ألقى الرئيس التنفيذي لبنك الكويت الوطني في الكويت، عصام الصقر مؤخرا محاضرة بعنوان «تاريخ وإنجازات بنك الكويت الوطني» أمام طلبة كلية العلوم الإدارية بجامعة الكويت وبحضور جمع غفير من الطلبة ولفيف من أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعة.
واستعرض الصقر في محاضرته مسيرة بنك الكويت الوطني ونجاحاته المتواصلة على امتداد 57 عاما منذ انطلاقته عام 1952 كأول بنك وطني كويتي وأول شركة مساهمة في منطقة الخليج العربي. وأشار إلى أبرز المحطات المفصلية والأزمات التي مرت على البنك والاقتصاد الكويتي على غرار أزمتي سوق المناخ والاحتلال العراقي الغاشم للكويت والتي اجتازها البنك جميعا بنجاح ليخرج في كل مرة أكثر قوة ومتانة، وتوقف الصقر بصورة خاصة أمام الأزمة المالية العالمية الراهنة التي ضربت أسواق المال في مختلف بقاع الأرض ونجاح الوطني في تفادي تداعياتها العاصفة بصورة دفعت بمؤسسة عالمية عريقة ومرموقة على غرار غلوبال فاينانس إلى اختيار الوطني وحده من ضمن جميع البنوك العربية وإدراجه ضمن قائمة أكثر 50 بنكا آمنا في العالم.
وقد حرص الصقر على تقديم عرض مختصر لمسيرة حياته المهنية كمصرفي كويتي بارز في واحة من أعرق وأفضل المؤسسات المالية في الشرق الأوسط، والتي تشكل نموذجا وقدوة من أجل تشجيع وحفز الطلبة على مواصلة تحصيلهم الأكاديمي والالتحاق بمؤسسات القطاع المصرفي المرموقة. وتأتي هذه المحاضرة في إطار التواصل والتعاون المستمر بين بنك الكويت الوطني وكلية العلوم الإدارية في جامعة الكويت، والذي يتجسد في العديد من الأنشطة برعاية حساب الشباب المخصص لتلبية احتياجات الطلبة الدارسين في الجامعات والمعاهد العليا في الكويت، ولاسيما افتتاح فرع بنك الكويت الوطني في الجامعة وتنظيم العديد من البرامج التثقيفية والتوعوية والرياضية والترفيهية داخل مرافق الحرم الجامعي.
تجدر الإشارة إلى أن تاريخ بنك الكويت الوطني ليس مجرد قصة نجاح فريدة لبنك انطلق من الصفر وارتقى سلم النجاح والريادة في العمل المصرفي العربي، ليتوج في نهاية الأمر كأفضل بنك في الشرق الأوسط والبنك العربي الوحيد ضمن قائمة البنوك الخمسين الأكثر آمانا في العالم، بل إنه يحمل في طياته تاريخ دولة وشعب وحكاية نضال ملحمي خاضه الرواد الأوائل لإنجاز الاستقلال الاقتصادي والمالي للبلاد قبل أن تظفر الكويت باستقلالها السياسي والديبلوماسي الناجز. ففي مثل هذا الشهر من عام 1952 - قبل سبعة وخمسين عاما، صدر المرسوم الأميري السامي بتأسيس بنك الكويت الوطني شركة مساهمة كويتية في عهد المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح ليصبح البنك الوطني بذلك أول بنك وطني في دولة الكويت وأول شركة مساهمة في الكويت ومنطقة الخليج العربي. وكان صدور هذا المرسوم الأميري بمنزلة إعلان الدعم والمباركة السامية لانطلاق مسيرة من النجاح تحول خلالها «الوطني» من بنك صغير انطلق من مساحة ثلاثة دكاكين وبضعة موظفين يعملون بالأساليب اليدوية البدائية إلى واحد من أكبر مصارف المنطقة وأكثرها ربحية وريادية وابتكارا.
مصرف وطني
في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن عام 1960 هو تاريخ الاستقلال السياسي للكويت، إلا أن الذي قد يغيب عن أذهان الكثيرين هو أن عام 1952 قد شهد نوعا آخر من الاستقلال، ألا وهو الاستقلال الاقتصادي للكويت من خلال بنك الكويت الوطني. ففي هذا العام ظهر إلى الوجود كشركة مساهمة صغيرة لم يتجاوز رأسمالها مليون دينار فقط وحملت اسم بنك الكويت الوطني المحدود، لتعلن عن بدء عهد جديد من الحرية والاستقلال الاقتصادي ليس للكويت التي عاشت سنوات طويلة تحت الانتداب البريطاني فحسب، بل استقلال المنطقة برمتها والتي لم تكن تضم مؤسسة مالية وطنية واحدة في ذلك الوقت العصيب من تاريخها.
فقبل عام 1952، لم يكن في الكويت سوى بنك أجنبي واحد هو البنك البريطاني للشرق الأوسط في الكويت الذي تم افتتاحه رسميا في فبراير من عام 1942 أثناء الحرب العالمية الثانية.
ومنذ العام 1949، شعر القائمون على البنك البريطاني في الكويت بعدم رضاء المواطنين الكويتيين عن نشاطاته وخدماته. كما علموا بأن هناك تفكيرا وتوجها لدى بعض التجار الكويتيين لتأسيس بنك خاص بهم. وكان أن كتب المعتمد البريطاني في الكويت آنذاك عددا من الرسائل السرية إلى وزارة الخارجية البريطانية يعبر فيها عن قلقه وتخوفه من تأسيس البنك الوطني وكيفية القيام بمحاولات لعرقلة تأسيسه واستمراره.
وهكذا ظهرت لأول مرة فكرة تأسيس بنك كويتي وطني يخدم المصالح الوطنية بالدرجة الأولى ويأخذ على عاتقه تطوير وتنمية الاقتصاد الكويتي وإنعاش السوق التجاري وتنمية مدخرات المودعين وحفظها وذلك في عام 1952. وبالفعل التقى كل من: أحمد سعود الخالد، خالد زيد الخالد، خالد عبد اللطيف الحمد، خليفة خالد الغنيم، سيد على سيد سليمان، عبدالعزيز حمد الصقر، محمد عبد المحسن الخرافي، يوسف أحمد الغانم ويوسف عبدالعزيز الفليج.
وعقد هؤلاء التجار اجتماعا مع المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح الذي بارك لهم الفكرة ووعدهم بالدعم والتأييد. وكان عقد تأسيس فرع البنك البريطاني في الكويت مع حكومة الكويت ينص على عدم السماح بإنشاء بنوك أخرى في الكويت. وكان رأي أمير الكويت الشيخ عبدالله السالم في حينه أن ذلك لا ينطبق على إنشاء بنوك كويتية داخل البلاد.
وهكذا سمح بإنشاء بنك الكويت الوطني في 19 مايو من عام 1952 حيث صدر المرسوم الأميري الخاص بإنشاء البنك. وفي 15 نوفمبر 1952، افتتح بنك الكويت الوطني للعمل رسميا باعتباره شركة مساهمة كويتية للقيام بالأعمال المصرفية، فكان بذلك أول مصرف وطني في الكويت ومنطقة الخليج العربي على الإطلاق. وكان مجلس إدارة بنك الكويت الوطني وجميع المؤسسين من الكويتيين الذين لهم نشاط تجاري عريق داخل وخارج الكويت. وتأسس البنك برأسمال قدره ثلاثة عشر مليونا ومائة ألف روبية، أي ما يعادل مليون دينار كويتي فقط، موزعة على ثلاثة عشر ألفا ومائة سهم بقيمة ألف روبية للسهم الواحد.
وفي مبنى صغير يقع في الشارع الجديد بدأ العمل بعدد قليل من الأفراد لم يتجاوز عدد أصابع اليد وبمساحة لا تتجاوز 3 دكاكين، وزاول في بداياته أعمالا مصرفية بسيطة وبدائية تتلخص في الاعتمادات التجارية، وتبادل العملات، وحوالات مصرفية بسيطة، وإيداعات وسحوبات.
هكذا كانت البداية، ولكن «الوطني» أثبت مع مرور الأيام كفاءته وجدارته مساهما وراعيا لحركة النهضة في الكويت وليقدم جميع أنواع الدعم للأفراد والمؤسسات لتمويل إنشاء مشاريع البنية التحتية في كويت الخمسينيات حيث كان هو البنك الكويتي الوحيد آنذاك.
الأصالة في الوقت العصيب
وخلال الثمانينيات اجتاز بنك الكويت الوطني اختبارا قاسيا، حين وقعت أزمة انهيار سوق الأسهم والمسماة أزمة «سوق المناخ» عام 1982. وقد كان أسلوب العمل المصرفي المتزن والمتحفظ لبنك الكويت الوطني خلال هذه الأزمة وراء جعله البنك الوحيد الذي لم يتأثر سلبا، ونتيجة لذلك أطلق عليه اسم «البنك الفائض الوحيد». وكان «الوطني» قد حذر مرات عديدة في تقاريره ونشراته الاقتصادية من خطر هذه الأزمة قبل وقوعها وقبل أن يتضرر منها كثيرون. ثم جاءت أزمة الاحتلال العراقي للكويت في عام 1990، والتي كانت اختبارا كبيرا لصلابة موقف بنك الكويت الوطني، حيث استمر في أداء أعماله من خارج الكويت والوفاء بجميع التزاماته نحو عملائه وللبنوك في الخارج. كما كان له دور رئيسي في تمويل مشاريع إعادة إعمار الكويت. وقد أدى ذلك الأداء المميز لبنك الكويت الوطني خلال هاتين الأزمتين إلى دعم واستمرارية الثقة من قبل عملاء البنك وتعزيز ثقة البنوك العالمية به. وخلال التسعينيات وبعد تحرير الكويت، لعب بنك الكويت الوطني دورا رائدا وأساسيا في خدمة الاقتصاد الكويتي عن طريق إدارة القروض العملاقة من بينها القرض الذي رتبه بعد تحرير الكويت عام 1991 لصالح الحكومة وقدره 5.5 مليارات دولار وهو أكبر قرض عرفته المنطقة العربية. كما أدار «الوطني» كذلك قرضا لشركة ايكويت قدره 1.25مليار دولار.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )