مثلت الأزمة الاقتصادية العالمية والانخفاض الحاد في أسعار النفط تحديا أساسيا بالنسبة لحكومات دول مجلس التعاون الخليجي التي تعمل على بناء البنية التحتية اللازمة لدعم النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية في المستقبل وذلك وفق تقرير جديد لبوز اند كومباني.
وأكد التقرير على ضرورة لإعطاء دول الخليج الأولوية للاستثمار في بنيتها التحتية للمحافظة على النمو السريع الذي تميزت به خلال السنوات المنصرمة.
وشدد التقرير على أهمية توجيه استثمارات الحكومات والمصارف وغيرها من الجهات المعنية في البنية التحتية ووضعها على رأس قائمة أولوياتها وتوفير أو جذب التمويل الضروري لتمكين استمرار تطوير هذا القطاع الأساسي.
ودعا التقرير الحكومات إعطاء الأولوية للمشاريع التي تركز على الأهداف الإستراتيجية الطويلة الأمد وإرساء الإطار القانوني والتنظيمي المناسب لجذب الاستثمارات الخاصة إلى هذا القطاع، وتسويقه بين المستثمرين والمطورين الدوليين. وعلق، نائب رئيس بوز آند كومباني فادي مجدلاني بقوله: «يمكن للحكومات أيضا ان تدعم تطوير أدوات للاستثمار في البنية التحتية داخل المنطقة، وتنظم الصفقات بشكل يسهل القروض الميسرة والتمويل الخاص».
وعلى صعيد متصل طالب التقرير المصارف ومؤسسات الإقراض والمستثمرين في القطاع الخاص بالاستفادة من فرص النمو المهمة في تمويل مشروع البنية التحتية في مجلس التعاون الخليجي، مشيرا إلى أن هناك مجموعة من أدوات الاستثمار المتوافرة لتسهيل هذه العلمية.
مشاريع البنية التحتية
وكشف التقرير ان عدد مشاريع البنية التحتية في دول مجلس التعاون الخليجي ارتفع بمعدلات غير مسبوقة في السنوات الأخيرة، لافتا إلى انه بين العامين 2002 و2008، قامت حكومات المجلس بمشاريع تبلغ قيمتها ما يعادل 720 مليار دولار. وورد في التقرير ان الإنفاق لم يكف لمواءمة وتيرة النمو الاقتصادي والسكاني، مشيرا إلى أن الكويت لاتزال تعاني من مشاكل في الإنتاج الكهربائي في أوقات الذروة، وكذلك المملكة العربية السعودية وغيرها من دول المجلس تواجهه نقصا في المياه، اضافة إلى ان الإمارات العربية المتحدة تعاني من ضغط كبير على شبكات الصرف الصحي وزحمة سير خانقة على الطرقات السريعة. من هذا المنطلق خلص التقرير إلى انه من المهم ان تستمر الحكومات في جهودها الرامية إلى تطوير البنية التحتية، مشيرا إلى ان الأزمة الحالية تفرض عددا من التحديات.
ووضح مدير أول بوز آند كومباني وليد فياض ان دول مجلس التعاون الخليجي لم تعف من الأزمة المالية العالمية والركود الاقتصادي، مع انخفاض حاد في أسعار النفط، وانخفاض في السيولة، وانخفاض في أسعار الأسهم في أسواق الأسهم الإقليمية، مشيرا إلى أن هذا قد أثر بدوره على تطوير البنية التحتية بطريقتين من جهة ان أسعار النفط المنخفضة، تعيق ولو جزئيا، قدرة الحكومات على الإنفاق على البنية التحتية ومن جهة أخرى، تحد أسواق الائتمان الضيقة والاختلال في سوق القروض من توافر التمويل الطويل الأمد للبنية التحتية من القطاع الخاص.
تأثير أسعار النفط
وكشف التقرير ان حكومات مجلس التعاون الخليجي لاتزال تعتمد على صادرات النفط في جزء كبير من إيراداتها ـ رغم محاولاتها الحثيثة لزيادة التنوع في اقتصادياتها، لافتا إلى ان أسعار النفط المرتفعة قد سمحت لحكومات مجلس التعاون الخليجي بتمويل نشاطات تنموية مهمة، بما في ذلك تطوير البنية التحتية، وتوليد فائض مريح في الموازنة. وأضاف التقرير أن الإنفاق على البنية التحتية ارتفع إلى ما يوازي 30% من الموازنة في بعض الدول. وأشار إلى انه مع الانخفاض الأخير في أسعار النفط، تواجه الحكومات إمكانية تكبد عجز ضريبي، مما يقلل، إلى حد كبير، من قدرتها على الإنفاق على البنية التحتية.
الصناديق السيادية
توقع التقرير مشاركة الصناديق السيادية وشركات الاستثمار المملوكة من الحكومة في مشاريع تمويل البنية التحتية، لافتا إلى انه عليها أن تفاضل بين هذه المشاريع ومتطلبات ملحة أخرى بحاجة للتمويل، لاسيما مساعدة البنوك وشركات أساسية أخرى، دعم صندوق النقد الدولي.
وفي هذا الإطار أوضح فياض انه من المهم ان تعتمد الصناديق السيادية وشركات الاستثمار المملوكة من الحكومة مقاربة موجهة نحو الربح خلال مشاركتها في تطوير البنية التحتية، مشيرا إلى أنها قد تستفيد أيضا من مجهود واسع لترشيد العدد الحالي المرتفع للصناديق والشركات.
أزمة القروض
ورد في التقرير انه خلال السنوات الأخيرة، بلغت القروض الممنوحة من المصارف لتمويل البنية التحتية في شراكات بين القطاعين العام والخاص مستويات غير مسبوقة، حيث تخطت تلك القروض 48 مليار دولار في دول مجلس التعاون الخليجي في 2007/2008.
وأضاف أن أسعار النفط المرتفعة وزيادة السيولة ساهمت في إحداث نمو في الودائع المصرفية المحلية، ما سنح الفرصة لهذه المصارف بالمشاركة في تقديم قروض خاصة بالبنية التحتية.
وأشار التقرير الى أن الطلب المتزايد على تمويل البنية التحتية تخطى قدرة المصارف المحلية، ما استعدى مشاركة المصارف الأجنبية، كاشفا انه في المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، أمنت المصارف الأوروبية، والآسيوية، والأميركية معظم تمويل الدين.
وقال مجدلاني في هذا الإطار: «إن أسواق الائتمان والقروض متخوفة اليوم من اتفاقات مشاريع التمويل الطويلة الأمد، وتتفادى المصارف تغطية قروض لمشاريع كبيرة في البنية التحتية في عالم من السيولة المحدودة». وأضاف أن ارتفاع تكلفة الدين أثر على الاستمرارية المالية لعدد كبير من المشاريع.
وتابع التقرير «يعاني المطورون من صعوبة في توفير القروض، وفي حال استمرار الأزمة، سيكونون أكثر ترددا في الالتزام بمشاريع جديدة. وعقب مجدلاني بقوله: «بسبب ذلك، قد يتم تأخير أو إعادة تعهيد سلسلة من مشاريع البنية التحتية المخططة والمعتمدة على قروض البنية التحتية الموزعة».
التحديات والاستعداد للمستقبل
وأورد التقرير جملة من التحديات تواجهها دول التعاون، مشيرا الى ان الجهات المعنية بالبنية التحتية تحتاج إلى أخذ تدابير فورية لدعم تطوير البنية التحتية:
فبالنسبة لحكومات مجلس التعاون الخليجي كشف أنها لا يمكنها صرف النظر عن أن الاستمرار في الإنفاق على البنية التحتية أساسي لنموها الاقتصادي على المدى الطويل. وبهذا الخصوص قال فياض «تحتاج حكومات مجلس التعاون الخليجي إلى تحديد أولوية مشاريع البنية التحتية بما يتناسب وأهدافها الإستراتيجية مبينا ان ذلك سيوفر للحكومات إطارا واضحا لتوجيه التنظيمات، والمحفزات، ورأس المال نحو المشاريع التي تعتبر أكثر أهمية».
وأضاف التقرير ان الحكومات ستحتاج أيضا إلى التأكد من وضع إطار قانوني وتنظيمي مناسب لتعزيز الاستثمار في القطاع الخاص، وتخفيف المخاطر على المقرضين والمطورين، وتوفير المحفزات المطلوبة.
وكشف التقرير أن الخطوات الواجب اتخاذها تتضمن:
ـ إعداد قوانين شفافة خاصة بالاستثمار الأجنبي المباشر والامتيازات، من شأنها جذب الاستثمارات في القطاع الخاص في إطار الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
ـ منح ضمانات سيادية للمقرضين والمطورين.
ـ القيام بالتزامات شراء مضمونة، وتأسيس أطر تضمن عائدات ملائمة للقطاع الخاص عبر تخفيض مخاطر الطلب الطويل الأمد.
وأكد التقرير ان الحكومات تحتاج إلى إنشاء أدوات للاستثمار في البنية التحتية تتم إدارتها بهدف تحقيق الربح. وأضاف انه من شأن هذه الأدوات أن تسهل النفاذ إلى تمويل البنية التحتية في المنطقة، كي تستغني المشاريع الضرورية عن الاعتماد على المصارف الأجنبية للحصول على التمويل. وعلق فياض: «يمكن لهذه الأدوات ان تستخدم لجذب التمويل من مجموعة مصادر، بما في ذلك المصارف المحلية والدولية والبدائل الأخرى كصناديق الاستثمار الخاصة».
ودعا التقرير حكومات مجلس التعاون الخليجي أن تسعى إلى تنظيم صفقات البنية التحتية بشكل يسهل التمويل عبر تجزيء المشاريع لتمكين أسواق الائتمان والمطورين من استيعابها، لافتا إلى أنه من شأن الحكومات أيضا أن تسهل تمويل المشاريع عبر السماح بتوزيع غير كامل للدين، مع تغطية متطلبات الدين المتبقية عبر تمويل مضمون من جهات راعية.
المصارف ومؤسسات الإقراض
وأكد التقرير انه يجب على المصارف تأدية دورها في تعزيز وتسهيل تمويل البنية التحتية، مشيرا إلى أن هذه المشاريع تتطلب كميات كبيرة من الدين بمعدلات فائدة منخفضة. وأضاف انه مع دعم الحكومة، يمكنها أن تحمل منافع كبيرة للمصارف مع مخاطر متدنية نسبيا.
وتابع «من أجل دعم ناجح ومربح لتطوير البنية التحتية، على المصارف والمؤسسات أن تأخذ بالاعتبار الأمور التالية:
ـ ان تتبنى مقاربة فاعلة لتمويل مشاريع البنية التحتية وتعتمد أكثر على أسواق رأس المال.
ـ ان تؤمن تمويلا قصير الأمد عند الحاجة، شرط الحصول على ضمانات من الحكومات والجهات الراعية.
ـ ان تشارك في أدوات استثمار في البنية التحتية تحت رعاية الدولة لتخفيف الخطر الإجمالي وتوفير فرص جيدة للعائدات الاستثمارية.
القطاع الخاص والمطورون
وكشف التقرير انه خلال السنوات الأخيرة، لم تبلغ نسبة مشاركة القطاع الخاص في مشاريع البنية التحتية في المنطقة المعدلات العالمية المسجلة في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.
وقال مجدلاني في هذا الإطار: «يمكن للحكومات أن تعزز الاستثمار في القطاع الخاص من خلال التشجيع والدعم، غير أن اعتماد إستراتيجية طويلة الأمد أمر ضروري. ويمكن لهذه الإستراتيجية أن تتضمن تخصيصا جزئيا أو كليا لبعض أصول الحكومة في البنية التحتية».
وأضاف التقرير ان المطورين المستعدين يحظون الآن، رغم الأزمة، لإثبات التزامهم بالمنطقة عبر توفير الوقت، والجهد، ورأس المال، بفرصة احتلال موقع ريادي طويل الأمد في سوق البنية التحتية في مجلس التعاون الخليجي. وأشار إلى ان المشاركة الآن تعني أيضا فرصة لضمان حصة في السوق، والاستفادة من إعادة رسملة الدين بعد تعافي أسواق الائتمان.
وأوضح مجدلاني في هذا السياق ان ما تحتاجه شركات القطاع الخاص اختيار قطاعات ومشاريع معينة، بناء على المردود المالي المنتظر والقدرات التنافسية للشركة. وأكد انه على هذه الشركات أن تبني خططا على أساس دراسة مفصلة لواقع السوق تسمح لها بتوقع هيكلية القطاع بعد انتهاء الأزمة والاستفادة من فرص النمو المستقبلية.
وشدد التقرير على المطورين التركيز على أسواق رأس المال للحصول على مصادر إضافية وأقل تكلفة للتمويل، وتخفيف اتكالهم على القروض المصرفية الموزعة. وكشف انه من بين الحلول الممكنة، مبادرات التمويل الخاصة التي تسمح بجمع الأموال في أسواق الائتمان من خلال بيع سندات تصدرها الشركة التي تدير هذه المبادرات. وأضاف التقرير أنه عندما يكون الاقتراض من البنك محتما، قد يحتاج المطورون إلى طمأنة المقرضين. وقال فياض في هذا الصدد: «على المطورين الأخذ بالاعتبار محاولة تأمين ضمانات سيادية لتسهيل الحصول على القروض».
وختم التقرير انه يمكن الحصول على دعم تمويل الدين من قبل هيئات خاصة كالصناديق الأجنبية أو مصارف التصدير. وأشار إلى انه يستلزم ذلك، في معظم الأحيان، جذب مطورين أجانب للمساهمة في البنية التحتية المحلية من خلال مشاريع مشتركة على سبيل المثال. وللإشارة فان «بوز آند كومباني» هي شركة عالمية رائدة في مجال الاستشارات الإدارية تقدم الدعم للشركات العالمية الكبرى، والحكومات، والهيئات والمؤسسات.