قليلة هي الأساطير في العالم التي تفوق خطورة الخرافات المحيطة بالمسيرة المهنية لوارين بافيت، المستثمر الأكثر تمجيدا واحتراما على مر التاريخ، حسبما جاء في موقع بيزنيس إنسايدر نقلا عن كتاب كولن روش الجديد «الرأسمالية البرجماتية: ما يحتاج كل مستثمر أن يعرفه عن المال والتمويل».
ويعتقد على نطاق واسع أن بافيت أصبح أغنى رجل في العالم بحكم اختيار أسهم لاستثمار أمواله فيها، لكن الرجل يعاني سوء فهم كبيرا من جانب الرأي العام.
بافيت، في نظر غالبية الناس، شخص يسعى بجد للعثور على «أسهم القيمة» ليضخ فيها المال ثم يجلس وينتظر جني أرباح طائلة، لكن ذلك أبعد ما يكون عن الحقيقة، حيث بات جيل كامل يعتقد أن أسلوب الشراء والاحتفاظ هو أفضل السبل لجمع الثروة من البورصات.
لكن على عكس الأساطير الشعبية، وارين بافيت هو رجل أعمال شديد الحصافة، ويتعين على المرء أن يغوص في مسيرته الشخصية ليتفهم مدى خطورة هذه الأساطير.
إن المبالغة في تبسيط نهج هذا المستثمر المبجل المدعو بافيت خلقت لدى الرأي العام اعتقادا خاطئا بأن إدارة المحافظ أمر يسير يستطيع الإنسان الحجري أن ينجزه، وهكذا نشاهد إعلانات لرضع يضاربون في الأسهم من مهودهم، ورجال في أواسط العمر يشترون ويبيعون الأوراق المالية خلال أوقات فراغهم.
ويمضي الكاتب قائلا إن جيشا من الأميركيين يضخ المال والعمولات في شركات السمسرة في محاولة لمحاكاة ما لا يمكن محاكاته، مشيرا إلى أن الشركات المالية تريدنا أن نصدق أسطورة وارين بافيت.
ويؤكد الكاتب أنه يكن كل احترام للسيد بافيت، بل ويعترف أنه كان يطبع كل خطاباته السنوية ويقرأها بعناية شديدة، واصفا إياها بأنها أعظم تعليم تلقاه على الإطلاق في مجال الأسواق، لكنه يشدد في الوقت نفسه أن ما بناه بافيت أكثر تعقيدا مما تقدمه لنا وسائل الإعلام.
ويدلل على ذلك بأن السيد بافيت أنشأ أحد صناديق التحوط عام 1956، بل وتقاضى رسوما مشابهة للرسوم التي يرفضها الآن في صناديق التحوط الحديثة، مؤكدا أنه رجل أعمال مبادر أكثر منه مجرد منتق للأسهم الرابحة.
بافيت، شأنه شأن معظم الأشخاص الآخرين المدرجين في قائمة فوربس لأغنى 400 إنسان في العالم، حقق ثروته عبر إنشاء شركته الخاصة، فهو لم يكدس المال مثلنا في حسابات بشركات السمسرة ووزع مدخراته على أسهم متنوعة، بل هو رجل أعمال شديد الحنكة ومدير صندوق تحوط ناجح.
بافيت، في كثير من الأحوال، كان ينخرط في أعمال استثمارية حقيقية عبر ضح رؤوس الأموال في الشركات ولعب دورا فعالا في عملية الإنتاج ذاتها، كما أنه ألقى برهانات قصيرة وطويلة الأجل في أسواق المشتقات المالية والسندات.
علاوة على ذلك، لا تمثل محفظة الأسهم التي أصبح مشهورا بها سوى 28% فقط من قيمة مؤسسة بيركشاير هاثاواي التي يرأسها بافيت، بل إن أشهر ممتلكاته في (كوكاكولا، أمريكان إكسبريس، موديز) تمثل نحو 8% فقط من إجمالي رأسمال السوق الأميركي.
وأخيرا، يبقى أن نعرف أن بافيت اشترى أمريكان إكسبريس وجيكو للتأمين، عندما كانت الشركتان على شفا الإفلاس، في صفقة أقرب إلى ما تفعله صناديق التحوط الآن، أكثر منها عملية استثمار تقليدي في القيمة.