«بليغ مجنون فن ونهر متدفق» هكذا كانت كوكب الشرق أم كلثوم تصف دائما الموسيقار بليغ حمدي الذي تعاونت معه في أكثر من عشر أغنيات.
وتعود بداية لقاء أم كلثوم ببليغ حمدي عندما التقت به في إحدى المناسبات فأمسك بليغ عندما رآها بالعود وافترش الأرض وبدأ يعزف ويغني «حب إيه» التي لحنها بداية كمونولج لثريا حلمي التي رفضته فقام الشاعر عبدالوهاب محمد بتحويلها الى اغنية عاطفية.
مرحلة جديدة
بعد انتهاء بليغ من عزف وغناء مذهب «حب ايه» افترشت ام كلثوم الأرض بجانبه وطلبت منه الإعادة لتكون بداية مرحلة جديدة في حياة الست.
وكرت سبحة الأغاني الناجحة بينهما حتى وصلا الى «بعيد عنك حياتي عذاب» التي اقترح عليها بليغ فيها أن تلقي المذهب بصوتها قبل دخول الموسيقى والغناء لكنها رفضت في البداية واستشارت عددا من أصدقائها المقربين الذين نصحوها بخوض غمار التجربة لأن بليغ يقف وراءها وبليغ معروف عنه «مجنون فن».
فنفذت أم كلثوم الفكرة بناء على نصائح المحبين ولتنجح الأغنية نجاحا كبيرا.
العيون السود
وبعد فترة من نجاح الأغنية سافر بليغ حمدي إلى الجزائر لإعادة وردة للغناء في مصر بعدما كانت في الجزائر وتزوج هناك وتوقفت عن الغناء لتعود من جديد بأغاني طبقت شهرتها الآفاق كـ «العيون السود» و«خليك هنا خليك» وغيرها.
مرسال غرام
عندها استدعت الست الصديق الأقرب لبليغ حمدي الإعلامي القدير وجدي الحكيم وقابلته بحفاء شديد قائلة له: أنا شاكة في أمرك من زمان بس دلوقتي اتأكدت، انك ساعدت صاحبك بليغ حمدي في توظيف صوتي رسائل حب لوردة الجزائرية، لأنها متجوزة وعايشة في الجزائر وصاحبك واقع في غرامها.
ثم أكملت بسرعة قائلة: شوف أغنية «انساك يا سلام انساك ده كلام» وغيرها، وآخرها تيجي انت تقنعني احط صوتي رسالة في بداية اغنية «بعيد عنك» يعني اشتغل «مرسال غرام» بينهم.
وكانت الصحف العربية تنشر أخبارا عن قصص الحب بين بليغ وورده فما كان من الست الا ان ربطت الأحداث واسترجعت كلمات أغانيها التي كانت من ألحان بليغ فوجدتها عبارة عن رسائل حب موجهة الى وردة. وعلى رغم ذلك لم تعاتب الست بليغ نهائيا لايمانها الشديد بعبقريته الموسيقية ولمعرفتها بأحوال الفنانين العاشقين والمغرمين والذين تطولهم الشائعات أكثر من غيرهم خاصة انها كانت من الذين أصابهم سهم الشائعات الغرامية التي أوصلوها بها الى حد الزواج.
المشروعات
وكانت الفنانة الراحلة قد كشفت حقيقة علاقتها بالمشير الراحل عبدالحكيم عامر وزير الدفاع في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، مؤكدة انها لم تكن تعرفه وان ما يقال عن علاقتهما من قبل الافتراء، مؤكدة ان طلاقها من الموسيقار الراحل بليغ حمدي لم يكن بسبب المطربة المغربية سميرة سعيد. وشددت الفنانة الجزائرية على انها ظلت لفترة طويلة مكروهة من كل الحكومات، ونفت ما تردد عن ان الفنانة المغربية سميرة سعيد وراء طلاقها من الموسيقار الراحل بليغ حمدي، مشيرة الى ان بليغ كان زوجا سيئا ولم تكن لتتحمل العيش معه اكثر من سبع سنوات. وقالت وردة: «قيل عني اشياء سيئة جدا، منها الحكاية الخاصة بالمشير عبدالحكيم عامر، وفي الحقيقة انا لا اعرف المشير، ولكن اعرف جمال عبدالناصر الذي كرمني، كما ان المشير كان متزوجا ببرلنتي عبدالحميد ولم اكن اعرفها لكي يكون بيني وبينها خلافات، فهذه القصة اختلقها الناس لمحاربتي لاني جزائرية».
واضافت: «وسخوا سمعتي قبل ان انزل الجزائر لدرجة ان اخي كمال وقتها كان في الجزائر وكان قادما الى مصر كي يذبحني بعد ان عرف القصة من الجرائد».
نكسة 67
وتصدرت شائعات علاقة وردة بالمشير عبدالحكيم عامر العديد من الصحف في هذا التوقيت، كانت الفنانة متهمة بأنها واحدة من اسباب نكسة 1967 التي احتل الاسرائيليون خلالها سيناء وذلك بسبب كثرة دعوات المشير لحفلاتها الخاصة وكان ذلك من اهم الاسباب التي دفعت جمال عبدالناصر لطردها من مصر. ويبدو ان القصص المختلقة لم تكن تتعلق بالمشير فحسب، حيث اكدت الفنانة وردة ان الشائعات لم تتركها ابدا لانها كانت ناجحة.
وقالت وردة في أحد لقاءاتها: «لم يكن طلاقي بسبب سميرة ولكنه القدر، عشت معه سبع سنين وكفاية عليه، هو كان زوجا فاشلا وهذا ما اكرره من يوم ما مات، ولكنه كان فنانا عظيما، وكان معي سيئا ولكنه كان جيدا على المستوى الفني».
واضافت: «بليغ كان يغير علي فنيا، فهو لم يكن سعيدا وانا اغني من الحان غيره، فأنا مثلا وسيد مكاوي نجحنا كثيرا ولكن بليغ لم يكن يحبني ان اذهب في هذا الطريق»، واشارت الى ان الغيرة في هذه الحالة ليست ممنوعة ولكن اذا كانت بناءة.
الغناء في المطبخ
كما اكدت الفنانة الراحلة ان الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين هو من اعادها للغناء بعد ان طلب زوجها الاول منها ان تعتزل.
وقالت: «طلب مني زوجي ان اعتزل الغناء وبالفعل وقتها اكتفيت بالغناء في المطبخ حتى احسست بالزهق، عندها انقذني الرئيس بومدين حينما قام بالاتصال بي واخبرني بأنه يريدني ان اغني في عيد الاستقلال العشرين للجزائر».
واضافت: «استجبت لطلب الرئيس بالفعل، ولكن بعد رجوعي الى جمهوري كان من الصعب ان اكف عن الغناء، عندها خيرني زوجي بين الطلاق والغناء او الاستمرار معا والاعتزال فاخترت الطلاق».
انهار وطلب السماح
بعد الانفصال بفترة مرض بليغ في باريس فسافر اليه صديقه وجدي الحكيم وهناك وجده يعتصر ألما وحزنا لانه وافق على الطلاق وتنازل بارادته عن زوجته وكان طوال الوقت يسأل عن صحتها واحوالها وعندما اوشك على الانهيار طلب من الحكيم الوساطة عند وردة علها توافق على استئناف حياتهما الزوجية وتسامحه.
رفضت وردة فكرة العودة بالرغم من علمها بانهيار بليغ لابتعاده عنها، وقالت انه خرج من حياتها الى الابد، ولم تعد تفكر فيه لا كزوج او حبيب او حتى ملحن، وان حياتها ستستمر من دونه مع ملحنين اخرين وفرق فنية مختلفة لانه لم يفكر حتى في الاطمئنان عليها وقت مرضها. عندما نقل الحكيم رد وردة لبليغ اصيب بما يشبه الذهول وبعد ذلك ظل يحاول مرات ومرات العودة اليها لكنها رفضت بشدة لفقدانها الثقة فيه.
على باب السجن
لم تهدأ وردة طوال فترة محاكمة طليقها بليغ حمدي وكانت تستحث المحامين لبذل مزيد من الجهد وتتابع بنفسها وبحسب رواية الاعلامي وجدي الحكيم للحادثة التي نشرتها «الأنباء» سابقا،حيث قال: «استدعى وزير الداخلية اللواء زكي بدر وردة الى مكتبه للاتفاق على احياء حفل لابناء الداخلية، ذهبت معها فوجدنا الوزير يسمع احدى اغانيها، فبادرته وردة اعرف مكانتي الفنية عندك بس لو بليغ دخل السجن والله لأقعد لكم على باب السجن لغاية الافراج عنه، ضحك الوزير قائلا: والله الناس كلها هتفرح لما تعرف انك عندنا في السجن على الاقل ييجوا عندنا يسمعوكي».
واضافت وردة: المسألة بالنسبة لي حياة او موت، ولن احتمل فكرة ان بليغ يتسجن، وخلال سفراتها كانت تزوره في لندن وباريس وغنت من ألحانه التي انجزها في الغربة.
عملت ايه فينا السنين
بعد معاناة وسنوات حب ملتهبة تزوجت وردة وبليغ عام 1973 واقيم حفل صغير في منزل والدته التي لا تقوى على مغادرة الفراش، حضر جمع محدود من الاصدقاء حيث غنى عبدالحليم حافظ وصدحت العروس من الحان زوجها «عملت ايه فينا السنين» ورد عليها بليغ بآخر الحانه للسيدة ام كلثوم «حكم علينا الهوى» وبعد عقد القران توجهت العروس الى احدى فلل الهرم لتصوير اللقطات الاخيرة لاحد افلامها السينمائية لتجد في انتظارها حفلا كبيرا وزفة اعدتها اسرة الفيلم، فيما كان بليغ في شقة الزوجية يضع اللمسات الاخيرة على لحن جديد تغنيه زوجته، ليعيش معها اجمل سنوات عمره التي احاطتها الغيرة والحسد حتى انتهت بالانفصال نتيجة الوشايات عن غراميات بليغ مع مطربات اخريات.
التمرد والهروب حباً
عاد بليغ من أبوظبي واضطر للاقامة في المكتب حتى لا يزيد من غضب زوجته وردة، لكنها طلبت من الحكيم اعادة بليغ الى البيت وبعد عشاء مشترك بين الصديقين اقنعه بالعودة للبيت وبالفعل تركه عند الباب بعد ان تحدث مع وردة هاتفيا، مؤكدا انه اقام في المكتب حتى يعطيها الفرصة للتفكير بهدوء بدلا من زيادة المشكلات، وما هي سوى ساعة حتى اتصلت وردة بالحكيم تسأله عن بليغ، فأكد انه تركه عند باب البيت وبسبب القلق عليه خرج يبحث عنه فوجده حزم حقائبه وقرر السفر الى باريس لانه بالرغم من حبه لها يجد نفسه متمردا عليها لانها تشك فيه.
لم يستطع الحكيم ابلاغ وردة الا في اليوم التالي ونتيجة للضغط النفسي نقلت الى المستشفى ولم يفكر بليغ في العودة من باريس لزيارتها، هنا اصرت على الانفصال ولم يستطع الزوج مواجهتها فارسل توكيلا للمحامي لإنهاء اجراءات الطلاق.
نزيف الدموع
في ديسمبر 1984 حدث زلزال تسبب في غربة بليغ حمدي 5 سنوات اثر انتحار المغربية سميرة مليان في شقته، وقد بالغت الصحافة في تناول الحادثة ما جعل الاتهام يوجه الى بليغ فاضطر الى مغادرة مصر، وأوضح في اكثر من مناسبة ان «القدر الاحمق الخطى» ساق الى شقته هذه المرأة دون سابق معرفة، فهي عشيقة احد اصدقائه وعندما برأته المحكمة عاد الى مصر مريضا وظل يردد: «اقرب الاشياء الي دموعي، كنت مستعدا لمواجهة اسد جائع وابقى متماسكا فهو اهون علي من ان اظل وحدي سنوات انزف في غربتي دموع الجرح والظلم»، الغريب ان بليغ رحل بعد صراع مع السرطان في يوم رحيل الموسيقار سيد درويش نفسه ولكن بعد 70 سنة.