مفرح الشمري
انطلاقا من المشروع الثقافي الشارقي، واستجابة من المحافل الأكاديمية الدولية للمشروع، كانت جامعة كاراكاو الپولندية سباقة بالاهتمام والاطلاع على مؤلفات سمو الشيخ د.سلطان بن محمد القاسمي التاريخية والروائية والمسرحية، بعد أن قامت شعبة الدراسات العربية والإسلامية في كلية الآداب بالجامعة بزيارة دارة الشيخ سلطان الثقافية في الشارقة برفقة وفد طلابي كبير، الغرض منه دراسة مؤلفات سموه في الفنون المعرفية الأصيلة، خاصة بعد حصول الشارقة على لقب عاصمة الثقافة الإسلامية عام 2014.
وبعد هذه الزيارة تدارست شعبة اللغة والأدب العربي بالجامعة أعمال صاحب السمو الشيخ د.سلطان القاسمي المسرحية، ووقع اختيارها على 4 مسرحيات لترجمتها بقصد الدراسة وتوسيع رقعة الاطلاع على مؤلفات سموه، فتم ذلك على شكل كتاب للنشر بعد أن قام بترجمة المسرحيات من العربية الى الپولندية من قسم اللغات كل من، البروفيسورة بربارة ميخلاك أستاذة اللغة العربية بمعهد الدراسات الشرقية في كاراكاو، وبمعية الأساتذة د.ايفونا كرول وأنوشكا بالكا لازكك وسباستيان غادوسكي.
وقابلت «منشورات القاسمي» اهتمام الجامعة الپولندية في تواصل مع دائرة الثقافة بالشارقة وقامت بنشر وإصدار هذه المجموعة من المختارات المسرحية لتكون جاهزة للمعارض الأوروبية وللمطالعة أو للإخراج المسرحي، والتي ضمت 4 مسرحيات بعنوان «مختارات مسرحية» مع مقدمة موجزة عن مميزات مسرح القاسمي، والمسرح في الإمارات عامة، كجزء من اهتمام الجامعة باللغات وتعميم الفائدة بالترجمة لكي تكون متاحة للقراء والمثقفين والكتاب في پولندا.
وبالتأكيد يأتي هذا الاهتمام بالمؤلفات المسرحية للشيخ د.سلطان القاسمي كونه وظف في متن الشخصية الأسطورية التاريخية المعروفة والذائعة شعبيا كالنمرود في بابل القديمة إسقاطات على الحياة المعاصرة في العالم العربي وآسيا، كذلك في مسرحيات هولاكو وشمشون الجبار، بينما يذهب بعيدا في تناول قصة شهيرة في تاريخ السرد العربي هي «داعش والغبراء» ويطبق عمليا نتائج بحث مسرحي يرتقي للكلمة والواقع والحياة.
مسرحية «النمرود» حلقة من سلسلة كتابات صاحب السمو حاكم الشارقة التي تطل من نافذة الماضي وصولا إلى حالات مشابهة وصور متطابقة في الحاضر وربما في المستقبل، وهو عمل مسرحي يقل فيه الحوار وتكثر فيه المعاني والعبر ويسعى إلى مواكبة الأحداث والقضايا العربية والإنسانية وتقديمها إلى الجمهور العربي والعالمي في أبهى صورة فنية تحمل الفكر والفرجة معا وتشخص ماضي الأمة وحاضرها ثم تبشر بالمستقبل لتقول كلمة الفصل من دون تشويه أو إساءة أو تحامل أو تجن.
أما داعش والغبراء فقد اتخذ د.القاسمي من حرب «داحس والغبراء» الجاهلية مادة تاريخية ونواة عمله المسرحي الذي قام على تناص تاريخي تأويلي مع تلك الحرب الضروس التي أكلت الأخضر واليابس واحتفظت بها ذاكرة الشعر والسرد العربية. وبذكاء التقط د.القاسمي اللحظة التاريخية العربية الراهنة من وجود حركات متطرفة مثل داعش وغيرها للربط التاريخي بين عنفين العنف الجاهلي والعنف الإرهابي المعاصر، ولهذا أصبح عنوان مسرحيته «داعش والغبراء» في تحويل موضوعي متميز. فحرب «داحس والغبراء» ولدت انقساما بين بعض القبائل العربية واستمرت 40 عاما وخلفت عددا كبيرا من القتلى، بينما حروب المنطقة العربية الحالية هي أيضا نتيجة العنف والتطرف، خلفت كذلك آلاف القتلى والمشردين اللاجئين الذين تشتتوا في مختلف أنحاء العالم.
وتعالج مسرحية «شمشون الجبار» من جديد الصراع العربي ـ الإسرائيلي اذ ينطلق فيها صاحب السمو حاكم الشارقة لتأكيد أحقية الفلسطينيين بأرضهم وبلادهم من قديم الزمن وعبر ما خالط شخصية شمشون من أساطير وحكايات وقصص ترددت في كتب اليهود وذاعت في القصص والأفلام حتى الأزمنة الحديثة كاشفا بفطنة ومعرفة الحقائق التاريخية وداحضا تزييف التاريخ ومعالجا الشخصية الأسطورية، بحيث تنكشف الحقائق وتظهر النوايا التي أراد بها العدو الإسرائيلي أن يكسب الحرب النفسية ضد العرب، إذ جسد البطولة الخارقة في شخصية شمشون لتمثل العدو مقابل العربي الفلسطيني.
إما مسرحية «عودة هولاكو» فهي تعود بنا لموضوع تاريخي مفصلي يتمثل في سقوط الدولة العباسية، فقد أدرك مؤلفها بعد قراءته لتاريخ الأمة الإسلامية أن ما جرى للدولة العباسية قبل سقوطها مشابه لما يجري الآن على الساحة العربية، وكأن التاريخ يعيد نفسه، فكتب هذه المسرحية من منظور تاريخي لواقع مؤلم، وبها أسماء الشخصيات والأماكن والأحداث في هذه المسرحية كلها حقيقية، فإن كل عبارة في هذا النص تدل دلالة واضحة على ما يجري للأمة العربية.
كذلك فإن استخدم سقوط بغداد خلال عام 1258 على يد جيوش هولاكو حفيد جنكيز خان لفت الانتباه إلى المخاطر الحالية المحدقة بالثقافة العربية التي تواجه الغزو الثقافي وغيره من العوامل الأخرى التي يمكن أن تؤثر في القيم العربية الأصيلة، وأنه بذلك يطلق صرخة تحذير ويوجه دعوة لحماية القيم والمبادئ الأصيلة.