أن تسرد حكاية كجزء من التاريخ أو أن تقدم بعضا منها عبر عمل فني درامي يحاكي حقبة تاريخية بكل ما فيها من أعراق أو اقليات لا يعني بالضرورة انك تسعى لترسيخ فكرة ما، أو انك تعمل على تغيير حقيقة أو مبدأ شعبي أو رسمي، وهذا السرد أو العرض ان قوبل بالمتابعة من الجمهور لا يعني تقبله أو موافقته للعودة الى ذاك الزمان بكل تفاصيله بقالب الحاضر، فعادة ما تكون الاعمال الدرامية وان استقت ثيماتها من التاريخ لا تخلو من الإضافات وخيالات الكاتب لجذب المشاهد، والتي يجب ان تحظى بمساحة من الحرية في الطرح لتجد مكانها في سماء الابداع دون ان تتجاوز الثوابت والقيم المتعارف عليها ولا تمسها.
وقد أثار برومو مسلسل «ام هارون» الرمضاني للفنانة القديرة حياة الفهد الجدل، وموجة كبيرة من ردود الافعال ما بين الاستهجان بالدرجة الاولى والاستحسان على استحياء من البعض على مواقع التواصل الاجتماعي كونه يطرح حكاية الاقلية اليهودية التي عاشت في المنطقة في الفترة ما قبل أربعينيات القرن الماضي، الأمر الذي أثار حفيظة الكثيرين وهز مشاعرهم، معتبرين اياه احدى محاولات التمهيد للتطبيع وإظهار صورة سلمية للتعايش ما بين العرب واليهود في الفترة الاخيرة التي تعالت فيها بعض الشعارات لمحاولة التطبيع مع الكيان الصهيوني في ظل ما يسمى بـ «صفقة القرن» هذا من جانب، بينما اعتبر البعض انه من المبكر الحكم على العمل قبل العرض، حيث لا يعرف المشاهد ما هي قصته، وكيف سيقدم المسلسل هذه الفترة من تاريخ المنطقة.
لقد تزامن عرض «البرومو» مع تداول بعض مقاطع فيديو لامرأة مسنة خلال مقابلة تلفزيونية لها كانت تعيش في البحرين تدعى «ام جان» وهي من أصول تركية ويهودية الديانة، تحكي من خلالها قصة حياتها وتنقلها حتى استقرت في البحرين وعملت كممرضة وداية شعبية آنذاك، مما دفع الجمهور الى الربط بين «ام جان» و«ام هارون»، تبعتها عدة مقالات لبعض الكتاب الذين تحدثوا عن هذا الوجود اليهودي في بعض الدول العربية ولم يخرجوا منها، في حين لم يبق منهم احد في الكويت بعد ان خرجوا منها أربعينيات القرن الماضي.
كل هذه المقدمات ادت الى إثارة الشارع الخليجي وتحديدا في الكويت والتي تتخذ موقفا صارما وحاسما من رفض التطبيع بكل اشكاله على المستوى الشعبي والرسمي، حيث اعتبروه محاولة للتأثير على المشاهد من خلال الدراما التي تعمل عملها في العقول والاحاسيس تجاه الحدث الدرامي وربطه بالواقع، الا انه لا يجب الحكم على أي عمل فني من مجرد دعاية أو إعلان حتى يتم العرض، فقد تناولت الدراما العربية هذا التعايش بين اليهود العرب والمسلمين كثيرا في عدة اعمال، وعلى سبيل المثال في مصر كان آخرها مسلسل «حارة اليهود» الذي قدم صورة كاملة ما بين الوفاء والخيانة دون ان يمجد هذا التعايش أو يجعله بريئا في نظر المشاهد، لذا لا مانع من طرح أو تقديم هذه الحقبة بكل تفاصيلها على سبيل المثال من تاريخ الكويت باعتبارها حقائق تاريخية وعرضا مفصلا للمجتمع الكويتي آنذاك وتعاطيه مع الوافدين عليه، والفضاء الدرامي يكفل هذه الحرية في التناول بعيدا عن «دس السم في العسل» والذي سيتعامل معه المشاهد بكل ذكاء وفطنة، رافضا استخدام الفن كوسيلة لتمرير بعض الافكار التي لا تتماشى مع قناعاته وثوابته، خصوصا ان المواقف التي اتخذها الشعب الكويتي وحكومته تجاه هذا الكيان جاءت بعد تلك الحقبة التي بدأت فصلا جديدا عند احتلال فلسطين.
الدفاع أو الهجوم تجاه مسلسل «ام هارون» امر لم يحن وقته بعد، فكثيرا ما عرضت إعلانات لأعمال ما ان شاهدناها اكتشفنا هشاشتها أو كان المضمون على عكس المعروض في «البرومو»، أما من حيث الحقائق فلن يقف المؤرخون مكتوفي الايدي تجاه أي خطأ أو تأليف يمس الواقع المحلي، وهناك كتب تحكي الكثير حول هذه الفترة منها كتاب الباحث الكويتي يوسف المطيري الذي أصدره بعنوان «اليهود في الخليج عام 2011»، وكتاب آخر للباحث الكاتب الصحافي حمزة عليان بعنوان «اليهود في الكويت»، الى جانب شخصيات المؤرخين الكويتيين الذين يعرفون الكثير عن هذه الحقبة بكل ما فيها من احداث.