تعتبر الاوساط المالية والاقتصادية ان الاستثمار الأجنبي المباشر من أهم العناصر لتفعيل الحركة الاقتصادية، حيث ان مصلحة لبنان الأكيدة تقضي بتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر بسبب منافعه المتعددة.
ولم يفرض لبنان بشأن الاستثمار الأجنبي المباشر اطارا تنظيميا محددا. فالاقتصاد اللبناني يمتاز تقليديا بأنه اقتصاد لا قيود فيه على التبادل التجاري وعمليات الصرف، مع وجود سياسة استثمار منفتحة ودور اقتصادي محدد للقطاع العام.
ان المناخ السائد في الاقتصاد اللبناني هو جو ملائم لتطوير القطاع الخاص.
وليس سرا ان فرص الاستثمار في لبنان انحسرت في الأعوام الأخيرة لأسباب سياسية وأمنية، وانعدام الحوافز لتطوير الأسواق المالية وتشريع القوانين المرعية بما فيها موضوع الخصخصة، وشبه انعدام الأسواق الثانوية بما فيها البورصة، ما أدى الى انكماش في حجم الاستثمار في القطاعات الانتاجية والتجارية والصناعية وغيرها.
ولكن مع ذلك يبقى لدى لبنان الفرص المستقبلية لكي يكون مركزا من مراكز الاستثمار في المنطقة بسبب الطفرة التي تعيشها منطقة الخليج العربي. ويلعب مصرف لبنان والقطاع المصرفي في هذا المجال دورا يتناسب مع مقتضيات تشجيع الاستثمار، من خلال عدة أمور: الحفاظ على الاستقرار النقدي، والقدرة على احتواء التضخم اللذين يشجعان أصحاب المشاريع على الاستثمار لأنهما يمكنان المستثمرين من اجراء التقييمات لتكاليف استثماراتهم والعائدات المتوخاة منها، خصوصا فيما يتعلق بالمشاريع المعروضة للخصخصة، ولقد مرت سياسة الاستقرار النقدي بتجارب كثيرة ومتنوعة خاصة خلال السنوات الأخيرة حيث كانت الأصعب، وقد مرت بسلام، وتم التعامل بكفاءة مالية مع حادثة 14 فبراير وحرب يوليو التي لم تشهد سابقا تطورا بحجمهما وثقلهما، وكانت نتائجهما ملائمة لناحية تأييد واعجاب المؤسسات المالية ومؤسسات التصنيف الدولية، بادارة التعامل مع حدثين بهذا الحجم، واستقطاب التمويل اللازم للقطاعين العام والخاص وتأمين الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، كما باتت المصارف تتمتع بكفاءة عالية في ادارة مطلوباتها وموجوداتها ومدفوعاتها، وأصبحت تعتمد في أدائها على المعايير الدولية في كفاية رأس المال والمحاسبة والشفافية وحسن الادارة والرقابة والتحوط من العمليات المشبوهة، لاسيما عمليات تبييض الأموال. كما انها تعتمد ضد المخاطر الرئيسية تدابير تحوط أشادت بها تقارير صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية. ولا تميّز المصارف اللبنانية في حيازة أسهمها بين اللبناني وغير اللبناني، وتتقن التعامل بايصالات الايداع العمومية والأسهم التفضيلية وحقوق الخيار التي تغري بتنوعها المستثمرين الذين يفتشون عن العوائد الأعلى من التي تدفع للمساهمين العاديين.
وتشدد الاوساط المصرفية في هذا المجال على عدة أمور منها: الظروف المؤاتية لزيادة الرساميل المصرفية بسبب الفوائض المالية في العالم العربي ومنطقة الخليج، ثم ان التطلعات الى سوق بيروت المالية لا تزال ترتقب ارتفاعات قياسية في معزل عن انعدام الاستقرار السياسي السائد. ان النظام المصرفي اللبناني يتمتع بمرونة غير متوافرة في الدول العربية الأخرى حيث ثمة قيود على التملك المصرفي للأجانب، الآمال المعلقة على القطاع الخاص لاحداث نمو في لبنان ولجذب الرساميل وتوفير فرص عمل جديدة.
ان لبنان بدأ يستفيد من الاستثمارات العربية العائمة نتيجة فورة أسعار النفط لسببين: الأول، القيم السوقية لاتزال الأدنى في لبنان بالنسبة الى أي أداة مالية، ما يجعل الطلب يتوسع على كل ما هو متوافر، وهو ما يحصل مع كل الأسهم المدرجة في بورصة بيروت، التي تعتزم توسيع ادراجاتها وتعزيز سيولتها. الثاني، عدم تنوع الأدوات المالية في الأسواق العربية والخليجية القادرة على امتصاص السيولة الفائضة، ما يجعل الأنظار تتجه الى ضرورة ان يبادر لبنان الى ايجاد أدوات جديدة، لا سيما في مجال تعزيز السوق المالية وتفعيل البورصة والمباشرة بعمليات الخصخصة، او على الأقل ادراج أسهم الشركات المملوكة من الدولة في البورصة.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )