ذلك من خلال الأداء الجسدي والتعبيري، الأول يتمثل في الجسد والصوت والعين والآخر يتمثل في الأحاسيس والمشاعر والانفعالات وعندما رأينا مشهدا قاسيا جدا وهو انتقامها لثأرها من حارس العمارة الذي اعتدى عليها على مدى سنوات وانتهك طفولتها وتعبيرها بنضج عن شخصية اهملها والداها وطريقة انفعالاتها وتعبيراتها وطريقة تقمصها للشخصية فالفنان المتمكن من ادواته ويتمتع بموهبة حقيقية وطريقة التقمص ووصلت فكرته لجمهوره دون انفعالات زائدة وزائفة اذا هو فنان حقيقي.
البخور «انا عندي نص»
ربما به قليل من السطحية الا انه يناقش قضايا مجتمعية عظيمة وواقعية، فهناك فئة من الشابات يعانين من قسوة اهاليهن وتركهم لهن في سن صغيرة، ومن يقول انه ليس لدينا مثل تلك الحالات اقول لهم انه بالفعل لدينا وربما فئة تعتبر نوعا ما كبيرة وهم يعانون من قسوة ونكران اخوتهم مثلا بعد وفاة والديهم، وهناك نقاط مهمة ناقشها الكاتب ووضع النقاط على الحروف ووصف الشخصيات، هناك رسائل على الأقل وايضا اعتبر من ضمنها عدم التفرقة وهي رسالة اخرى حيث ان الجار للجار وهي الجارة المصرية مسيحية الديانة وهم طبعا اهل الكتاب وكيفية اندماجهم مع جارتهم المسلمة ايضا هذه تعتبر رسالة بمبدأ الخلق ودون التطرق الى عرق او دين بل الأخلاق هي فوق كل التصورات.