فواز كرامي
في ظل التنافس الاقتصادي المحموم الذي تخوضه دول مجلس التعاون الخليجي للتحول الى مراكز مالية واقتصادية في المنطقة شكل التقرير العالمي للتنافسية الاقتصادية الذي اصدره منتدى الاقتصاد العالمي مفاجأة من العيار الثقيل عندما صنف الكويت في المركز الاول من حيث اقتصادها الجزئي. ولعل السؤال الكبير الذي يتبادر الى الذهن هو كيف للكويت التي اتهمت ببطء صنع القرارات الاقتصادية فيها والسجال الكبير بين مجلس الأمة من جهة والحكومة من جهة اخرى - بحسب الميد - ان تحتل هذا المركز، في حين ان دولا كقطر والامارات العربية المتحدة تضع كل طاقاتها وجهودها كاملة دون اي معوقات لاستغلال الطفرة في اسعار النفط.
الجواب بكل بساطة وضعته مجلة الميد في تقريرها الذي عنونته بـ«تمويل المستقبل» حيث بينت المجلة ان العمل المؤسساتي وتراكم الخبرات التاريخية لها دور كبير في تطور اقتصادات البلدان الخليجية، مشيرة بذلك الى هيئة الاستثمار الكويتية (kia) التي أسست في عام 1984 وجمعت الخبرات وراكمتها على مدى ثلاثة عقود ونيف في استثمار العوائد النفطية في الخارج، واوضحت الميد كيف تحول عمل هذه الهيئة الى عمل مؤسساتي مزود بالخبرات الكفيلة بتحريك هذه الاموال بما فيه المنفعة القصوى المحققة للعوائد.
وتضيف الميد كيف تم استنساخ هذه الهيئة في باقي الدول الخليجية كهيئات للاستثمار الخارجي والتي عانت بدورها من العديد من الصعوبات في بداياتها وذلك لنقص الخبرة. ولتجيب الميد في تقريرها ان العمل المؤسساتي هو الاساس في تطوير اقتصاد اي بلد حيث تقول الميد: لأكثر من 20 عاما مضت بقيت الكويت تزيد من استثمارات عائداتها النفطية في الخارج وعلى مستوى العالم، بينما عانت العديد من الدول الخليجية كقطر والامارات العربية صعوبات جمة في ادارة وتأسيس مثل هذه الاستثمارات.
وذكرت الدورية الاقتصادية الميد ان الكويت حققت نجاحا نادرا متقدمة على نظرائها الخليجيين في اكتوبر الماضي عندما تم تصنيفها بالمركز الاول بين دول المنطقة في التقرير العالمي للتنافسية الاقتصادية والذي جاء نتيجة لاستثماراتها الجيدة للعائدات النفطية، وهذا التقرير الاخير للتنافسية الذي اصدره منتدى الاقتصاد العالمي في 31 اكتوبر صنف الكويت بالمرتبة 30 من حيث اقتصادها الجزئي بمرتبة واحدة أعلى من نظيرتها قطر، لتحتل المركز الاول بين دول المنطقة.
حيث اعتبرت الميد ان المرتبة الجديدة تعتبر صوت ثقة جديدا بالاقتصاد الكويتي رغم الانتقادات التي وجهت الى هذا الاقتصاد من ناحية بطء القرار فيه بالاضافة الى السجال والتنافس الكبيرين بين الحكومة من جهة ومجلس الأمة من جهة اخرى، والذي اعتبرته الميد معيقا للاقتصاد الكويتي حيث تم على اثره الغاء العديد من المشاريع او تأجيلها.
لحظت الميد اسباب نجاح الكويت بتحقيق هذا الانجاز الجديد بعاملين رئيسيين الاول هو الاحتياطي النقدي الوطني الكبير بالاضافة الى الفائض الحكومي، واضافت الميد انه عندما صنفت الكويت بالمرتبة 30 وهو التصنيف الذي اعتبر الاول اقليميا كانت ردود العديد من الخبراء الاقتصاديين متشائمة من حيث تقديم الفضل فيها الى العائدات النفطية الكبيرة في ظل ارتفاع اسعار النفط الخام.
لكن الميد اخذت توجها آخر لتفسير هذا النجاح بين دول المنطقة التي تسعى جميعها للتحول الى مراكز اقتصادية ومالية.
حيث تشير الميد الى ان الكويت عبدت الطريق امام الدول الخليجية الاخرى باستثمار عائداتها النفطية بالخارج، ففي عام 1984 اسست الكويت أول هيئة استثمار حكومية في المنطقة وهي هيئة الاستثمار الكويتية kia والتي تم فيما بعد استنساخها بكل دول مجلس التعاون الخليجي، وفي الوقت الذي تحاول فيه كل من قطر ودبي وضع الخطوط الرئيسية والاولى لاستحواذات خارجية كبيرة وضخمة واصلت هيئة الاستثمار الكويتية عملها بصورة طبيعية، ولكن هذا يبدو انه قد تغير اذ ظهرت اشارات من الهيئة بأنها اخذت تحذو حذو نظرائها في الدول الخليجية فيما يتعلق بالاستحواذات الضخمة والاكثر خطورة، في ظل اخفاقات كبيرة شهدتها بعض الاستحواذات الخارجية لدول خليجية اخرى منها محاولة استحواذ دبي على مطار اوكلاند النيوزيلندي والتي لاقت معارضة شديدة متعددة الاوجه، ومحاولة قطر الاستحواذ على مجموعة السوبر ماركتات العالمية المشهورة سونسباري في نوفمبر الماضي والتي شعرت بالحرج بسبب عرضها الذي بلغ 22.131 مليون دولار، حيث قام بتقديم الاستحواذ مكتبها التمثيلي في لندن (دلتا 2). وفي توقعات محافظة تقوم دول مجلس التعاون الخليجي ممثلة بهيئاتها الاستثمارية بإدارة 1.17 تريليون دولار من الاستثمارات الخارجية. وفي هذا الشأن تقول المديرة الاقتصادية في بنك الكويت الوطني رندا عازار خوري: ان معهد الاموال الدولي وهو مجموعة من المؤسسات البنكية العالمية ومنظمات مالية اخرى اصدرت بيانات مالية توضح ان رأس المال المتدفق من دول الخليج الى الخارج هو 540 مليار دولار، بين عامي 2002 - 2006.
وتضيف خوري ان توقعات المعهد لحجم الاصول لدول الخليج في الخارج هي 1.55 تريليون دولار حتى ديسمبر من عام 2006. اضافة الى 213 مليار دولار موجودة في ارصدة الاجيال المقبلة.
وتشير الميد الى ان الهدف الرئيسي لهيئة الاستثمار الكويتية هو استثمار الفوائض النقدية الكويتية المتنوعة بالخارج، حيث يوجد للهيئة مكتب الاستثمار في العاصمة البريطانية لندن والذي يقوم بإدارة الاصول الخارجية للدولة من هناك واستمر في ادارتها لأكثر من 50 سنة، كما ان الهيئة استثمرت في شركات محلية واقليمية وذلك بأموال الاحتياطي النقدي لدعم هذه الشركات وتقوية الاستثمارات الخارجية. وتردف الميد ان اعمال الهيئة جميعها تتم تحت اشراف ورقابة البرلمان الكويتي لكنها تختلف عن آلية مراقبة قرارات الانفاق الداخلي، لذا لن تعاق قرارات الهيئة بسبب الخلاف الجاري بين البرلمان «مجلس الامة» والحكومة، اذ ان الهيئة تعتبر سلطة استثمارية مختلفة تساهم في تطوير الكفاءات والقدرات الاستثمارية الكويتية، من خلال استثمارات خارجية لعوائد الطفرة النفطية التي يصعب على السوق الداخلية استيعابها.
حيث ذكر البنك الوطني ان التوقعات المالية لعامي 2007/2008 ستكون الاكبر في تاريخ البلد بما يقارب 7 مليارات دينار، وتضيف الخوري: لا يوجد اقتصاد يستطيع ان يتحمل هذا الحجم من الاستثمارات فكلها عوامل تضخمية وقد ضخت الحكومة ما يكفي من الاموال في الاسواق الداخلية حتى الآن، ليكون مجموع الاصول الكويتية في الخارج 400 مليار دولار.
ويقول الخبير الاقتصادي بدول الخليج في بنك «اتش اس بي سي» ان الهيئة اسست في وقت كانت فيه العائدات النفطية متواضعة الامر الذي يجعلها بإعادة تصليح لأن سعر برميل النفط وصل الى 90 دولارا.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )