أحمد سمير
ها هو البنك المركزي انجز، وها هي الحكومة اقرت اللائحة التنفيذية لقانون تعزيز الاستقرار المالي في البلاد في وقت قياسي أقل مما توقعه الكثيرون، وهذا يعكس بوضوح إدراك الجهتين للأهمية التي ينطوي عليها الوقت في فترة من أصعب واشد الفترات التي يمر بها الاقتصاد الوطني، والشركات الوطنية التي كانت تملأ الشارع الاقتصادي المحلي والإقليمي واحيانا العالمي حضورا وازدهارا ولكنها تعيش اليوم أزمة دقيقة وحرجة تضعها على المحك وفي وضع مصيري مؤلم.
وفيما انتهت مراحل تشخيص الأزمة تم البحث عن حلول واقرار التشريعات وبدأت المرحلة الأصعب وهي التنفيذ.
ويقول مراقبون انها مرحلة البنك المركزي بامتياز وهي الفرصة الحقيقية للخروج من اجواء التشاؤم السائدة.
ولكن رغم هذه التطورات تعبر مصادر اقتصادية عن تحفظها ازاء المرحلة المقبلة بقولها ان العبرة بالنتائج وليست بالقوانين فالمهم حسن التطبيق وتشخيص العلاج الملائم لكل حالة على حدة دون تفريط في المال العام وتوفير الضمانات اللازمة لاسترداده واعادته الى خزانة الدولة بحال استخدامه.
ومثلما قال محافظ البنك المركزي الشيخ سالم العبدالعزيز ان الوصول لتحديد الأوضاع الحقيقية للشركات الاستثمارية المتضررة هو الأساس.
والأمر يحتاج الى طاقم فني عالي المستوى من المدققين الماليين، فإن الاقتصاديين يطالبون بأطقم من المراقبين الماليين بعيدين عن مراقبي حسابات تلك الشركات المتضررة، وهنا تثير المصادر الاقتصادية علامات تساؤل حول عمليات التدقيق ومراقبي الحسابات الذين كانوا يدققون اوضاع الشركات المتضررة، وترى انهم يتحملون جزءا من المسؤولية عن الوضع الذي آلت إليه تلك الشركات من خلال الاتفاق مع مسؤوليها على التدليس والإيحاء بقانونية بعض الامور رغم مخالفتها.
ولذا فإن الوضع الحالي يتطلب التدقيق الفعلي لإظهار حجم العجز واسبابه وما اذا كان ناتجاً عن الازمة المالية العالمية وانخفاض قيمة الأصول وإحجام البنوك عن تقديم التمويل فقط، ام ان الأوضاع التي بلغتها الشركات قد جاءت نتيجة لأخطاء ادارية ارتكبها مسؤولو تلك الشركات ومتخذو القرارات فيها؟ اذ انه من غير المقبول تعميم الأزمة على كل الأوضاع وان تصبح الأزمة العالمية مثل قميص عثمان والشماعة التي تعلق عليها كل الأخطاء هو أمر غير مقبول.
وتتابع المصادر حديثها موضحة ان الأزمة المالية العالمية كان لها تأثيرها الجزئي في إحداث حالة الهلع التي اصابت الأسواق ولكننا مطالبون ايضا بالتدقيق في معرفة حقيقة الأوضاع التي تمر بها الشركات المتضررة قبل ان نعطيها نصيبها الذي حدده لها قانون تعزيز الاستقرار المالي من المال العام وهو امر تضمنته مبدئيا نصوص المرسوم بقانون ولائحته التنفيذية.
وتضيف المصادر ان القائمين على تنفيذ القانون مطالبون ايضا بالابتعاد تماما عن البيروقراطية لأن عامل الوقت مهم جدا في هذه الظروف التي نمر بها لاسيما ان المهمة ليست سهلة وتنطوي على دقة شديدة.
ولم يخل حديث المصادر من الاشارة بأسف الى الدور الذي لعبه مجلس الأمة السابق في تأخير اقرار مشروع قانون تعزيز الاستقرار المالي ولحظات المساومة والابتزاز التي مارسها بعض اعضائه على حد قول المصادر بهدف اسقاط فوائد قروض المواطنين بغير حق.
وتختتم المصادر حديثها بالإعراب عن املها في ان يتم تطبيق اللائحة التنفيذية بكل دقة وشفافية وان تتجاوب الشركات المعنية ايضا بشفافية مطلقة وتبقى في الختام كلمات لابد منها:
إلى البنك المركزي: عليكم التدقيق بدقة على وضع الشركات المتضررة والاستعانة بفرق تدقيق عالية الكفاءة والمستوى والحيادية.
إلى الشركات المعنية: من مصلحتكم الافصاح عن كل اوضاعكم بشفافية ومصداقية والتعاون المطلق مع ادارة البنك المركزي ومحاولة اعادة رسم فلسفة جديدة لسياساتكم الاستثمارية.
إلى الجمعيات العمومية: الرأي الأول والأخير للجمعيات العمومية التي غيبها بعض رؤساء الشركات حين راحوا يأخذون التوكيلات من كبار المساهمين وبالتالي لم يكن المسؤولون يجدون من يحاسبهم على اخطائهم فيصبح رئيس مجلس الإدارة هو الخصم والحكم في الجمعية العمومية فيما كان يفترض ان يأخذ المساهمون حقهم في الاطلاع على البيانات المالية للشركة قبل الانعقاد بوقت كاف ليقرأوا الميزانية ويضعوا ملاحظاتهم عليها ويناقشوا المسؤولين عنها، اذ تظل الجمعيات العمومية هي المجال الوحيد لتصحيح مسار الاعوجاج في اي شركة خاصة ان هناك بعض الشركات للأسف وصلت الى ما وصلت إليه رغم رقابة البنك المركزي عليها والتي توسعت في مجال الاستثمار توسعا غير عقلاني، اذ وصلت نسبة الاستثمار الى حجم رأس المال من 1 الى 10.
وفي الختام يبقى الأهم فيما قلناه من ان «العبرة بالنتائج».
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )