هشام أبو شادي
على الرغم من الخسائر الضخمة التي تكبدها سوق الكويت للاوراق المالية خلال الشهر الماضي، إلا أن المخاوف الحقيقية تكمن في ان تكون الفترة المقبلة اسوأ، في ظل حالة الضبابية التي تسود اوساط المتعاملين واستمرار تداعيات ازمة الرهن العقاري الاميركي على اسواق المال العالمية.
ونظرا لصعوبة التنبؤ بما سيحدث لوضع السوق الكويتي في الفترة المقبلة لاسباب عديدة سواء ما يتعلق بالوضع المحلي والاقليمي او العالمي خاصة ما يتعلق بوضع اسواق المال العالمية، في ظل هذه الصورة القاتمة على المستوى العالمي، وبالتالي على المستويين الاقليمي والمحلي، فإن هناك بريق امل يكمن في امكانية قيام اصحاب المصالح في السوق من المجاميع الاستثمارية الكبيرة بالدفاع عن مصالحهم بدلا من ترك الوضع العام في السوق ليصل الى مرحلة افلاس الشركات بعد ان تم افلاس العديد من المتعاملين.
فعند بداية الازمة الائتمانية الاميركية لم يتوقع المسؤولون عن السياسة المالية والنقدية والاقتصادية في اميركا ان تصل الى حد افلاس العديد من المؤسسات المالية والخسائر الحادة التي لحقت بأسواق المال العالمية والتي قدرها البعض بانها تتراوح بين 17 و20 تريليون دولار ولا تزال الكارثة مستمرة، حتى ان البعض من المحللين والسياسيين على المستوى العالمي يرون ان اميركا قد تفقد ريادتها الاقتصادية العالمية.
الصورة العامة للسوق
ما حدث من تدهور للسوق الكويتي في الشهر الاخير من الربع الثالث ستظهر تداعياته على النتائج المالية للشركات في تلك الفترة وبالتالي سيزداد الوضع العام للسوق سوءا.
فمع نهاية النصف الأول من العام الحالي، اغلق المؤشر السعري على مستوى 15456.1 نقطة، فيما اغلق المؤشر في نهاية الربع الثالث على 12839.3 نقطة، ما يعني ان المؤشر السعري تكبد خسائر في الربع الثالث تقدر بنحو 2616.8 نقطة، ونحو 2815 نقطة من اعلى مستوى بلغه في 24 يونيو الماضي والبالغ 12654 نقطة.
كذلك اغلق المؤشر الوزني في نهاية النصف الاول على 771.34 نقطة، فيما انه اغلق في نهاية الربع الثالث على 348.22 نقطة، ما يعني انه تكبد خسائر في الربع الثالث تقدر بنحو 123.12 نقطة، وبالنظر الى خسائر مؤشري السوق، فإنها تعد ضخمة، ولكن نظرا لاستمرار عمليات التلاعب في المؤشرات العامة للسوق، فإن الأسعار الحالية للعديد من الاسهم تعتبر تراجعت بمعدلات اكبر بكثير من تراجع مؤشري السوق في الربع الثالث، وقد تكبدت القيمة السوقية خسائر بلغت نحو 6.1 مليارات دينار منذ بداية العام لتصل الى 53 مليار و454 مليون دينار مع نهاية الربع الثالث مقارنة بنحو 59 مليار دينار و566 مليون دينار في نهاية العام الماضي بانخفاض نسبته 10.3%، فيما ان السوق فقد حوالي 12 مليار دينار من اعلى قيمة سوقية وصلها خلال العام الماضي.
أزمة الثقة
في ظل الاوضاع المحلية والاقليمية والعالمية، فإن السوق الكويتي يمر بأزمة ثقة حقيقية واثارها الضيقة ستظهر خلال تعاملات الاسبوع الجاري ما لم تدافع المجاميع الاستثمارية عن مصالحها في السوق من خلال التحرك الجماعي لشراء جزء من نسبة 10%، وذلك تزامنا مع السيولة المالية التي تضخها الهيئة العامة للاستثمار.
فما مرت به اسواق المال العالمية من انهيارات خلال اجازة عيد الفطر المبارك زاد بقوة من جرعة الهلع لدى اوساط المتعاملين، الامر الذي سيجعلهم متحفزين لعمليات بيع عنيفة في حال بدأت تداولات السوق على هبوط حاد اليوم (الاحد).
وهناك جملة من العوامل التي تثير المخاوف والقلق لدى اوساط المتعاملين.
أولا: مع الهبوط الحاد للمؤشر السعري للسوق في الفترة بين نهاية النصف الأول ونهاية الربع الثالث بمقدار 2616 نقطة، فإنه حتما سينعكس ذلك سلبا على النتائج المالية للشركات في الربع الثالث، الأمر الذي سيزيد من تداعيات الاتجاه النزولي للسوق فمن المتوقع ان تتكبد الكثير من الشركات خسائر ضخمة خاصة الشركات التي لديها ارباح كبيرة ناتجة من بند الأرباح غير المحققة.
ثانيا: البوادر السياسية غير المريحة على مستوى العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في ظل وجود العديد من الملفات المهمة، ولكن من الضروري للسلطتين ان تأخذا في الاعتبار اهمية انجاز الملفات الاقتصادية المؤجلة خاصة اقرار الخطة الخمسية التنموية وقانون هيئة سوق المال، وخروج السوق الكويتي من أزمته الحالية يتوقف على مدى سرعة الجهات الحكومية والمجاميع الاستثمارية لوقف النزيف المتواصل، وأساس التحرك الحكومي يتمثل في سرعة الإنفاق على المشاريع التنموية.
ثالثا: على الرغم من ان البعض يحاول التقليل من آثار تدهور اسواق المال العالمية على الشركات المدرجة إلا ان الآثار الفعلية لهذه الأزمة تتمثل في استثمارات الكويت الخارجية والتي تديرها الهيئة العامة للاستثمار، فأغلب الصناديق السيادية على المستوى العالمي تكبدت خسائر ضخمة، وبطبيعة الحال فإن الصناديق السيادية الخليجية تكبدت خسائر ايضا، لا احد يعرف حجمها نظرا للسرية الشديدة التي تدار بها هذه الصناديق، وبالتالي فمع استمرار تدهور اسواق المال العالمية، فإن خسائر الصناديق السيادية ستزداد، الأمر الذي سيؤثر على حجم هذه الاستثمارات، وايضا الفوائض النفطية التي تحققت في السنوات الماضية.
رابعا: أسعار النفط، فمع الأزمة الاقتصادية العالمية، من المتوقع ان يتراجع تدريجيا حجم الطلب على النفط، وبالتالي انخفاض الأسعار وبالتبعية تراجع الفوائض المالية، الأمر الذي سيؤثر بشكل واضح على تراجع التنمية الاقتصادية في دول الخليج، ففي بدايات الربع الثالث من العام الحالي وصل سعر برميل النفط الى نحو 140 دولارا والآن وصل الى 93 دولارا، مع التوقعات بأن يزداد الاقتصاد العالمي ضعفا في النمو الاقتصادي، الأمر الذي سيؤدي الى المزيد من انخفاض أسعار النفط، وهذا بالتبعية سينعكس سلبا على البورصة.
وعلى الرغم من ان العوامل السابقة تثير القلق والتوتر تجاه السوق وتساهم في الاندفاع العشوائي نحو البيع، إلا ان من طبيعة الأسواق ان تمر بمرحلة من دورات النشاط والركود، والاسواق العالمية والوضع الاقتصادي العالمي يدخل في مرحلة الركود والاسواق الخليجية تأثرت بقوة بما يحدث عالميا، ومع ذلك ورغم الخسائر الضخمة التي لحقت بالسوق الكويتي إلا انه يُعد أقل الأسواق العربية انخفاضا على مدى السنوات الثلاث الماضية، خاصة الشهر الماضي، فالسوق السعودي تكبد خسائر منذ عام 2005 وحتى الآن تقدر بنحو 15 الى 16 الف نقطة تقريبا.
وأهم ما يميز السوق الكويتي وجود عدد كبير من صناديق الاستثمار فيه والتي رغم أهميتها في استقرار السوق إلا ان القائمين على ادارة بعضها لا يتمتعون بالاحترافية، بل ان بعض مديري الصناديق يحقق مكاسب ذاتية على حساب المساهمين في الصناديق، وهو ما يدعو الى رقابة شديدة على الصناديق.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )