تشكل المشاريع الصغيرة احدى الوسائل الجوهرية لمعالجة معضلتين أساسيتين في الاقتصاد وهما البطالة الحقيقية المقدرة خلال العقد المقبل والاختلال الهيكلي في سوق العمل والمتمثل بتركز معظم العمالة الوطنية في القطاع العام الذي يسيطر على مجمل الاقتصاد الوطني. وكان القطاع الحكومي استوعب خلال السنة المالية الماضية نحو 75% من اجمالي العمالة الوطنية الجديدة أي ان 25% من تلك العمالة توزعت بين القطاع الخاص او أسست مشروعا صغيرا او دخلت في نفق البطالة الحقيقية. ويعد العمل في القطاع العام هدفا جاذبا للباحثين عن العمل مقارنة بالقطاع الخاص او بالراغبين بانشاء مشروع صغير بسبب عدم توافر البيئة الاجتماعية والثقافية والتشريعية لامتصاص وجذب هذه العمالة الى العمل الحر. ومن المعضلات التي تواجه عملية نجاح فكرة العمل في المشاريع الصغيرة في الكويت هي ان المشاريع الصغيرة سواء كانت حرفية او صناعية او خدمية او خلافه قد لا تجد في اطار قيم الثقافة السائدة في المجتمع الكويتي مكانا واسعا مقابل سيطرة كبيرة لقيم الوظيفة الحكومية المستقرة.
وبالرغم من ان الصناعة الحرفية والمتوسطة قد عرفت لدى الكويتيين في حقبة ما قبل اكتشاف النفط وكانت عمودها الفقري الا ان تطور الكويت في حقبة ما بعد النفط الى قطاع اقتصادي ريعي اوجد ثقافة الاعتماد على القطاع العام وولد قيما سلبية قد لا تتناسب مع قيم الاقتصاد الانتاجي المتعارف عليه في المجتمعات الصناعية المتقدمة. ونتيجة لذلك تشكل المشاريع الصغيرة احد الروافد الأساسية والحلول الاقتصادية لامتصاص مخرجات المؤسسات الأكاديمية والتطبيقية والتعليم الثانوي وغيرها من المخرجات الأخرى التي تدخل سوق العمل بحثا عن العمل لضمان استقرارها المعيشي.
ووفقا لتقديرات منظمة العمل الدولية فانه يجب خلق 80 مليون فرصة وظيفية في سوق العمل في العالم العربي خلال العقد المقبل كما ان المنظمة تقدر متوسط البطالة الحالية لدى الشباب العربي بنحو 27% ولدى النساء بـ50%. ويعد شبح البطالة التحدي الأكبر الذي يطل على العالم العربي بسبب الاختلالات الهيكلية في اقتصاديات العالم العربي وضعف مصادر الدخل وتخلف الادارة وشيوع البيروقراطية. بيد ان بعض الدول مثل الكويت تتمتع حتى الآن بهامش من الحرية في التحرك نحو برامج الاصلاح الاقتصادي الذي قد يحقق فرص عمل ملائمة في سوق العمل لاسيما في قطاع المشاريع الصغيرة الذي مازال في مهده. ويحتاج الأمر الى نظرة منهجية الى نوعية الأعمال الصغيرة والمتوسطة واعادة هيكلتها واعطاء فرصة للعمالة الوطنية الجديدة لأخذ فرصتها في التنافس وخوض غمار تحديات السوق الحر من خلال التعليم والقدرة على الاستثمار والابتكار. ووفقا لبيانات غير رسمية صادرة عن غرفة تجارة وصناعة الكويت فان هناك نحو 450 ألف وافد يعملون في نحو 80 ألف منشأة صغيرة او متناهية الصغر ويشكلون 60% من اجمالي العمالة الوافدة في القطاع الخاص. ومن الممكن ان يتم استثمار هذه المنشآت التي تشكل قاعدة كبيرة لخدمة أهداف أخرى من اهمها قضية التنمية الاقتصادية وقضية مكافحة البطالة وبذلك يصبح بالامكان معالجة قضية البطالة خلال العقد المقبل في حال تمت اعادة النظر في واقع المشاريع الصغيرة وكيفية اعادة هيكلتها وتدويرها بطريقة تخدم الاقتصاد الوطني.
ويتعين ان يكون هناك اطار تشريعي يحمي هذه المشاريع لاسيما فيما يتعلق بقضايا الترخيص وحقوق الملكية والحماية من الممارسات غير التنافسية اضافة الى توفيرالبرامج التدريبية سواء في النظم المحاسبية او الادارية او التسويقية التي تشكل احد أسس بناء المشروع الصغير حيث غالبا ما يدخل الفرد الى السوق دون أن يتمتع بمهارات أساسية لمواجهة المنافسة فيه. كما يجب اعادة النظر في صياغة المشروع الصغير.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )