قال تقرير لمركز الجُمان للاستشارات الاقتصادية عن سوق الكويت للأوراق المالية انه ولأول مرة منذ بداية العام الحالي يحقق المؤشر الوزني لسوق الكويت للأوراق المالية أداء إيجابيا بمعدل 5%، وأيضا المؤشر السعري ـ ولو بدرجة أقل ـ بمعدل 3%، وقد كان أداء المؤشرين ايجابيا لشهر مايو الجاري بمعدل 8 و6% للوزني والسعري على التوالي. واعتقد التقرير أن الأداء الإيجابي له ما يبرره من عدة جوانب، منها: إقرار قانون الاستقرار المالي وتوقع تمريره في مجلس الأمة، تحسن المناخ الاقتصادي العالمي ولو بشكل متواضع وحذر، ارتفاع أسعار النفط نسبيا، النتائج الإيجابية لانتخابات مجلس الأمة، وفقا لرأي شريحة مهمة من المهتمين وتحسن نتائج مجمل الشركات المدرجة في الربع الأول بالمقارنة مع الربع الراب من 2008. واضاف التقرير انه ورغم المبررات الموضوعية لتحسن اداء البورصة كما تم ذكرها أعلاه، إلا أن التداولات المصطنعة لشريحة من الأسهم المدرجة مازالت مستمرة بل وبزخم أكبر، حيث تم التداول على بعض الأسهم خلال شهر مايو بما يزيد على تداولها خلال العام الماضي كاملا، وذلك دون تغيرات جذرية في قائمة كبار الملاك، ودون مستجدات على صعيد الشركات المعنية من حيث الأداء، بحيث تبرر التداول المكثف عليها، والذي من شأنه الحد من تعزيز عنصر الثقة، والذي تحسن إلى حد ما على خلفية المتغيرات الإيجابية الأخيرة.
من جهة أخرى، يجب ألا ننسى خلال أجواء التفاؤل السائدة حاليا وجود عدة ملفات كبيرة ومعقدة لم يتم حلها حتى الآن، وهي المتعلقة بالشركات المتعثرة والورقية، وأيضا بما يرتبط بالأصول المسمومة والنزاعات القانونية المتعددة والشائكة مابين عدة أطراف، حيث يجب أخذ تلك المعطيات السلبية في الاعتبار، حيث انها من المرجح أن تلقي بظلالها على أداء سوق المال من وقت لآخر، وذلك تبعا للتطورات المرتبطة بها. وقد ارتفع متوسط التداول اليومي بمعدل 6.5% في مايو الجاري ليصل إلى 142.0 مليون دينار بالمقارنة مع 133.4 مليون دينار لشهر ابريل 2009، وبالرغم من ارتفاع المؤشرات والتداول، إلا إن متوسط سعر السهم للسوق قد سار عكس الاتجاه، أي نحو الانخفاض، حيث تراجع من 184 فلسا في إبريل إلى 170 فلسا في مايو، مما يؤكد عمليات التدوير المصطنعة للأسهم المنخفضة القيمة، ناهيك عن المضاربة على شريحة أخرى من الأسهم الرخيصة، خاصة المتعثرة والورقية منها، ونود الإشارة إلى أنه قد تبقى يوم واحد للتداول في شهر مايو الجاري، والذي لم يتم أخذه في الاعتبار في الإحصائيات أعلاه.
«المركزي» وشركات الاستثمار
وبين التقرير ان الصحف المحلية قد نقلت في 14 مايو الجاري تصريحا لمحافظ بنك الكويت المركزي بشأن الانتقادات الموجهة إليه فيما يتعلق برقابته على شركات الاستثمار، والتي كانت الأكثر تضررا جراء سوء الإدارة والفساد الذي انكشف على خلفية الأزمة الاقتصادية العالمية.
ومما لا شك فيه أن لمحافظ البنك المركزي وجهة نظر في هذا الموضوع هي محل اعتبار، وبما أنها وجهة نظر، فإنها معرضة للتعليق والنقد بكل تأكيد، خاصة في ظل التأثر السلبي الجسيم للاقتصاد الكويتي جراء ممارسات المسؤولين عن الشركات المدرجة عموما، وشركات الاستثمار خصوصا، ما أدى إلى النيل من سمعة الكويت الاقتصادية، وتهديد مكانتها المرموقة، والتي كان البنك المركزي ولايزال أحد دعائمها الأساسية. وقد مارس البنك المركزي دورا حيويا في الحفاظ على الاقتصاد الكويتي خاصة فيما يتعلق بقطاع البنوك، وهو القطاع الأكثر أهمية وحساسية، وقد أدت ممارساته المهنية إلى إثارة البعض، سواء كانوا من الفاسدين أو الأطراف المرتبطة بسوء الإدارة، بالإضافة إلى محدودي الثقافة الاقتصادية والفهم المطلوب لتقييم قرارات البنك المركزي، كما انتقد إجراءات البنك المركزي مجموعة من المتخصصين ولو أنها محدودة العدد للغاية، وذلك من خلال طرح علمي ومنطقي، أي أن النقد كان بناء وهادفا للمصلحة العامة، وهو أمر مطلوب دون أدنى شك.
ومن أمثلة الإجراءات الإيجابية والمهمة وربما المصيرية أيضا التي قام بها البنك المركزي فيما مضى التالي:
1- اتخاذ إجراءات احترازية لتقييد وتنظيم الائتمان خلال العام 1997، نظرا لزيادة جرعة المضاربة الضارة في سوق المال وقتها، والذي أدى إلى تقليص الأزمة التي حدثت خلال العام 1998، والتي كانت نموذجا مصغرا للأزمة الحالية.
2- اتخاذ إجراءات استثنائية في بداية ومنتصف 2008 عقب تفاقم أزمة الرهن العقاري الأميركية، وذلك من حيث تشديد الرقابة على الاقتراض، والتأكد من عدم استخدامه وقودا للمضاربة في العقار والأسهم، وزيادة حدة التضخم.
3 - فك ربط الدينار الكويتي بالدولار الأميركي، نظرا للضعف المستمر لهذا الأخير، والذي تسبب في إحداث ضغوط تضخمية مستوردة وغير مبررة، حيث أدى ذلك الفك إلى تعزيز قيمة الدينار الكويتي، وزيادة قوته الشرائية والحد من ارتفاع نسب التضخم المتصاعدة بشكل سريع حينها.
4 - عزل عدد من رؤساء البنوك، والذين أساءوا إدارتها واستفادوا بشكل غير مشروع منها، وذلك رغم كون هؤلاء الرؤساء من المتنفذين وشخصيات كبرى معروفة، حيث لم يشفع لهم ذلك أمام جدية وحزم البنك المركزي، نظرا للخطر الذي كان يشكله هؤلاء على المؤسسات المصرفية والقطاع المالي عموما.
5 - دور البنك المركزي في قيادة فريق معالجة تداعيات الأزمة العالمية على الاقتصاد الوطني، وإصدار قانون الاستقرار المالي، والذي يعتبر آلية مهنية دقيقة لمعالجة الأزمة على القطاع المالي، والذي أدى إلى استعادة جزء مهم من الثقة المفقودة ووضع حد لانهيار سوق المال، ورغم وجود بعض الانتقادات الموضوعية لذلك القانون، إلا أنها لا ترقى إلى التقليل من أهميته البالغة في تحقيق الخطوة الأولى والمهمة في طريق كبح المخاطر الكبرى الناجمة عن الفراغ التشريعي والرقابي للحفاظ على الكيان المالي للدولة.
6 - تشديد الرقابة على البنوك على خلفية الشكاوى من تجاوزاتها في احتساب الفوائد والمرابحات وآجال القروض، وغيرها من الممارسات السلبية لبعض البنوك، والتي كانت ظالمة ومؤلمة لشريحة لا يستهان بها من المقترضين خاصة الأفراد، وقد أدت تلك الرقابة ـ ولو أنها تأخرت ـ الى إعادة بعض الحقوق لأصحابها وتغريم بعض البنوك المتجاوزة غرامات مؤثرة ورادعة، وكذلك تقنين الاقتراض وتوضيح شروطه وطرق احتساب أعبائه وسداد دفعاته.
كما قام البنك المركزي بالعديد من الخطوات الايجابية التي نعلمها والتي لا نعلمها أيضا، وذلك في سياق الواجب المكلف به في رقابته وتنظيمه للقطاع المصرفي، والذي بالتأكيد لا يصل إلى مرتبة الكمال، بدليل حدوث أزمة أو فضيحة بنك الخليج، والتي تم تداركها من قبل البنك المركزي والجهات الرسمية الأخرى المعنية بكل
كفاءة واقتدار، حيث يجب ألا نتوقع إحكام الرقابة 100% على البنوك، وهذا أمر مقبول ومتعارف عليه حتى في أكثر الدول تقدما، لكن تعامل البنك المركزي مع شركات الاستثمار لم يكن بالمستوى المطلوب الذي يتم مع البنوك، حيث اتسم دوره بالتراخي والتجاوز على خروقات كبيرة وجسيمة ومتكررة أيضا من جانب العديد من شركات الاستثمار، ومن تلك الممارسات السلبية:
1 ـ ضعف الرقابة بشكل عام، والذي أدى إلى استهتار القائمين على شريحة كبيرة من شركات الاستثمار في إدارة أموال تلك الشركات، والأخطر من ذلك الأموال المودعة لديهم كمحافظ، والمتعارف عليها باسم «خارج الميزانية».
2 ـ استخدام القروض في غير أغراضها، ناهيك عن المبالغة فيها، وأيضا عدم تناسب آجالها مع آجال استخدامها.
3 ـ تعدد الشركات التابعة والزميلة، حيث كان بالعشرات للشركة الاستثمارية الواحدة، والذي يطلق عليه ظاهرة «التفريخ»، سواء كانت تلك الشركات التابعة والزميلة استثمارية أو غير استثمارية، حيث انه من غير المنطقي إطلاقا قبول مؤسسة رقابية مثل البنك المركزي لعملية التفريخ السريعة دون كوادر مهنية لإدارتها، والذي أدى إلى ظاهرة الشركات الورقية وبشكل سافر لم يسبق له مثيل.
4 ـ كثافة التعاملات البينية بين الشركة الاستثمارية الواحدة وشركاتها التابعة والزميلة، سواء كانت تلك التعاملات من خلال سوق المال أو بشكل مباشر، وهي مشبوهة منذ نشأتها، حيث أنها صورية وبهدف التلاعب وتسجيل الأرباح غير الحقيقية والمبالغ بها.
5 ـ عدم اتخاذ البنك المركزي أي إجراء تجاه فضيحة تزوير الأرباح غير المحققة لشريحة من الشركات المدرجة، ومنها شركات استثمارية كبرى وبعضها متعثر في الوقت الحالي، والتي انكشفت في الربع الأول من العام 2006، وذلك رغم تنبيهنا الواضح عن ذلك التلاعب قبل حدوثه بعام على الأقل من خلال تقارير منشورة بالصحف.
6 ـ استخدام بعض الشركات الاستثمارية الأموال المودعة لديها من الغير بصفة الأمانة كضمان لتسهيلاتها المصرفية الخاصة، وبالتالي تعريضها للخطر الجسيم، وهذا ما حدث فعلا، والذي كان خيانة للأمانة بشكل سافر وواضح للجميع.
7 ـ عدم توافر كوادر فنية ومهنية لدى عدد من الشركات الاستثمارية قادرة على إدارة الأموال الضخمة والموزعة على عدة أسواق وبأدوات استثمارية متنوعة. ولا شك ان المخالفات الجسيمة لشريحة كبيرة من شركات الاستثمار لم تحدث مؤخرا ودفعة واحدة إنما على مدى سنوات طويلة، وهذا ما لفتنا النظر إليه مرارا وتكرارا من خلال تقارير اقتصادية على مدى السنوات التسع الماضية، وليس عندما «طاح الفاس بالراس» كما يقال، وقد أدى قصور رقابة البنك المركزي عليها إلى استفحال المخالفات وتشعبها، بل إن حالة الفوضى السائدة قد شجعتها على ابتكار وسائل وطرق للتلاعب والالتفاف على القوانين واستحداث بورصات داخلية لديها ليتم التداول على منتجاتها وأدواتها الاستثمارية بشكل شبه رسمي، ولا شك ان استمرار وتنامي مخالفات شركات الاستثمار على مدى سنوات عديدة يضعف حجة البنك المركزي بأن رقابته لاحقة وليست سابقة، حيث يمكن تبرير حدوث أزمة بنك الخليج بعنصر المباغتة وعدم وجود الرقابة المسبقة، إلا أن ذلك لا ينطبق إطلاقا على التجاوزات الجسيمة المتكررة والمستمرة لشركات الاستثمار.
من جهة أخرى، فإنه كان يتردد أن ضعف رقابة البنك المركزي على شركات الاستثمار نابع من القصور العددي للكفاءات المهنية اللازمة، حيث قفز عدد شركات الاستثمار من عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة قبل 20 عاما إلى ما يقارب المائة شركة في الوقت الراهن، إلا ان هذا الادعاء مردود عليه إن صح، حيث يمكن توفير الكفاءات المهنية سواء المحلية منها أو الأجنبية من خلال حوافز تشجيعية، وهذا أمر معروف وليس من ابتكارنا، كما أنه لو سلمنا جدلا بصعوبة توافر العدد المناسب للكوادر المهنية المطلوبة، فقد كان من الأحرى بالبنك المركزي إيقاف سيل التراخيص لشركات استثمار جديدة، التي وصل إجماليها حاليا إلى الـ 100 كما أسلفنا، وأيضا فإنه من المؤكد إن لم نقل بالأمر القاطع عدم حاجة الكويت لهذا العدد الهائل من الشركات الاستثمارية، والتي أصبحت عبئا على الاقتصاد، كما أساءت إلى سمعة الكويت المالية وتقييمها السيادي.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )