في المستقبل غير البعيد، وفي كل مرة تشتري فيها فنجانا من القهوة، قد يعلم شخص ما في مكان ما بذلك! هذا احتمال مزعج طرحته جهود الشركات الخاصة والبنوك المركزية لإصدار عملات رقمية، حيث يقول أستاذ السياسة التجارية بجامعة كورنيل، إسوار براساد، مؤلف الكتاب القادم «مستقبل المال: كيف تعمل الثورة الرقمية على تحويل العملات والتمويل»، إن العملات الرقمية، بما في ذلك العملات المشفرة، تشكل «تهديدا أساسيا للبنوك المركزية في جميع أنحاء العالم، لأنها أبعدت البنوك عن الصورة»، وفق ما نقلته «بلومبيرغ».
لذلك تعمل الحكومات على تطوير عملاتها الرقمية الخاصة أو ما يسمى CBDCs، والتي يمكن أن تمنح أنظمة الدفع مصداقية إضافية وتعزز ثقة المستهلك. لكن براساد، الخبير البارز في هذا المجال، حذر من أن الخصوصية ستكون جانبا سلبيا كبيرا، بحيث ستراقب البنوك المعاملات بحثا عن الاستخدام غير المشروع و«أي شيء رقمي سيكون قابلا للتتبع».
ولا يمكن أن تكون الرسالة التي أرسلها بنك التسويات الدولية في تقريره السنوي أكثر وضوحا، فمعظم البنوك المركزية ستصدر عملتها قريبا في شكل رقمي، مما يجعلها متاحة مباشرة لكل واحد منا على هاتفه المحمول ويمكن تداولها على الفور عبر مسافات طويلة، تماما مثل البريد الإلكتروني!
وللتحضير لعالم نستخدم فيه النقد الرقمي في شكل عملات رقمية للبنك المركزي، تستكشف السلطات النقدية الآن الحلول التقنية وخيارات التصميم.
لكن هذه الخطوة المفصلية تجر تحديات، على رأسها إخفاء الهوية والخصوصية. وفي الوقت الحالي، ضمن الحدود المحددة قانونا، يمكن لكل واحد منا إنفاق مبلغ معين من المال دون علم أي شخص. وفي حين أنه من الممكن من الناحية الفنية الاحتفاظ بمثل هذه «المجهولية» في العملات الرقمية للبنوك المركزية، فإن ما إذا كان ينبغي على الحكومات والبنوك المركزية الالتزام بذلك يبقى سؤالا أساسيا، بحسب «فاينانشال تايمز».
وحاليا، تدعو العديد من الجهات الدولية مثل المفوضية الأوروبية إلى إزالة «المجهولية» عن العملات المشفرة، حيث اقترحت المفوضية توسيع تشريعات مكافحة غسيل الأموال التي تطبق حاليا على القطاعات المالية، لتشمل جميع خدمات التشفير. هذا يعني أنه من أجل أن تحصل شركة تشفير على تصريح عمل في الاتحاد الأوروبي، يتعين عليها تسجيل هويات المستخدمين والمتداولين لضمان إمكانية تتبع المعاملات.