لعبت التقنيات السينمائية دورا أساسيا في خدمة خيال السينمائيين وتجسيده من خلال صور مقنعة ومؤثرة ومشوقة، ولم يقتصر هذا الدور بطبيعة الحال على صنع الأفلام التي تنتمي إلى الخيال العلمي والأفلام الغرائبية والأفلام الكوميدية، بل شمل جميع الأنواع السينمائية، سواء منها الأنواع التي تعتمد على الحركة المثيرة أو الأنواع التي تعتمد المنهج الواقعي وتتطرق إلى مواضيع تستمد موادها من قضايا الواقع والمجتمع الحقيقية.
بشكل عام، يمكن تقسيم الخيال السينمائي إلى نوعين، أحدهما يسعى وراء إثارة الدهشة، خاصة في أفلام الحركة والإثارة بمختلف أنواعها، وثانيهما يهدف إلى الوصول إلى العكس المقنع بواقعيته، قدر الإمكان، لصور الواقع، وقد أدى التطور المتسارع والمذهل للتقنيات السينمائية إلى تنامي توجهات السينمائيين، خاصة العاملين منهم في حقل السينما الجماهيرية الترفيهية نحو زيادة جرعات الخيال ولكن من خلال مزج الدهشة بالمصداقية الواقعية، ويترادف هذا التطور مع التطور المقابل عند مشاهدي الأفلام الذي تزايدت خبراتهم في المشاهدة بعد أن انكشفت أمامهم أسرار السينما مع الزمن واعتادوا عليها، وبالتالي فإن ما كان مثيرا لخيالهم في مرحلة تطور سينمائية ما، صار في المرحلة التالية أقل إثارة أو حتى فقد إثارته لأن لعبته باتت مكشوفة لهم، فكان لا بد للسينمائيين ليس فقط أن يحددوا وأن يطوروا من جرعات الخيال والإثارة بل أن يقنعوا المشاهدين بمصداقية ما يشاهدون وأن يتفاعلوا معه بما يؤدي إلى أن تكون تجربة معايشة أحداث الفيلم مطابقة أو قريبة من تجربة العيش في الواقع، أي أن تستعيد السينما ذات العلاقة مع المشاهدين التي نشأت عند ولادة السينما ومنذ اللقاء الأول بين المشاهدين وفيلم «وصول القطار إلى المحطة» وأن تعيد المشاهدين إلى حالة السذاجة العاطفية على الأقل، والتي تلبستهم وهم يشاهدون الصور تتحرك، وذلك رغم كل ما اكتسبوه من خبرات مشاهدة ومن معارف كشفت لهم أسرار السينما.
الخيال شرط من شروط الإبداع السينمائي حتى في أكثر توجهاته نحو العكس الصادق لصور الواقع الراهن، أي ذات المنهج التسجيلي، مع ذلك يجب الإقرار بحقيقة أن العلاقة بين الواقع والخيال في السينما تتضمن احتمالات متعددة، فالخيال قد يكون صادقا وقد يكون كاذبا، قد يكون مريضا غير أخلاقي أو العكس، قد يكون شريرا وقد يكون خيرا، قد يكون الخيال موهوبا مبدعا وقد يكون عديم الموهبة.
وفي هذا يكمن الفرق بين السينما الراقية فنيا وفكريا، والتي لاتزال علاقتها تقتصر على النخبة من المشاهدين، وبين السينما التجارية الترفيهية.
سارت الأفلام السينمائية منذ اختراع السينما في اتجاهين اثنين لكل منهما له منهجه الخاص، أحدهما تسجيلي (وثائقي/ تتم من خلاله إعادة تنظيم لصور الواقع الحقيقية كأفلام الحرب العالمية على سبيل المثال)، وثانيهما روائي (تخييلي/ الواقع فيه غير حقيقي ومعاد خلقه)، وفي العشرينيات من القرن العشرين احتدم الصراع بين هذين النوعين أو المنهجين في الأفلام السينمائية، وكان مناصرو السينما التسجيلية يعتبرون أن جوهر السينما وصدقها يكمنان فقط في إمكاناتها التسجيلية، وكل ما عدا ذلك، أي القصص المتخيلة والممثلون والديكورات، وبكلمة واحدة السينما الروائية، مجرد تزييف وخيانة لجوهر السينما الأصلي، أي قدرتها على عكس صورة الواقع الحقيقية عكسا مباشرا وهي بالتالي تزييف وخيانة للواقع نفسه.
في المقابل، لم يكن مناصرو السينما الروائية ينكرون أو يرفضون الخاصية التسجيلية للسينما، لكنهم كانوا يعتبرون أن الكاميرا السينمائية (خاصة في فترة السينما الصامتة) لا تستطيع أن تعكس سوى المظاهر الخارجية للواقع وأن الكاميرا التسجيلية عاجزة عن تصوير دواخل النفس البشرية والعوالم الداخلية للناس.