محمود منير
في ثمانينيات القرن الماضي، التفت جيل كامل لسلسلة «روايات مصرية للجيب» وكانت أعمالا أدبية متنوعة شملت الجاسوسية في «رجل المستحيل»، الخيال العلمي في «ملف المستقبل»، والرعب في «ما وراء الطبيعة»، والمهم هنا هو سلسلة «ما وراء الطبيعة» للمؤلف الراحل د.أحمد خالد توفيق، والتي قرر كل من نجم الكوميديا أحمد أمين والمخرج الشاب عمرو سلامة تحويلها إلى عمل درامي، وبعد محاولات مع د.أحمد خالد توفيق خرج هذا العمل الى النور تخليدا لذكرى المؤلف الذي رحل عن عالمنا في 2 أبريل 2018 قبل أن يرى بنفسه النجاح الساحق للمسلسل المستوحى من أعماله الأدبية التي لا تقل نجاحا عن العمل الدرامي الذي بدأ عرضه على منصة «نتفليكس» نوفمبر الجاري، ومنذ اليوم الأول لعرض العمل المكون من 6 حلقات انهالت عبارات الثناء عليه في كل وسائل «السوشيال ميديا» واحتل المرتبة الأولى في الكويت والشرق الأوسط وحاز إعجاب كل من الجماهير والنقاد في آن واحد.
سردية ممتازة
تمت معالجة السيناريو المستوحى من القصص الأصلية بشكل سردي يسترعي انتباه المشاهد بدرجة كبيرة وبأسلوب أكثر من رائع، حيث جعل الشخصية الرئيسية د.رفعت إسماعيل (أحمد أمين) يبدو تماما كنظيره في الرواية بكل تفاصيله، التفكير، المشاعر، التخبط في اتخاذ القرار، إيمانه الراسخ بالعلم وانصرافه عن كل ما هو لا علمي وغير منطقي، روح الفكاهة التي في أعماقه ولا تظهر أبدا الا بينه وبين نفسه، حبه لماغي (رزان جمال) التي التقاها أثناء دراسته في اسكتلندا قبل رجوعه ليصبح أستاذ دكتور في جامعة القاهرة بكلية الطب، حيث استطاع المخرج وكاتب السيناريو عمرو سلامة أن يحافظ على الشخصيات الرئيسية كما عرفناهم في قراءتنا للقصص في الماضي، وكان هذا من الذكاء ليستحضر حنين المشاهد لرؤية أشخاص عشنا معهم لسنوات، واكتملت السيمفونية الدرامية الرائعة بأداء تمثيلي مبهر وغير متوقع من النجم أحمد أمين، ولزيادة جمال السيمفونية تم اختيار رزان جمال التي أتقنت اللغة الإنجليزية بلكنة اسكتلندية، وبهذا دخلنا لأول مرة الى ما قرأناه وما تخيلناه في ذاكرتنا التي كونها لنا المؤلف، فقد تم اختيار كل التفاصيل بدقة وعناية فائقة ولم يقتصر النجاح على المعالجة الدرامية وأداء طاقم التمثيل فقط بل إن اختيار طاقم الماكياج أيضا كان موفقا.
عيوب فنية
لو أن «ما وراء الطبيعة» امتلك ميزانية أكبر قليلا لخرج مكتملا 100%، حيث إن خدع الـ CGI لم تكن على قدر جمال المسلسل وروعته، وإنما يمكن القول بأنها جيدة وإن كنا نتمنى أن نقول ممتازة، ولكن للأسف هي جيدة، وبالرغم من ذلك فإن العمل يضع الدراما المصرية على أول سلمة هوليوودية بحق، وما زاد من تألق «ما وراء الطبيعة» هو الموسيقى التصويرية التي تذكرنا بأحد أهم مسلسلات الرعب الأميركية «Penny Dreadful»، وهي من تأليف الموسيقار خالد الكمار.
رفعت إسماعيل
د.رفعت إسماعيل - كما يعلم الجميع- طبيب أمراض دم لا يؤمن إلا بالحلول العلمية إلى أن تجتاح أحداث غريبة حياته فيتحول إلى خبير في كشف الظواهر الخارقة للطبيعة، بعض هذه الأحداث تمسه شخصيا والبعض الآخر يمس عائلته، يعيش «رفعت» حياة غريبة وحيدا مُضربا عن الزواج، السيجارة تكاد تكون صديقه الوحيد وفنجان القهوة، يكاد يؤمن بأنه نحس ويتناول هذه الفكرة ويتعامل معها وفقا لقوانين مورفي- مؤلف كتاب «أسوأ حظ»- حتى أنه بعد ذلك يختلق لنفسه قوانين على غرار قوانين مورفي المكونة من 30 قانونا ويطلق عليها «قوانين رفعت».
الخلاصة
«ما وراء الطبيعة» بهذا الشكل الذي خرج عليه للجمهور رائع ونطمح لمشاهدة الموسم الثاني قريبا، ونعتقد أن الجمهور متعطش للمزيد، ولا يقتصر ذلك على الجمهورين المصري والعربي فقط وإنما يشمل العالم، وفي الأيام القليلة المقبلة سنجد ردود فعل جديدة على مستوى المدونين والمشاهدين العاديين والنقاد، وهذا في صالح الأعمال الفنية العظيمة.