منى الدغيمي
خيارات عدة تدرسها أو درستها العديد من الشركات المتعثرة أو التي تكبدت خسائر ضخمة جراء تداعيات الأزمة المالية الاقتصادية العالمية على الاقتصاد المحلي ولكل من هذه الخيارات آليات وفي الوقت نفسه صعوبات في التطبيق، لاسيما من أبرزها زيادة رؤوس الأموال أو الاندماج أو الاستحواذ وعلى مستوى زيادة رؤوس الأموال فان المؤشرات الأولية تشير إلى ان الزيادة المتوقعة لرؤوس أموال الشركات سواء التي أعلنت أو التي بصدد الإعلان عن زيادة رأس المال حيث تتراوح بين 600 و800 مليون دينار، بالإضافة إلى الزيادة في رأس مال بنك الخليج فإنها ستصل إلى مليار دينار، أما الصعوبة التي تواجه هذا الخيار فإنها تكمن في عدم قدرة المساهمين على المشاركة في رؤوس أموال عدد من الشركات خاصة المتعثرة وفي الوقت نفسه صعوبة حصول هؤلاء على تمويل من البنوك، أما خيار الاندماج والاستحواذ فإنه يواجه صعوبة متمثلة في الوقت الذي تستغرقه عمليات الاندماج والاستحواذ وآليات تقيم الأصول وغيرها من المعوقات التي لا تتناسب مع الأزمة التي تمر بها الشركات وحاجتها الماسة للخروج منها. «الأنباء» استطلعت أراء خبراء اقتصاد ومسؤولين في شركات حول الخيارات المتاحة أمام الشركات للخروج من أزمتها المالية لاسيما خيار زيادة رأس المال والتي بدأت بعض الشركات تعلن عن حاجتها إلى زيادة رأس المال وأن بعض البنوك يتوقع أن تعلن عن ذلك أيضا وهذا يأتي في ظل أزمة سيولة مالية لدى كبار المساهمين في العديد من الشركات وفي الوقت نفسه صعوبة حصولهم على تمويل من البنوك لتلبية عمليات الزيادة في رأس المال. وفيمايلي تفاصيل الاستطلاع:
في البداية كشفت د.أماني بورسلي في جامعة الكويت ان مطلب زيادة رأسمال بالنسبة للشركات التي تعاني من مشاكل في السيولة يستدعي التوقف والتريث بالنسبة للخطوة الأولى التي ستخوضها والمتمثلة في مدى قدرتها على إيجاد سبب مقنع للمستثمرين لدعوتهم لعملية الاكتتاب. وأوضحت أن المستثمر يجب أن يكون حريصا على الموافقة على الاكتتاب أو عدمه ويجب أن تؤكد الشركة بدورها على أن هناك ما يستدعي الزيادة في رأسمالها، لاسيما كشفها عن الفرص الاستثمارية المستقبلية وتقديمها لضمان قاطع بعائد جيد لتدعم عملية الطرح.
وعلى صعيد آخر بينت بورسلي أن زيادة رأسمال لا تلق نجاحا في ظل الأزمات المالية الراهنة مما أدى إلى اخذ مزيد من الحذر والحيطة من طرف البنوك بشأن العمليات التمويلية.
وأوضحت انه في حالة امتناع البنوك عن التمويل فالخيار الوحيد أمام الشركات سيكون البحث عن مصادر تمويل عن طريق المؤسسات المالية العالمية مشيرة إلى أنه في ظل الأزمة الراهنة فإن المؤسسات العالمية التمويلية في وضعية غير مسموح بها بالتمويل. ولفتت إلى انه إذا لم يتم الاكتتاب فإن الشركات ستقع في مشكلة كبيرة ولن يكون امامها سوى الدمج أو الاستحواذ وذلك عن طريق إعادة الهيكلة للشركة واعتبرت بورسلي أن هذا المخرج الأخير أمام الشركات في ظل إغلاق جميع المصادر التمويلية وأن يمثل الخيار النهائي التصفية كمخرج من الأزمة.
الطريقة الأسهل
من جانبه قال مصدر مسؤول في القطاع البنكي ان أسهل طريقة لتأمين الخسائر بالنسبة للشركات التي تعاني من أزمة هي الزيادة في رأس المال، مبينا أن الطريقة مستوحاة من الولايات المتحدة الامركية وأضاف أن أميركا تعتبر من الدول التي لجأت إلى طريقة الزيادة في رأس المال لكي يتحمل المساهمون في الشركة أخطاءهم ويصححون أوضاع الشركة. وذكر أن الوضع في الكويت يختلف مقارنة بأميركا وعزا ذلك إلى وضعية كل شركة والتركيب الهرمي للشركات الكويتية وفي المقابل لفت المصدر إلى انه إذا تعثرت عملية الزيادة في رأسمال الشركة فلن يبقى أمامها إلا التصفية أو تدخل الحكومة عن طريق الهيئة العامة للاستثمار.
التمويل الداخلي
من جانبه رأى نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة رساميل للهيكلة المالية عصام الطواري وأن مطلب الزيادة في رأسمال الشركة يعتبر معقولا ويمكن أن يكون حلا من الحلول للخروج من عنق الزجاجة لبعض الشركات إذا كان الغرض منه استراتيجيا، لافتا إلى أنه إذا كان الهدف من زيادة رأسمال فتح خطوط إنتاج جديدة فإنه لن تكون هناك خطورة. وأضاف في ذات الإطار أنه من منطلق هذه الحالة يزداد عدد الأسهم ويزداد الإيراد والعائد.
وعلى صعيد آخر فضل الطواري أسلوب التمويل الداخلي للشركة، موضحا أن الإدارة يجب أن تقنع المساهمين بالحاجة إلى الأموال لدعم نشاط الشركة من جديد مؤكدا أن كل زيادة في رأس المال يجب أن يكون لها سبب مقنع. وبين الطواري أن وقت الأزمات يعكس مدى دعم المساهمين للشركة، مشيرا إلى انه يجب أن يكون هناك برهان عن دعم المساهمين والملاك للشركة في الأوقات الصعبة. ودعا ملاك الشركات والمساهمين فيها إلى أن يظهروا التزامهم إزاء شركاتهم وألا يلتجئوا إلى التمويل الخارجي عن طريق السندات بسهولة كحل من حلول الخروج من الأزمة وذكر أن حل الزيادة في رؤوس الأموال يبين مدى تمسك الملاك بالشركة وهو يعتبر حلا من مجموعة من الحلول.
حل منطقي
وعلى صعيد متصل رأى المحلل المالي في شركة المشورة والراية للاستشارات المالية علي العنزي أن مطلب الزيادة في رأس المال أكثر الحلول منطقية لإنقاذ الشركة من التعثر أو شح السيولة، مشيرا إلى أن عددا كبيرا من الشركات في الكويت مملوكة من طرف عائلات لذلك عملية الزيادة في رأس المال عن طريق التمويل الداخلي يراد بها إنقاذ سمعة الشركة التي تعكس مكانة العائلة واسمها في الوسط المالي الاجتماعي. وبين العنزي أن ملاك هذه الشركات سيلجأون خاصة إلى الدفع من أموالهم الخاصة للحفاظ على مكانة شركاتهم في السوق. وأشار العنزي إلى أن عملية الزيادة في رأس المال لا يقدم عليها كثير من الشركات في الوضع الراهن، وعزا ذلك إلى قطع الخطوط التمويلية ولجوء الشركات إلى خيار التوجه إلى اقتناص فرص استثمارات جديدة لدعم نشاط الشركة. وأضاف في ذات الإطار أنه يوجد أكثر من حل أمام الشركات لاسيما عمليات الاندماج وإعادة هيكلة الديون ودخول شركاء استراتجيين جدد مشيرا إلى أن كل شركة ينطبق عليها ما لا ينطبق على غيرها والحلول تخضع إلى وضعية كل الشركة.
مجالس الإدارة
هذا وكشف نائب رئيس مجلس إدارة الملا للاستثمار عبدالله الملا عن ان الخيار المتاح حاليا على الساحة الاقتصادية هو العمل على ضرورة تغيير مجالس إدارة الشركات التي تعاني من مشاكل في الإدارة والتسيير. وأقر فرض مبدأ الشفافية وبين بدوره أن تغيير مجالس إدارة بصفة عامة أمر مطلوب وأساسي لاسيما متى توافر ضخ دماء وفكر جديد من الممكن أن يساعد تلك الشركات على الرفع من مستواها.
وأضاف في الإطار ذاته أن التجديد في مجلس الإدارة الشركات المساهمة أمرا مطلوب، لاسيما للشركات التي تعاني من خسائر ولم يستطع مجلس إدارتها انتشالها. ونصح الملا رؤساء مجالس إدارة الشركات التي تعاني من مشاكل أن يعيدوا النظر في الخطط الإستراتيجية الموجودة والتي وضعت من المجلس السابق لتطوير تلك الخطط بفكر جديد. وفي السياق ذاته أضاف أن على المجلس الجديد لإدارة الشركة أن يراقب ويدقق أعمال الدورة السابقة للمجلس القديم ويبحث عن الخلل لتداركه لتطوير أعمال الشركة. ومن هذا المنطلق اعتقد الملا أن تغيير مجلس الإدارة من الخيارات المهمة والمتاحة والميسرة في الوقت الراهن وعلى الشركات أن تعتمد هذا الخيار ولا وجود لأي مانع في إقراره، مؤكدا على ضرورة استخدام المال العام فقط للشركات المليئة لا الورقية. ورأى الملا أن الخيار الثاني المتاح على الساحة الاقتصادية في الوقت الراهن هو الاندماج للخروج من الأزمة بأقل الأضرار، مشيرا إلى مجموعة الاندماجات التي توختها معظم الشركات العالمية في الدول الغربية. وبين الملا أنه في ظل أسوة تداعيات الأزمة المالية العالمية وشروط قانون الاستقرار المالي سيفتح المجال أمام الاندماجات والاستحواذ لعتق رقاب الشركات الكويتية من الإفلاس، مشيرا إلى أن تعثر هذه الآلية وعدم رواجها بالسرعة المطلوبة يرجع في الأساس لنقص البيئة التشريعية المتمثلة في قانون الشركات.
النظام الإسلامي
وأفاد دكتور الاقتصاد بجامعة الكويت د. محمد القطان بأنه لابد على الشركات التي تعاني من صعوبات ان تراجع من استراتجيها القديمة وان تعيد حساباتها.
ورأى القطان انه من الضرورة الاعتماد على النظام الإسلامي والابتعاد عن النظام الرأسمالي ودعا المؤسسات التقليدية الى توخي الحذر والاستفادة من أخطاء التجربة السابقة مشيرا الى سلبيات الاعتماد على التمويل عبر القروض. وبين أن الشركات التي تضررت من الازمة المالية العالمية كانت تفتقر الى استراتجية واضحة وخطط طويلة الامد. واشار ان قانون الاستقرار المالي قد تطرق في واحد من بنوده الى طرح الصكوك الاسلامية.
ورأى القطان ان مشاركة الحكومات الشركات عن طريق عقود مناقصة او غيرها يعد احد الحلول للخروج من الأزمة، لافتا إلى أن عند دخول الدولة كشريك في رأس المال فهي تكون دعمت الشركة من ناحية وقد استفادت من ناحية اخرى بتمتعها بأرباح مدة مشاركتها للشركة وفق العقد المبرم بينهما. وطالب القطان بالرجوع إلى مرحلة الاستثمار الحقيقي وذلك بتعاون رأسمال مع العمل.
التعويل على الذات
ومن جانبه رأى المدير العام لشركة بوبيان للأسماك وعضو شركة الصفاة عزام الفليج ان الاختيارات باتت في الوقت الراهن محدودة من منطلق قراءة الوضع الاقتصادي الحالي بالنسبة للشركات التي تضررت من الأزمة المالية العالمية. وأوضح ان الشركات السالف ذكرها مخيرة بين أمرين اثنين اما الدخول تحت مظلة قانون الاستقرار المالي والانصياع لمتطلبات البرنامج التمويلي الذي يطرحه القانون، مشيرا الى ان متبني قانون الاستقرار يجب ان يثبتوا امتلاكهم لأصول جيدة وقدرتهم على تسديد التزاماتهم.
اما بالنسبة للخيار الثاني امام الشركات الرافضة للدخول تحت مظلة القانون، فأفاد بأنه متمثل في اختصار الطريق والخروج من الحلبة من خلال الموافقة على التصفية، معتقدا في ذات الاطار ان من 200 شركة ناشطة في الكويت 1% فقط ممن سيدخلون تحت مظلة قانون الاستقرار. وعلى صعيد متصل رأى من منطلقه الشخصي ان الحل او الخيار الافضل بالنسبة لبعض من الشركات التي ترفض الالتزام او الخضوع الى كافة شروط قانون الاستقرار المالي هو ان تسعى الى تخفيض المصاريف وزيادة من اراداتها وسلكها طريق الاعتماد على الذات.
نقطة الصفر
ومن جانبه شبه مدير ادارة التخطيط الاستراتيجي بشركة المشورة والراية للاستشارات المالية الإسلامية ناصر الزيادات الوضع الاقتصادي الراهن بــ«الغرغرينة»، وطالب بضرورة الاسراع في كشف كل الشوائب ورميها بسلة المهملات، مشيرا الى الاصول المسمومة التي كانت سببا من اسباب الازمة.
وقال في معرض حديثه: «خلينا نرجع لنقطة الصفر وبناء على ذلك ستكون المساعدة المطلوبة من أي جهة واجبة».
ورأى الزيادات ان الخيار الامثل والاساسي بالنسبة للشركات المتعثرة هو التنظيف ولا شيء غير ذلك، مشيرا الى ان صياغة مرسوم قانون الاستقرار المالي كانت ذكية جدا بحيث ان مجمل بنوده رامية الى استثناء الشركات التي لا تسهم في بناء الاقتصاد مستنكرا بدوره استمرارها وبقاءها على الساحة الاقتصادية مطالبا اياها بالانسحاب.
الحجم الطبيعي
من جانبه أيد رئيس جمعية المحاسبين محمد الهاجري قيام الشركات غير المليئة وغير القادرة على الدخول تحت مظلة قانون الاستقرار المالي بزيادة رأس مالها ودعاها إلى الاندماج الذي ارتآه حلا مناسبا، موضحا ان الاندماج يعتبرا خيارا افضل. وعزا ذلك الى ان العدد الكبير للشركات المدرجة التي قد لا تتناسب مع السوق المحلي قد اثرت سلبا على المستثمر من ناحية وعلى حركة التداول من ناحية اخرى، مبينا في ذات الاطار ان خيار الاندماج سيحقق الحجم الطبيعي المناسب للشركات التي من المفروض ان تكون على الساحة والتي ستساهم بدورها في تعافي سوق الاوراق المالية.
وبين الهاجري انه لئن اعتبر قانون الاستقرار المالي قاسيا في شروطه بالنسبة الى وضعية بعض الشركات التي تعاني مشاكل فان الرضا بشروطه يرجع بالأساس الى مجلس ادارة الشركة الذي يتحمل كافة مسؤولياته في ذلك. واختتم بقوله: «ان خيار الاندماج يبقى الافضل او رفع الراية والاعتراف بعدم الاستمرارية».
توقيت مناسب
أما وفق نظرة مسؤول الدائرة القانونية بمجموعة شركات كويتية وخليجية سعد الريس فان الخيار الأمثل بالنسبة للشركات المدرجة وغير المدرجة التي تعاني من مشاكل للخروج من الأزمة الحالية هو الاندماج الذي يعتبر الأفضل والأكثر نجاعة وينم عن دراسة جيدة للواقع الاقتصادي من قبل متخذي القرار، مؤكدا أن التوقيت مناسب جدا للتخلص من الشركات الورقية وتخفيف العبء على السوق، مشيرا إلى أن قطار الاندماجات والاستحواذات قد بدأ في الكويت والمنطقة وعام 2009 سيكون عام الاندماجات تحت مقولة «مجبر أخاك لا بطل» وذلك لأسباب عدة منها ما تشهده الأسواق العالمية من هزات اقتصادية خاصة وأن جميع الدراسات والتقارير ومنها تقرير صدر أخيرا عن الاتحاد الدولي لشركات الاستحواذ والدمج بناء على دراسة أعدتها شركة «ميرغرماركت» تشير إلى أن الاندماجات والاستحواذات تساهم في تحسين المناخ السائد حاليا نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية إلا أن التقرير حذر من أن سياسات الأبواب المغلقة المعمول بها حاليا بحاجة إلى إجراءات عاجلة لإعادة الثقة لدى المستثمرين المحتملين.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )